السبت   
   29 06 2025   
   2 محرم 1447   
   بيروت 01:27

بدء تنفيذ عقوبات أميركية على السودان بعد اتهام الجيش باستخدام أسلحة كيميائية

دخلت العقوبات الأميركية على حكومة السودان حيّز التنفيذ، بعدما فُرضت إثر تأكيد واشنطن استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية العام الماضي في الحرب الأهلية الدامية التي تشهدها البلاد.

وأعلنت الحكومة الأميركية، في إشعار نُشر الجمعة في السجل الفدرالي، أن العقوبات التي تشمل قيودًا على الصادرات الأميركية ومبيعات الأسلحة والتمويل لحكومة الخرطوم، ستظل سارية لمدة عام على الأقل.

وأضافت أن المساعدات المقدَّمة للسودان ستتوقف، “باستثناء المساعدات الإنسانية العاجلة، والمواد الغذائية، وغيرها من السلع الزراعية والمنتجات”. ومع ذلك، صدرت إعفاءات جزئية عن بعض الإجراءات لأن ذلك “ضروري لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة”.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، الشهر الماضي عند إعلانها العقوبات، إن “الولايات المتحدة تدعو حكومة السودان إلى التوقف عن استخدام كل الأسلحة الكيميائية والوفاء بالتزاماتها” بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية، وهي معاهدة دولية وقّعتها تقريبًا جميع الدول، وتحظر استخدامها.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، في كانون الثاني/يناير، أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية مرتين على الأقل في مناطق نائية خلال حربه مع قوات الدعم السريع.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين لم تكشف هوياتهم، أن السلاح المستخدم يبدو أنه غاز الكلور، الذي يمكن أن يسبّب ألمًا شديدًا في الجهاز التنفسي وصولًا إلى الموت. ونفت الخرطوم استخدام أسلحة كيميائية.

ومن الناحية العملية، سيكون تأثير هذه العقوبات محدودًا، إذ يخضع كل من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وخصمه ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، لعقوبات أميركية.

واندلعت الحرب في السودان منتصف نيسان/أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد 13 مليونًا، فرّ منهم أربعة ملايين إلى الخارج، فضلًا عن أزمة إنسانية تُعدّ من الأسوأ في العالم، وفقًا للأمم المتحدة.

في أيار/مايو، أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس بأنها خلصت إلى أن “الحكومة السودانية استخدمت أسلحة كيميائية في عام 2024″، في انتهاك لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، التي انضم إليها السودان في عام 1999.

ولم تكشف واشنطن عن تفاصيل تتعلق بالمواقع المستهدفة أو تواريخ الهجمات الكيميائية. وسارعت الحكومة السودانية الموالية للجيش إلى نفي هذه الاتهامات، ووصفتها بأنها “لا أساس لها” و”ابتزاز سياسي”.

وكان من المقرر أن تدخل العقوبات حيّز التنفيذ في السادس من حزيران/يونيو، وتشمل حظر تمويل السودان أو التصدير إليه. ويُستثنى من العقوبات تقديم المساعدات الإنسانية الطارئة، في ظل معاناة نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، في ما تُعد أسوأ أزمة جوع في العالم.

سجل حافل بالاتهامات

في كانون الثاني/يناير، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في مناسبتين على الأقل، في مناطق نائية، خلال حربه مع قوات الدعم السريع. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين لم تُكشف أسماؤهم أن السلاح المستخدم على ما يبدو هو غاز الكلور، الذي قد يُسبّب آلامًا شديدة في الجهاز التنفسي ويؤدي إلى الوفاة، وأن ذلك تم بموافقة مباشرة من الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

ويُذكر أن الجيش السوداني يسيطر على البلاد بدرجات متفاوتة منذ الاستقلال في عام 1956، وقد سبق أن اتُهم باستخدام أسلحة كيميائية. ففي عام 2016، نددت منظمة العفو الدولية باستخدام الجيش، الذي كان آنذاك متحالفًا مع قوات الدعم السريع، لأسلحة كيميائية في دارفور (غرب السودان)، وهي اتهامات نفتها الحكومة السودانية.

وفي عام 1998، أعلنت الولايات المتحدة أن مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم ينتج مكونات كيميائية لحساب تنظيم القاعدة، وقصفت المنشأة. ولم تُقدّم واشنطن أي أدلة تدعم تلك الاتهامات، ولم يُجرِ أي تحقيق في الحادثة.

عقوبات سابقة

تُعد العلاقات الأميركية-السودانية متوترة منذ عقود، لا سيما في عهد الرئيس السابق عمر البشير (1993–2019)، الذي اتُهم بدعم الإرهاب. وقد فُرضت عقوبات أميركية على السودان في تسعينيات القرن الماضي، وتم تشديدها في عام 2006 بعد اتهامات لميليشيا الجنجويد بارتكاب إبادة جماعية في إقليم دارفور.

يُذكر أن الميليشيا، التي كانت حينها تتبع للحكومة السودانية، تحولت لاحقًا إلى قوات الدعم السريع.

وبعد الإطاحة بالبشير في عام 2019 إثر انتفاضة شعبية، شطبت واشنطن السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبدأت في رفع العقوبات تدريجيًا. لكن بعض هذه العقوبات أُعيد فرضها بعد انقلاب عام 2021 الذي نفّذه البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، قبل اندلاع النزاع بين الطرفين في نيسان/أبريل 2023.

وبحلول كانون الثاني/يناير 2025، كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات مباشرة على كل من البرهان ودقلو. كما فشلت الجهود الدولية، بما فيها تلك التي قادتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، في التوسط لوقف إطلاق النار.

تداعيات متوقعة

لطالما تحمّل المدنيون السودانيون العبء الأكبر من العقوبات المفروضة على بلادهم. وفيما جمع معسكرَا البرهان ودقلو ثروات ضخمة عبر شبكات مالية عابرة للحدود، بقيت البلاد محرومة من التنمية.

ويشهد السودان، ثالث أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة، أزمة إنسانية تُعدّها الأمم المتحدة الأسوأ في العالم، حيث نزح أكثر من عشرة ملايين شخص، وتُعلَن المجاعة في عدة مناطق.

وكانت الولايات المتحدة أكبر مانح للسودان في عام 2024، إذ ساهمت بنسبة 44.4% في خطة استجابة إنسانية أممية بلغت قيمتها ملياري دولار. لكن بعد تعليق الرئيس الأميركي دونالد ترامب لغالبية المساعدات الخارجية، تراجعت مساهمة واشنطن بنسبة تقارب 80%.

وبحسب بيانات المكتب الفدرالي للإحصاءات، بلغت قيمة الصادرات الأميركية إلى السودان نحو 56.6 مليون دولار في عام 2024.

المصدر: أ.ف.ب.