الإثنين   
   29 12 2025   
   8 رجب 1447   
   بيروت 19:03

خاص | ايران 2025.. صمود وإدارة للتوازنات

بين طاولة المفاوضات وساحات المواجهة، وبين الدبلوماسية النشطة ومحاولات كسرها بالقوة، تحركت إيران خلال عام 2025 في واحد من أكثر الأعوام حساسية وتعقيدًا في تاريخها المعاصر. عام ثبتت فيه طهران خياراتها السياسية والاقتصادية، حين فُرضت عليها اختبارات كبرى في الأمن والاستقرار.

مع مطلع العام، ركّزت إيران على تعزيز شراكاتها الاستراتيجية الدولية، وفي مقدمتها العلاقة مع روسيا، حيث شهدت الأشهر الأولى توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون في مجالات الطاقة، النقل، والتنسيق السياسي والعسكري، ما أسّس لشراكة متعددة الأبعاد.

وفي السياق نفسه، عززت طهران حضورها داخل المنظمات الدولية الصاعدة، ولا سيما منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس، حيث شهد العام تنسيقًا سياسيًا واقتصاديًا متزايدًا ركّز على كسر الأحادية، وتوسيع التعاون المالي والتجاري، والدفاع عن مصالح الدول المستقلة.

على المستوى العسكري، ترجمت إيران هذا الانفتاح عمليًا عبر مناورات عسكرية مشتركة برية وبحرية وجوية، كان أبرزها المناورة المشتركة في مدينة تبريز بمشاركة دول من منظمة شنغهاي، والتي عكست مستوى متقدمًا من التنسيق وتبادل الخبرات.

كما شهدت البلاد سلسلة من المناورات البحرية في شمال المحيط الهندي وبحر عُمان، ومناورات برية داخل الأراضي الإيرانية، لتعزيز الجهوزية الدفاعية وأمن الممرات الاستراتيجية.

إقليميًا، واصلت إيران سياسة تثبيت الاستقرار عبر التعاون مع دول الجوار، فقويت العلاقات مع العراق في ملفات الطاقة والتبادل التجاري، وتقدّم مسار الحوار مع دول الخليج، إلى جانب توسيع التعاون مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، في مقاربة تعتبر الأمن الإقليمي مسؤولية مشتركة لا تُفرض من الخارج.

دبلوماسيًا، شكّل ربيع 2025 محطة مفصلية مع استئناف المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، تلتها لقاءات مع الترويكا الأوروبية، في محاولة لإحياء المسار الدبلوماسي ومعالجة الملف النووي ورفع العقوبات، مع تأكيد إيراني ثابت على الحقوق السيادية.

غير أن المشهد الإقليمي سرعان ما دخل مرحلة أكثر خطورة مع العدوان الصهيوني الواسع على إيران في حزيران، والذي تزامن معه استهداف منشآت إيرانية نووية، في تصعيد اعتبرته طهران عدوانًا مباشرًا ومحاولة لكسر معادلات الردع، وضربة للدبلوماسية ومحاولة لفرض الشروط بالقوة.

واجهت إيران العدوان العسكري المباشر في حرب عرفت بحرب الأيام الاثني عشر، واستطاعت خلالها تحقيق معادلات ردع جديدة ملحقة بالكيان أضراراً واسعة، لتثبت طهران قدرتها على حماية أمنها القومي دون انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.

في موازاة ذلك، وخلال فترة العدوان الصهيوني على دول المنطقة برزت إيران كلاعب محوري في مواجهة العدوان الصهيوني على غزة ولبنان، حيث قادت حراكًا دبلوماسيًا واسعًا في المحافل الدولية، وقدّمت دعمًا سياسيًا وإعلاميًا وإنسانيًا وشعبيًا، إلى جانب تحركات رسمية وشعبية هدفت إلى فضح الجرائم الصهيوني، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومساندة لبنان في مواجهة الاعتداءات.

اقتصاديًا، سعت إيران إلى ترجمة انفتاحها السياسي بخطوات عملية، فاستضافت في أيار معرض Iran Expo 2025 بمشاركة دولية واسعة، وشهد توقيع اتفاقيات تعاون واستثمار في مجالات الصناعة، الطاقة، والتكنولوجيا، في رسالة واضحة بأن إيران منفتحة على الشراكات رغم الضغوط.

في النصف الثاني من العام، واصلت إيران تعزيز توجهها شرقًا، ولا سيما مع الصين ودول الجوار، عبر تفعيل اتفاقيات التعاون الاستراتيجي طويلة الأمد، وتوسيع الشراكات الاقتصادية، ضمن رؤية تعتبر التعددية الدولية خيارًا استراتيجيًا ثابتًا.

ثقافيًا، اختُتم العام بإعلان عام التعاون الثقافي بين إيران وتركيا، في خطوة عكست توظيف البعد الثقافي كجسر تواصل مكمّل للسياسة والاقتصاد، إلى جانب إقامة عشرات المهرجانات السينمائية والثقافية والعلمية وإطلاق جوائز عالمية كبرى كجائزة المصطفى وجائزة الإمام الخميني وغيرها من منصات باتت محط أنظار العلماء والناشطين والمثقفين من حول العالم.

ورغم التحديات الاقتصادية وازدياد العقوبات الغربية التي برزت في النصف الثاني من العام استطاعت إيران تحقيق أرقام قياسية في إنتاج وتصدير النفط وبناء محطات الطاقة والمصانع المدنية والعسكرية وغيرها من إنجازات اقتصادية ومعرفية بارزة، لتنهي إيران 2025 وقد رسّخت حضورها كلاعب فاعل يجمع بين الدبلوماسية النشطة، والصلابة الأمنية، وتعدد الشراكات الدولية، في عام يمكن وصفه بأنه عام الصمود المرن وإدارة التوازنات الصعبة على جميع الأصعدة.

المصدر: موقع المنار