الجمعة   
   14 11 2025   
   23 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 10:53

سياح القناصة.. القضاء الايطالي يفتح تحقيقاً في تورط إيطاليين بدفع أموال لقنص مدنيين خلال حرب البوسنة

أعلن الادعاء العام في مدينة ميلانو الإيطالية فتح تحقيق بشأن عدد من الإيطاليين يُشتبه في دفعهم أموالاً لأفراد من جيش صرب البوسنة مقابل تنظيم رحلات إلى سراييفو في تسعينيات القرن الماضي، بهدف إطلاق النار على المدنيين خلال الحصار الذي استمر أربع سنوات.

وقد شهدت سراييفو، في الفترة بين 1992 و1996، مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص جراء القصف المتواصل ونيران القناصة، لتسجل ما يُعد أطول حصار في التاريخ الحديث عقب إعلان البوسنة والهرسك استقلالها عن يوغوسلافيا.

ووفقًا لما أوردته صحيفة “الغارديان” الثلاثاء، كان القناصة أحد أكثر أوجه الرعب حضورًا في حياة السكان المحاصرين، إذ اعتادوا استهداف المارة عشوائيًا، بمن فيهم الأطفال، في مشاهد شبيهة بلعبة فيديو أو رحلة صيد.

وتشير التحقيقات إلى أن مجموعات من الإيطاليين وغيرهم من جنسيات غربية، عُرفوا باسم “سياح القناصة”، دفعوا مبالغ مالية مرتفعة لجنود يتبعون جيش رادوفان كارادجيتش، الزعيم الصربي البوسني السابق المدان بجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية عام 2016، مقابل نقلهم إلى التلال المحيطة بسراييفو لإطلاق النار على المدنيين بدافع التسلية.

وتقع سراييفو في حوض جبلي، ما سهّل محاصرتها واستهداف سكانها عسكرياً.

ويشرف المدعي العام أليساندرو غوبّي على التحقيق في تحديد هوية المتورطين من الإيطاليين، الذين يواجهون تهم “القتل العمد المقترن بالقسوة والدوافع الدنيئة”.

وانطلقت التحقيقات بعد تقدم الكاتب المقيم في ميلانو، إيتسيو غافازيني، بشكوى قانونية مدعومة بأدلة جمعها إلى النيابة العامة، بجانب تقرير سلّمته رئيسة بلدية سراييفو السابقة، بنجامينا كاريتش.

وأفاد غافازيني بأنه اطلع على ظاهرة “سياح القناصة” لأول مرة في الصحافة الإيطالية خلال تسعينيات القرن الماضي، غير أنه بدأ تحقيقاته الجادة بعد مشاهدته الفيلم الوثائقي “سفاري سراييفو” للمخرج السلوفيني ميران زوبانيش عام 2022.

وفي الفيلم، كشف جندي صربي سابق ومتعاقد أن مجموعات من الغربيين كانوا يطلقون النار على المدنيين من التلال.

وأكد غافازيني: “كان فيلم سفاري سراييفو نقطة البداية. بدأتُ التواصل مع المخرج، ووسّعت من هناك نطاق بحثي حتى جمعت ما يكفي من مواد لتقديمها إلى النيابة في ميلانو”.

وأضاف أن هناك العديد من الإيطاليين يشتبه بتورطهم، إلى جانب “ألمان وفرنسيين وإنجليز… أشخاص من جنسيات غربية دفعوا مبالغ ضخمة فقط للسفر إلى هناك وإطلاق النار على المدنيين”.

وأوضح أن هؤلاء لم تكن تحركهم دوافع سياسية أو دينية، بل دافع الترفيه والإشباع الشخصي، مشيرًا إلى أن معظمهم من هواة الأسلحة ومرتادي ميادين الرماية ورحلات السفاري.

وبيّن غافازيني أن المشتبه فيهم اعتادوا الاجتماع في مدينة ترييستي شمال البلاد قبل السفر إلى بلغراد، حيث كان جنود صرب البوسنة يرافقونهم إلى التلال المحيطة بسراييفو. ووصف الأمر بأنه “كان نوعًا من السياحة الحربية، يذهب فيها الناس لإطلاق النار على البشر”.

وأشار إلى أنه تمكن من تحديد عدد من المتهمين الإيطاليين، ومن المتوقع أن يخضعوا للاستجواب خلال الأسابيع المقبلة.

ومن أبرز حوادث القنص التي وثقت آنذاك، مقتل بوشكو بريكيتش وأدميرا إيسميتش، وهما حبيبان وثقهما فيلم “روميو وجولييت في سراييفو”، حيث لقيا حتفهما عام 1993 أثناء محاولتهما عبور جسر، وظلت جثتاهما لأيام في منطقة فاصلة بين مواقع القوتين البوسنية والصربية، لتنتشر صورهما لاحقًا كرمز لوحشية الحرب وعشوائيتها.

وأطلق على الشارع الرئيسي المؤدي إلى سراييفو “جادة ميشا سيليموفيتش” اسم “زقاق القناصة”، نظراً لخطورة المرور فيه رغم ضرورته كونه الطريق الأساسي إلى المطار. وكانت نوافذ الحافلات والترام تُحطم بالرصاص، فيما انتشرت لافتات التحذير من القناصة في كل مكان.

وأكد نيكولا بريجيدا، المحامي الذي عاون غافازيني في إعداد الملف، أن الأدلة التي تم جمعها متماسكة بدرجة عالية وقد تفتح الباب لتحقيقات جدية لتحديد المسؤولين، مشيرًا إلى وجود تقرير صادر عن رئيسة بلدية سراييفو السابقة يدعم الملف.

المصدر: مواقع