الإثنين   
   08 07 2025   
   11 محرم 1447   
   بيروت 00:09

قراءة في دلالات زيارة توماس براك إلى بيروت.. تغيّر في الشكل وثبات في المضمون

اعتاد لبنان أن يستقبل مبعوثين أميركيين من نمط تقليدي يحمل التهويل والضغط، كديفيد شينكر وعاموس هوكشتاين، لكن ما ميز زيارة توماس براك أنها قدّمت شخصية مختلفة في الشكل، تعرف كيف تخاطب اللبنانيين، وتنتقي عبارات مدروسة أثارت انطباعاً أولياً إيجابياً لدى البعض، رغم ثبات الجوهر الأميركي في مطالبه ومواقفه المعروفة.

غير أن المواقف التي أطلقها براك في بيروت صدمت من كانوا يتوقعون لهجة تهديد وتحذير، خصوصاً في الوسطين الإعلامي والسياسي. قبل دقائق من تصريحه، كانت بعض الصحف والمنابر الإعلامية تُشيع أجواء تصعيد وتهويل، ما يعكس حجم الرهان على نبرة أميركية تقليدية، لم تأتِ.

براك، في مواقفه العلنية، وصف الرد اللبناني بأنه كان “مقنعاً جداً”، وعبّر عن ارتياحه لما سمعه في القصر الجمهوري ومن الرئيس نبيه بري. وقد عبّر براك عن تفهمه لموقف الدولة اللبنانية، مؤكداً أنه لا جدول زمنياً للحوار، وأن النقاش مفتوح، في موقف فُهم على أنه مراعاة للمخاوف اللبنانية، لا سيما في مسألة السلاح.

ولعل اللافت أن براك تحدث عن حزب الله بلهجة مختلفة، واصفاً إياه بـ”الحزب السياسي اللبناني الممثل في الحكومة”، في لغة هي أقرب إلى التعاطي الواقعي منه إلى الخطاب العدائي. بل وأكد أن مسألة سلاح الحزب هي “شأن داخلي لبناني”، محوّلاً بذلك النقاش من التصعيد الخارجي إلى الداخل اللبناني.

إلا أن تلك اللهجة لم تحجب جوهر السياسة الأميركية. براك لم يقدّم أي ضمانات أمنية للبنان، بل تحدث بصراحة عن فشل آلية مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، في موقف وصف بالخطير، يعكس أن الولايات المتحدة لا تضمن ضبط الاحتلال الإسرائيلي، ولا تمنع تصعيده. فبمجرد مغادرته القصر الجمهوري، كانت طائرات الاحتلال المسيّرة لا تزال تحلق في سماء العاصمة بيروت.

وفي هذا السياق، برز تعليق رئيس الحكومة نواف سلام الذي أكد أن “الدولة وحدها تملك قرار السلم والحرب”، وهو موقف وطني واضح، في حين وصف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الرد اللبناني بأنه “غير قانوني”، بحجة وجوب عرضه في مجلس الوزراء، رغم أن الاتفاقات والتفاهمات الخارجية من اختصاص رئيس الجمهورية بموجب الدستور.

في العمق، يرى مراقبون أن الرد اللبناني كان متماسكاً، وقد حمل في مضمونه، وفق المعلومات، سبع صفحات تتضمن خمس عشرة نقطة، تتعلق بآلية الرد على المقترحات الأميركية، مع تأكيد أن السلاح شأن داخلي وأن هناك خصوصية لبنانية يجب احترامها. هذه المواقف تكرّست أيضاً في خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، وفي رؤية رئيس الجمهورية.

وفي تقييم شامل، يمكن القول إن توماس براك نجح في اعتماد خطاب دبلوماسي هادئ، لكنه لم يغيّر في جوهر السياسة الأميركية: لا التزام بوقف التصعيد، لا ضمانات أمنية، واستمرار الضغوط. بالتالي، فإن الشكل تغيّر، أما المضمون فباقٍ على حاله.

ووسط كل هذه المعطيات، تبقى بيئة المقاومة، بحسب بعض المتابعين، هي التي فرضت هذا الخطاب المتغير، لا سيما بعد الثبات الذي أظهرته في مناسبات الأيام الماضية، فكان الحضور الشعبي والسياسي رسالة واضحة لواشنطن وتل أبيب بأن المقاومة باقية، وأن كرامة اللبنانيين ليست قابلة للمساومة.

ويبقى السؤال: ما هو الدور الفعلي الذي تلعبه الولايات المتحدة في ضبط العدوان الإسرائيلي، وهل جاءت زيارة براك لتقديم حلول أم لمواكبة تصعيد مقبل؟ الأيام القليلة المقبلة كفيلة بكشف النيات الحقيقية.

وفي هذا الإطار، أعلنت رئاسة الجمهورية في بيان، أن الرئيس جوزاف عون سلّم السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توماس براك، أفكارًا لبنانية لحلّ شامل خلال الاجتماع في قصر بعبدا.

وبعد لقائه مع الرئيس عون، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، السفير الأميركي في تركيا والموفد الخاص إلى لبنان وسوريا توماس براك، والوفد المرافق، وذلك بحضور السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون، والمستشار الإعلامي للرئيس بري علي حمدان.

وقد استمر اللقاء لأكثر من ساعة، وجرى خلاله بحث تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة، إلى جانب المستجدات السياسية والميدانية.

وأكد الرئيس بري أن “الاجتماع كان جيدًا وبنّاءً، وقد أُجري مع مراعاة كبيرة لمصلحة لبنان وسيادته، وللهواجس التي يعاني منها اللبنانيون كافة، بما في ذلك المطالب التي يطرحها حزب الله”.

وفي السياق، أكد رئيس الحكومة نواف سلام، عقب لقائه المبعوث الأميركي توماس براك، أن “حصر السلاح وبسط سلطة الدولة أمرٌ توافَق عليه اللبنانيون منذ اتفاق الطائف”، مشيرًا إلى أن “حزب الله جزء لا يتجزأ من الدولة اللبنانية، ونوابه صوّتوا على البيان الوزاري”.

وأشار سلام إلى أن “الاعتداءات بالطائرات المسيّرة في الجنوب والبقاع مدانة من الجميع”، لافتًا إلى أن الحكومة “تسعى إلى تجنيد الدعم الدبلوماسي العربي والدولي لوقف هذه الاعتداءات”.

وأوضح أن “براك تسلّم من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورقة تتضمن مجموعة ملاحظات مشتركة صادرة عنه وعن الرئيس نبيه بري”.

وكشف سلام أن “الورقة التي يحملها المبعوث الأميركي تتضمن ترتيبات لوقف العمليات العدائية وحصر السلاح، بدءًا من الجنوب”.

وشدد رئيس الحكومة على أن “الدولة وحدها تملك قرار الحرب والسلم، وهذا ما تم التأكيد عليه خلال النقاشات”، مضيفًا: “لا وجود لما يُسمى ترويكا، بل هناك تداول وتواصل بين الرؤساء، وهناك مجموعة أفكار لبنانية جديدة قيد البحث”.

المصدر: موقع المنار