الأربعاء   
   10 12 2025   
   19 جمادى الآخرة 1447   
   بيروت 20:02

سلام: لا نطلب من اشقائنا وشركائنا الدوليين أن يقوموا بعملنا نيابة عنا بل أن يقفوا معنا ويساعدونا على النجاح


كتب رئيس مجلس الوزراء القاضي نواب سلام في مقال رأي بصحيفة “فاينانشال تايمز”: “عندما استقلت من رئاسة محكمة العدل الدولية في وقت سابق من هذا العام لأتولى منصب رئيس مجلس وزراء لبنان، فعلت ذلك وأنا مدرك تماما ضخامة المهمة. لم اعد إلى دولة مستقرة بحكم رشيد، بل إلى بلد انهار تقريبا بسبب عقود من سوء الإدارة والطائفية والفساد والحروب.

عملتنا الوطنية فقدت أكثر من 98 في المئة من قيمتها منذ عام 2019. الاقتصاد انكمش بنسبة تقارب 45 في المئة. وتم تجميد أكثر من 124 مليار دولار من الودائع في البنوك. ثم جاء انفجار مرفأ بيروت عام 2020 ليودي بحياة أكثر من مئتي شخص، ويصيب الآلاف، ويدمر أجزاء كبيرة من العاصمة – مما أظهر فشلا مؤسساتيا فاضحا. وتكفلت الحرب الأخيرة مع إسرائيل بتعميق المعاناة الكبيرة والدمار الهائل في البلاد.

لكن قصة لبنان لا يجب أن تنتهي بالانهيار. فمستقبلنا يمكن ويجب أن تقوده دولة قوية وحديثة تدعم روح ريادة الأعمال والابتكار والإصرار التي يُعرف بها اللبنانيون منذ زمن طويل. لذلك فإن حكومتنا مصرة على انطلاقة وطنية جديدة تستند إلى ركيزتين متلازمتين: السيادة والإصلاح.

الركيزة الأولى، أي السيادة، هي مسألة حاسمة. فنحن نتمسك بشكل قاطع أن الدولة اللبنانية وحدها هي التي يمكنها امتلاك السلاح داخل أراضيها، وأن الدولة اللبنانية وحدها هي التي تملك السلطة لاتخاذ قرارات الحرب والسلم.

وفي الخامس من آب الماضي، اعطت حكومتي تعليماتها الى الجيش اللبناني بوضع خطة شاملة تضمن احتكار الدولة للسلاح في كل أنحاء البلاد. وبعد شهر واحد، أقرينا الخطة التي تحدد، كمرحلة أولى، مهلة ثلاثة أشهر لضمان السيطرة الحصرية للدولة على الأسلحة جنوب نهر الليطاني ولاحتواء الأسلحة في بقية المناطق.

كذلك عززنا الأمن في مطار بيروت الدولي وعند المعابر الحدودية بشكل كبير، وفككنا المئات من مستودعات الأسلحة غير المشروعة وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات وغيرها من البضائع.

الركيزة الثانية، اي الإصلاح، وهي ضرورة لإعادة بناء الاقتصاد وتعزيز المؤسسات التي تدعمه. ولهذه الغاية، أقرّينا قانونا تاريخيا برفع السرية المصرفية، وقانونا آخر يضع إطارا حديثا لإدارة الأزمات المصرفية.

بالإضافة إلى ذلك، فإننا نعد قانونا طال انتظاره يحقق الانصاف للمودعين من خلال ضمان توزيع عادل وشفاف للخسائر الكبيرة الناجمة عن الانهيار المالي.

هذه الإصلاحات ليست مجرد ضرورات أخلاقية، بل انها ضرورة لضمان برنامج مع صندوق النقد الدولي. وستساعد أيضا في تفكيك الاقتصاد النقدي الذي أصبح أرضا خصبة لغسل الأموال والجريمة المنظمة.

وللحد من ثقافة الإفلات من العقاب والفساد السائدة، تقدّمنا بمشروع قانون يضمن استقلال القضاء وقمنا أيضا بتشكيل الهيئات الناظمة المستقلة لإعادة قطاعات الكهرباء والطيران والاتصالات، بالإضافة إلى وضع معايير الجدارة للتعيينات العامة. طبعا لا يزال علينا القيام بالكثير، لكن مواجهة هذه التحديات ستتطلب دعما متجددا من شركائنا الدوليين.

أما على الصعيد الأمني، فيواصل لبنان الوفاء بالتزاماته بموجب قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وإعلان وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه مع إسرائيل في تشرين الثاني 2024. لكن على الرغم من ذلك، تواصل إسرائيل انتهاك سيادة لبنان، واحتجاز مواطنين لبنانيين، واحتلال خمسة مواقع على الأقل في الجنوب. هذه الإجراءات تؤدي الى عدم الاستقرار، وتغذي تجدد الصراعات، وتقوض جهود الحكومة لاستعادة سلطة الدولة.

يجب على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية والانسحاب الكامل من لبنان، بالإضافة إلى تعزيز الدعم للقوات المسلحة اللبنانية وهي المؤسسة الأكثر قدرة على ضمان الاستقرار في البلاد.

وفيما نتفاوض مع صندوق النقد الدولي ونسعى الى جذب الاستثمارات، فإننا لن ندخر جهدا للحصول على التمويل الضروري لإعادة الإعمار والتنمية. وهنا احض شركاءنا الدوليين على دعمنا. فبدون مساعدتهم، ستجد المصالح المتجذرة فرصة لملء الفراغ وتعيد البلاد إلى قبضة الزبائنية والفساد والإفلات من العقاب.

لبنان مهم لاستقرار المنطقة الأوسع. ونحن لا نطلب من اشقائنا ومن شركائنا الدوليين أن يقوموا بعملنا نيابة عنا، بل أن يقفوا معنا ويساعدونا على النجاح”.

المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام