الجمعة   
   05 07 2025   
   8 محرم 1447   
   بيروت 01:42

الجنوب ساحة اختبار للموقف اللبناني.. من يحمي السيادة؟


محمد ناصر حتروش


في الوقت الذي يُفترض فيه أن يسود الهدوء على الحدود الجنوبية للبنان، تصدح صفارات الإنذار في سماء الجنوب، لا في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحسب، بل في بلدات لبنانية باتت تحت وطأة قصفٍ شبه يومي.

هدنةٌ وُصفت بـ “الفرصة الذهبية للتهدئة”، تحولت عملياً إلى غطاء لتصعيد الاحتلال الإسرائيلي، عبر اغتيالات ميدانية، تجريفٍ للأراضي، قصفٍ مدفعيٍّ ممنهج، وتحليق مكثّف للطيران التجسسي.

منذ الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار في فبراير 2024، سجّلت الدولة اللبنانية أكثر من 3,300 خرقٍ صهيونيّ، وفق تقارير رسمية موثقة وتشمل هذه الخروقات: قصفاً مستهدفاً لمزارع شبعا والعرقوب، غارات تجسسية فوق مناطق الجنوب، واعتداءات على منازل المدنيين، وسط تجاهل كامل للمواثيق الدولية.

هذه الاعتداءات المتكررة لم تُواجه بردع دولي، بل تم التعامل معها ببرودة سياسية من أطراف يفترض بها أن تضمن تنفيذ الاتفاق، كواشنطن وباريس واللجنة الخماسية.
الصمت الدولي بات يُقرأ في الشارع اللبناني كضوءٍ أخضر للعدو ليتمادى أكثر، في مشهد يعيد الذاكرة إلى مراحل سابقة تم فيها ترك لبنان وحيداً يواجه نيران الاحتلال.

رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عبّر عن استيائه من هذا الواقع قائلاً: “الكيان الصهيوني لا يعترف إلا بسياسة العدوان، وكل حديث عن تهدئة دون مساءلة للخروقات هو حديث يُجمّد السيادة ويقتل الصمت”، مؤكداً في تصريح له أن لبنان لن يقبل أن تبقى حدوده مستباحة تحت عناوين دبلوماسية “فارغة المضمون”، محذّراً من خطورة الرهان على وعودٍ غربية تتآكل أمام أول صاروخ يسقط على منازل الأبرياء.

من جهته، عبّر النائب الدكتور حسين الحاج حسن (عضو كتلة الوفاء للمقاومة) عن خيبة الأمل تجاه الموقف الرسمي، قائلاً: رغم الشكاوى والتحركات الدبلوماسية، إلا أن العدو يمعن في عدوانه وتدميره.”

وسأل بوضوح: “أين الدولة؟ أين الدبلوماسية؟ أين اللجنة الخماسية ورعاة الاتفاق؟”، مشدداً على أن المقاومة باتت اليوم تُقاتل ليس فقط لصد العدوان، بل لفضح ازدواجية المعايير الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان بينما تغض الطرف عن الانتهاكات اليومية بحق السيادة اللبنانية.

سبعة أشهر من الصمت.. والاحتلال باقٍ
انقضت سبعة أشهر منذ اتفاق وقف إطلاق النار، دون أن يُسجّل أي انسحاب حقيقي للاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، ما زالت قوات الاحتلال الإسرائيلية تحتل أراضٍ في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وتنفّذ اعتداءات داخل العمق اللبناني، ما يجعل من الحديث عن تهدئة أو حلول سياسية نوعاً من التضليل الإعلامي والدبلوماسي.
في هذا المشهد، يبدو أن المقاومة وحدها تتحمل عبء حماية السيادة، في حين تقف الدولة في مربع الحرج السياسي.
وفقا لسياسيون وإعلاميون فإن مساندة المقاومة والتنسيق الفعّال بينها والحكومة اللبنانية الخيار الأمثل للضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإرغامه على تنفيذ بنود الاتفاق.

يصرّ البعض داخل المشهد اللبناني على المطالبة بنزع سلاح المقاومة، متجاهلين أن ما تحقق من إنجازات لم يكن بفضل الجلسات التفاوضية، بل بفعل الكفاح المسلح الذي أرسى معادلات الردع، منذ التحرير في 25 أيار 2000، مروراً بانتصار تموز 2006، وصولاً إلى شباط 2024، حين رضخ العدو الإسرائيلي لإيقاع المقاومة وأوقف عدوانه.
وحول هذه الجزئية يقول السياسي اللبناني نجاح واكيم: ” السيادة لا تُستعاد عبر البيانات، بل عبر الإرادة والسواعد ومن يطالب بتجريد المقاومة من سلاحها، يطالب فعلياً بتجريد لبنان من كرامته”.
في حين يؤكد الناشط الإعلامي فيصل عبد الستار أن المعادلة الوطنية تقتضي التنسيق الكامل بين الجيش والمقاومة والدولة، لأن المواجهة مع العدو ليست خياراً ظرفياً بل قدرٌ وطني مستمر.

المقاومة درع لبنان
بين تهدئة لا تُحترم، وصمت دولي يُفسر كتنسيقٍ ضمني، وبين دولة تمسك العصا من الوسط، تبقى المقاومة في الجنوب تُقاتل دفاعاً عن الأرض، وتمنع العدو من تحويل الجنوب إلى ساحة مفتوحة للدمار والتهجير.

من دون مقاومة صامدة، ومن دون وحدة صف سياسي حقيقي، تبقى السيادة الوطنية عرضة للغدر، وتبقى أرض لبنان معلّقة على خرائط غرف العمليات الإسرائيلية.
وفي المجمل المقاومة اليوم لم تعد “وجهة نظر”، بل ضرورة وطنية لحماية الكرامة واستعادة السيادة.

المصدر: بريد الموقع