الجمعة   
   05 07 2025   
   8 محرم 1447   
   بيروت 01:42

كشافة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تُحيي عاشوراء بعزمٍ وثبات


على مدى العقود، ظلّت عاشوراء منارةً تهدي الأجيال، ومصدرَ إلهامٍ يغرسُ في النفوس معاني الإباء والتضحية. وقد شكّل الإحياء العاشورائي، بما يحمله من بُعد روحي وتربوي، وسيلةً متجددة لترسيخ قيم النهضة الحسينية الخالدة .
في هذا السياق، قدّمت جمعية كشافة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تجربةً فريدةً ورائدة في إحياء عاشوراء تستهدف الناشئة، انطلقت منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، وتحوّلت مع الزمن إلى مشروعٍ تربويّ متكامل يجمع بين حرارة العاطفة وأصالة الفن الملتزم، ويأخذُ بعين الاعتبار الخصائص النفسية والعمرية للفتية والفتيات.

يُشير معاون المفوّض العام في الجمعية الشيخ محمد سعد أن المشروع تطوّر بشكل لافت، من حيث الرؤية والتنظيم والمحتوى والوسائل والأساليب، حتى غدا نموذجًا يُحتذى في ميدان الإحياء العاشورائي التربوي.

ويُضيف “بداية فكرة الإحياء العاشورائي للناشئة انطلقت في منتصف التسعينات، بناءً لمبادرات من بعض الأفواج، استجابةً لحاجة تربوية ملحّة تمثلت في إشراك الأطفال والفتية في هذه المناسبة المقدسة بأسلوب يناسب أعمارهم واهتماماتهم”، وأضاف أن المشروع تطوّر تدريجيًا حيث صدر في العام 2003 أوّل تعميم كشفي مركزي يدعو جميع الأفواج إلى تنظيم مجالس حسينية خاصة بالناشئة في مختلف المفوضيات، ودعوتهم الفاعلة للمشاركة فيه.
كذلك تطور الملف على الصعيدين الفني والإعلامي وفي مجال الخدمة المجتمعية فضلاً عن الجانب الكمي فقد تضاعف عدد الأفواج المشاركة من عدد محدود في التسعينات إلى 757 فوجًا في العام 2024، كما ارتفعت أعداد المشاركين من العشرات إلى الآلاف في السنوات الأولى، لتبلغ 76,179 في العام 2024، ما يعكس الانتشار الواسع والنجاح المتراكم لهذا المشروع. ويُشير الشيخ سعد أن إلى أن رعاية سماحة السيد الشهيد الأسْمَى السيّد حسن نصرالله (رضوان الله عليه) لهذا المشروع، وما كان يُبديه في اللقاءات السنوية مع القادة والقائدات من حثّ ودعم وتشجيع وتنويه دائم، قد شكّل عاملًا محفّزًا وأساسيًا في تعزيز دافعية القادة والقائدات للاهتمام الجاد بمشروع الإحياء العاشورائي، والإعداد المتقن له، ما ساهم بوضوح في تطوّره على المستويين الكمّي والنّوعي.

هذا وتنطلق التحضيراتُ العاشورائية سنويًا باكرًا في الجمعية من خلال الحملة الإعلامية المطبوعة التي تضم مجموعة من اليافطات الطولية والعرضية والبوسترات والقبعات والكنزات والعصبات وبطاقات الرسم والقصص والكتيبات وغيرها، وتجهيز مجموعة من الإنتاجات البصرية والفنية الداعمة من مجالس عزاء وحكايات مصوّرة وفلاشات وحلقات وكل ما يحتاجه الفوج، إضافةً إلى الدور المهم والأساسي الذي يلعبه منتدى مهدي الكشفي على مستوى تحضير المواد الداعمة ورفد القادة والقائدات بالمتون والإصدارات المفيدة في تنفيذ الإحياءات.

أما عن تحضيرات الأفواج والقطاعات حدثنا قائد القطاع الشمالي في مفوضية البقاع القائد عزّام شعيب أن “القطاعات تُقيم لقاءات عاشورائية للقادة والقائدات بهدف تقديم التوجيهات اللازمة لتنفيذ الإحياءات العاشورائية والاستماع إلى الملاحظات والعقبات مع تقديم اقتراحات وحلول مناسبة لها، كما تقوم الأفواج بتأمين الأماكن وتثبيت المواعيد للإحياءات في ظل ازدحام مواعيد الأنشطة من الجهات المتنوعة، فضلاً عن تجهيز هذه الأماكن بالإعلاميات العاشورائية والسواد والرايات، وتحضير برامج الإحياءات والأنشطة”.


وعن تأهيل القادة والقائدات يُضيف القائد شعيب أن المفوضيات والقطاعات تُنفذ مجموعة من الورش الفنية كالحكواتي وأسس كتابة القصة وصناعة المجسمات والبانوراما ويُدرَب القادة والقائدات على أساليب تقديم الفقرات لتكون أكثر جذبًا للكشفيين والأطفال حيث يتم إحياء هذه المناسبة وتقديمها بأساليب تتناسب والمرحلة العمرية المستهدفة. هذا بالإضافة إلى الورش التأهيلية في جوانب قراءة العزاء والرادود الحسيني وتنفيذ جلسات للعمداء والعميدات لتوزيع الأدوار بين القادة والقائدات في كل فوج لتسهيل العمل وللإستفادة من الوقت.

وخلال الإحياءات يقوم القطاع الكشفي بزيارة كافة الأفواج ضمن نطاقه لتقديم الدعم المعنوي والمساعدة في تعزيز عمل الفوج وإزالة المعوقات إن وُجدت، إضافةً إلى تجهيز اللوازم المتعلقة بالمسيرات وتنظيم الأنشطة المركزية الخاصة بالقطاعات.

وإلى عمل الأفواج أشارت عميدة فوج بلدة قانا القائدة نهاد بدوي أن الفوج يُشكّل لجنة عاشورائية مؤلفة من القائدات في كافة الفرق، وهذه المجموعة مسؤولة عن تنسيق ووضع البرنامج العاشورائي بما يتناسب والأهداف العاشورائية ويحقق المطالب الخاصة بكل فرقة كشفية، كما تُقام العديد من الجلسات التخطيطية، كما يتوجه الفريق لتجهيز وترتيب القاعات الخاصة بمكان الإحياء من تعليق رايات وسواد وتجسيد المشاهد المحضّر لها.

أما عن البرامج ففي بعض الأفواج يتم تنظيم برنامجين، برنامج عزاء خاص بفرقتي البراعم والزهرات وبرنامج عزاء خاص بفرقتي المرشدات والدليلات، أما البعض الآخر فيُنفذ إحياءً جماعيًا للفوج ككل. وتقوم فرق الخدمة المجتمعية بتأدية دورها المجتمعي على صعيد خدمة مجالس الأفواج وتحضير الضيافة وحملات النظافة وغيرها، وتُشارك أيضًا في تنظيم مجالس الكبار في الأحياء والقرى.

وتُضيف أنه “بشكل عام تنقسم الفقرات إلى فقرات أساسية ثابتة على مدار الإحياء مثل التلاوة القرآنية ومجلسي العزاء واللطم وفقرات تتبدّل نسبةً لحاجة الإحياء مثل خيال الظل ومسرح الدمى والمسرحيات ومراسم رفع الراية وحكواتي وزائر من كربلاء ومشاهدة الأفلام الهادفة والمسابقات وغيرها”.
تؤكد القائدة نهاد أن الطابع العام في مجالس البراعم والزهرات هو روحاني معرفي، تهدف أغلب فقراته إلى تعريف العناصر على الإمام الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) بما يتناسب وأعمارهم، عبر تقديم مفاهيم لطيفة غير مخيفة وغير صلبة دموية، مع إبراز مفاهيم التضحية والايثار والشجاعة ومظلومية أهل البيت (عليهم السلام).

لقد أثبتت تجربة الإحياء العاشورائي في جمعية كشافة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) خلال أكثر من ربع قرن أنها مشروع تربوي رسالي متكامل، وُلد من رحم الحاجة، ونما بتضحيات مخلصة، مستمدًا وهجه من كربلاء. هذه التجربة رسّخت الهوية الحسينية في وعي الأطفال والناشئة، وجعلت من المجالس بوابة لغرس القيم والالتزام، حتى تحوّلت إلى نموذج يُحتذى، يجمع الفكر والعاطفة، وبين الفن والروح، وبين التنظيم والرسالة.
ومع هذا النجاح، تقع مسؤولية مواصلة التطوير والتجديد على عاتق القادة والمربين، بأن يحملوا هذا المشروع نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا وتأثيرًا، ليبقى الإحياء حيًا وفاعلًا في وجدان ووعي الأجيال، ويظل سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) نبراساً للهداية.

المصدر: كشافة الإمام المهدي