السبت   
   05 07 2025   
   9 محرم 1447   
   بيروت 21:35

الاحتلال يعيد رسم الجنوب السوري.. احتلال مقنّع وسط صمت دولي ولا مبالاة داخلية

زين صندوق

لم تمضِ ساعاتٌ قليلة على إعلان سوريا عن “الهُوية البصرية للدولة الجديدة” وما يحمله رمزها من معنى لرفض مشاريع الانقسام والتجزئة، حتى تداولت وسائل إعلام سورية خبر تنفيذ قوات العدو الإسرائيلي لتحرّكات غير معتادة قرب الحدود السورية – اللبنانية، مسجّلةً تحليقًا مروحيًا في سماء بلدة يعفور في ريف دمشق الغربي، على بعد 18 كيلومترًا من مركز العاصمة، دون الجزم بما إذا كانت قد نفّذت إنزالًا جويًا في تلك المنطقة أم لا.

وبحسب معلومات ذكرها المرصد السوري، فإن الاحتلال دخل بقوة خاصة إلى قرية رخلة، المقابلة لبلدة يحمر اللبنانية، بالقرب من الشريط الحدودي، في خطوة نادرة تُعدّ الأولى من نوعها في المنطقة، توازيًا مع أنشطة مشابهة في محيط قلعة جندل بجبل الشيخ.

في السياق نفسه، عملت قوات الاحتلال، بعد بدء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، على تكثيف توغّلها ونشاطها العسكري في الجنوب السوري، وخصوصًا محافظة القنيطرة، التي شهدت حملات مداهمة وتفتيش متزايدة في أوقات متفرقة، منها ما كان بهدف البحث عن المسيّرات الإيرانية التي سقطت في المنطقة.

ولم تقتصر على ذلك، بل وصلت إلى مداهمة أماكن عمل المدنيين، كما هو الحال في قرية الحميدية، التي دخلتها قوات العدو مدجّجة بالسلاح، لتستجوب وتصادر أجهزة العاملين في منشأة “منشرة الرخام” فيها، بحسب مصادر المنار.

وأضافت المصادر أن واقع الحال في القنيطرة يعكس سيطرة إسرائيلية شبه مطلقة، حيث تفرض سلطتها وتعنّتها حتى على قوات “الأمن العام” التي تمثّل الحكومة، والتي تمرّ عبر الحواجز التي أقامها العدو في المحافظة عند “جباثا الخشب الحدودية”.

وبحسب معلومات محلّية، فإن العدو عمد خلال الأيام الفائتة إلى تعيين “كابتن” يتقصّى أحوال الدوائر الحكومية في المحافظة، ويطّلع بشكل مسبق على بيانات العاملين فيها، ويمتلك معلومات عن ساعات عملهم وخروجهم، بل إن الأمر تعدّى ذلك ليصل إلى حد أن تكليف عامل بالذهاب إلى منطقة أخرى في المحافظة يتطلّب إطلاعًا إسرائيليًا مسبقًا على بيانات المُكلّف بالعمل. وهي خطوة خلقت هاجسًا مضاعفًا لدى الأهالي، وامتدّ ذلك إلى ساعات عمل سد رويحينة، حيث يُسمح لمديره بالدخول في ساعات محددة، وبعد إبراز تفاصيل شخصية يملكها العدو سلفًا.

يُعدّ خط “صوفا 53” من أهم ركائز التوغّل الإسرائيلي في العمق السوري، فالخط المذكور بدأ العدو، بحسب متابعة الأهالي، بشقّه قبل نحو عامين، ويمتد من أم العظام والقحطانية مرورًا بالحميدية وصولًا إلى سفح جبل الشيخ، حيث يُستخدم كشبكة وصل بين القواعد والنقاط العسكرية وتحصينها بإقامة سواتر دفاعية، كما أنه يعطي قيمة مضافة لاحتلال المقدّرات المائية الاستراتيجية كسد “أم العظام”.

شرعت قوات الاحتلال قبل فترة بهدم 15 منزلًا في الحي الشمالي من قرية الحميدية في القنيطرة، وهو خبر جدّدت وسائل الإعلام السورية نشره عصر الجمعة 4 تموز. وجاء هدم المنازل بحجة تعزيز القاعدة العسكرية وحماية محيطها، علمًا أنّ الهدم تمّ فوق أثاث المنازل ودون مراعاة لأيّ اعتبار، ما عزّز من معاناة الأهالي الذين هجّروا سابقًا من منازلهم، دون أي إنذار بهدم ممتلكاتهم وتجريف أراضيهم. وتُمارس القاعدة نشاطًا يمثل نقطة انطلاق لدوريات برّية في عمق ريف القنيطرة.

وكان لافتًا إنشاء نقطة طبية في بلدة الحميدية تتألف من غرف مسبقة الصنع وألعاب للأطفال وصيدلية، يدّعي الاحتلال أن هذه النقطة تتبع لمنظمة “أطباء بلا حدود”، مع العلم أن دخولها وتأسيسها تمّ بإشراف قوات العدو، وهو ما أكدته مصادر أهلية.

وبحسب معلومات خاصة للمنار، فإنّ النقطة الطبية طالبت ببناء كشاف ضوئي لها، ما يثير الشبهة حول دورها وفاعليتها، وأنّ موظفيها من الأطباء قد غادروا إلى بلادهم عقب تصاعد المواجهة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، على أن يعودوا خلال هذا الشهر.

ومع تمديد عمل قوات “الأندوف” لستة أشهر مقبلة حتى كانون الأول 2025، بات الأهالي يشككون في دورها ونشاطها، حيث إنّ كل ما يجري من انتهاكات بحقهم وبحق أرزاقهم وممتلكاتهم يتمّ تحت أنظارها، حتى أن درجة الاستخفاف بدورها قاربت حدّ منعها من الاقتراب من النقاط العسكرية التي أسّسها الاحتلال، وهو ما يجعل دورها هامشيًا ومحاولة بائسة لإرضاء الأهالي والإيحاء للمجتمع باستمرار الجهد الأممي في مراقبة خط فك الاشتباك المنتهك أصلًا بعد سقوط النظام، دون أن يُنحّي ذلك تساؤلات مشروعة حول الدور المستقبلي لها، أو لمن سيحلّ محلّها، في ظل الحديث المتواتر عن وضع قوات أمريكية في النقاط المحتلة حديثًا، أو ضمانات أمنية عربية في ذلك الإطار.

من جديد، لم يستبعد السوريون أن يعيد الكيان الإسرائيلي تصدير رواية تقسيم البلاد ودعم أطراف مترامية فيها، فحجم الأنباء المتضاربة عن شكل وطبيعة العلاقة معه، يجعل العدو أكثر قدرة على المناورة وتمرير أهدافه على وقع التغيرات الحاصلة في الإقليم وانتظار نتائجها، خصوصًا لجهة الأطراف التي أعادت الانتظام والتي ترى فيها “إسرائيل” خاصرة رخوة لسوريا، لا سيما تغيرات الوضع الدرزي في سوريا ولبنان.

حيث أفادت معلومات رصدتها المنار، بأنّ “غرفة عمليات مشتركة” يجري تشكيلها في السويداء بدعم ومتابعة من “موفق طريف”، ستوكل لها مهمة تشكيل “قوات حرس” تتولى ضبط أوضاع السويداء الأمنية بعد توترات عديدة شهدتها، وصار على إثرها تدخل إسرائيلي، وهو ما يخلق هواجس مضاعفة عن أبعاد هذه الخطوة، وما إذا كانت تحمل بعدًا محليًا أم إقليميًا، يتوافق مع فكرة السلطة المركزية بدمشق التي رفضت سلفًا أيّ مطالب انفصالية، وهدّدت بمعالجتها والتعامل معها، فواقع الحال يشير إلى شريان دعمٍ يجري خلف الكواليس.

المصدر: موقع المنار