الجمعة   
   07 11 2025   
   16 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 20:22

قمة ترمب – جين بينغ … نتائج رهن الانطباعات و المسار

اللقاء المنتظر  

لقاء كان منتظرًا بين الرئيس الاميركي دونالد ترمب و نظيره الصيني شي جين بينغ على هامش قمة آيبك الاقتصادية في كوريا الجنوبية ، بعد اشهرٍ من معارك اقتصادية أرادها ترمب دنكوشوتيةً ، ففاجأه جين بينغ بردود استراتيجيةً أجبرت الاول على الجلوس للتفاوض مع الثاني الذي فعلها من موقع القوي .اشهرٌ كانت كفيلة بإحداث تراجع اقتصادي تبعه  انكماش اميركي مع نقص واضحٍ في المعادن النادرة و اللوازم التكنولوجية ، في حين احدثت صمودًا صينيًا لا بل نموا اقتصاديًا و ماليًا من نوع آخر نتيجة التبديل في الخطط و الاولويات الاقتصادية و الاستهلاكية وفق استراتيجيةٍ وطنية .هذا اللقاء و الذي استمر لمئة دقيقة لا اكثر ،انتهى بتحريك عجلة تفاهماتٍ قد تفكفك عُقد  المسار المتشابك للعملاقين .    

ترمب و المباحثات الرائعة

اللافت كان وصفُ ترمب للمباحثات بالرائعة و مخرجاتها بالمثمرة لجهة القرارات و التي من المفترض انها بدأت من تاريخ اللقاء بشحناتٍ من “فول الصويا ” . و في مبادرةٍ لتبريد الاجواء عمد مباشرة الى اعلان تخفيض الرسوم الجمركية على المستوردات الصينية بين 10 و 12 بالمئة ، معلنا بأن واشنطن وبكين باتتا قريبتين جدًا من التوصل إلى اتفاق ، مؤكداً أن العقبات المتبقية ليست كثيرة، وأن المفاوضات ستستمر حتى نهاية العام الجاري. وأكد ترمب عن تطلعه لزيارة الصين العام المقبل ، داعيًا نظيره الصيني إلى زيارة الولايات المتحدة. وفق ما جاء في الوكالات الرسمية الاميركية و الصينية والاوروبية

و في مقابلة خاصة لموقع المنار مع مؤسس و ناشر صحيفة صدى الوطن الاميركية أسامة السبلاني  ، علق على السلوك و الأداء الاميركي الترمبي واصفا سياسة ترمب بأنها ” يشوبها التسرع و التضارب ، و مضمونها التخبط ، فهو لا يستند في أغلب قراراته على دراساتٍ معمقةٍ و أرقامٍ و استشراف ، وإنما افكار و أهواء و رغبات حتى أنها لا ترقى الى فكر و سلوك الرأسمالية او الدولة العميقة الذي يتعارك معه ترمب منذ اشهر” مؤكدًا  “ان ما يقوم به ترمب مضر بمصالح الدولة و القطاع الخاص على حد سواء اذ تراجعت الصناعة  و ارتفعت البطالة و تضخمت أسعار السلع و الخدمات و تراجعت التقديمات و ارتفعت أعداد الفقراء الذين يحتاجون الدعم ال 47 مليون شخصٍ و قد اضطر ترمب مرغما  الى التراجع للتفاوض مع الصين تحت وقع شبَح الأرقام الاقتصادية ، المالية والاجتماعية المضاعِف للأزمات .   

شي جين بينغ شراكة يحكمها الحذر مع الامل

على المقلب الاخر ، امتازت تصريحات الرئيس الصيني ، وفق الوكالات العالمية ، بالحذر و التحفظ في تعليقه على نتيجة اللقاء و ما يرجى منه ، داعيًا الرئيس ترمب الى تغليب التعاون الكفيل بتحقيق نتائج طويلة الأمد و دعت خارجيته الرئيس ترمب الى إحلال التعاون البنّاء بدلا من الإجراءات الانتقامية .

  و من اللافت كان اعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ إن بلاده لا تسعى الى تحدي الولايات المتحدة أو إزاحتها عن موقعها الاقتصادي كبديل عن محاولة حل الخلافات السياسية والتجارية والاقتصادية ، و إن على البلدين أن يكونا صديقين وشريكين ، مؤكدًا أن هذا ما تمليه دروس التاريخ وحقائق الواقع مشيرًا الى انه “علينا أن نحافظ على الإتجاه الصحيح وسط العواصف والأمواج العاتية ” وان العلاقات الثنائية بيننا يجب ان تكون دافعًا  لا عقبة أو سببًا للاحتكاك” .

بدوره مدير موقع الصين بعيون عربية الكاتب علي محمود ريّا رسم مشهد لقاء ترمب – جين بينغ ، متوقفا عند الحال و المرتجى و المتوقع اقتصاديا ما بعد لقاء القمة مؤكدا ، ان اللقاء شكل محطة مهمة في العلاقات الاقتصادية و التجارية بين البلدين و عالميا و أن الصين دائماً ما تؤكد على مبدأ ” الربح المشترك والتعاون بدلاً من المواجهة “.

و عن حجم تأثُر الصادرات و الواردات اعتبر ريّا في مقابلة مع موقع المنار ان ”  الصين ما زالت تعتبر احد أكبر المساهمين في التجارة الاميركية إذ بلغ حجم التجارة عام 2024 بين البلدين نحو 660 مليار دولار ، وعليه فإن أي تهدئة في العلاقات السياسية ستنعكس مباشرة على حجم الصادرات الصينية إلى السوق الأميركية ، التي لا تزال تمثل قرابة %13 – %15 من إجمالي الواردات الأميركية “.

اما لجهة  وجهة نظر الصين الرسمية ، فانها ترى في استقرار العلاقات مع واشنطن ، عاملاً داعماً لنموها المستهدف عند نحو 5٪ سنوياً  و لتعزيز الثقة بالاستثمار، بالتوازي مع توسعها في مبادرة الحزام والطريق وتنويع أسواقها الآسيوية والأفريقية لتقليل الاعتماد على السوق الأميركية.

  

وقد وصف المسؤولون الصينيون اللقاء ب ” البنّاء والواقعي” ، مؤكدين التزام بلادهم بمبدأ الاحترام المتبادل والانفتاح المتوازن . اما القطاع الخاص فقد أبدى تفاؤلاً حذراً ، إذ تشير تقديرات اتحاد الصناعات الصينية إلى أن استقرار العلاقات مع واشنطن يمكن أن يضيف ما بين 0.3 إلى 0.5 نقطة مئوية إلى النمو السنوي للناتج المحلي الصيني ليس اكثر .

 لذا فانه بعد التصعيد الكبير الذي قام به الرئيس الأميركي دونالد ترمب ، عادت واشنطن اليوم إلى الواقعية الاقتصادية ، و أدرك ترمب أن الاقتصادين الأميركي والصيني ، رغم التنافس ، يشكّلان ركيزتين لا يمكن لأيٍّ منهما الاستغناء عن الأخرى في الحفاظ على النمو الاقتصادي الداخلي والاستقرار المالي العالمي.

هذا الإدراك أعاد فتح قنوات الحوار بين الجانبين عبر سلسلة من جولات التفاوض المكثّفة . و بواقعية المراقب لفت الى ان ” هذا اللقاء لا يمكن قراءته كتحوّل جذري ، بل كخطوة واقعية في إطار مسار إدارة التنافس وتحييد التصعيد، تمهيدًا لمرحلة جديدة من الحوار المشروط بالتوازن والبراغماتية ، بعد أن ثبت للرئيس الأمريكي أن الحرب التجارية ليست مربحة له ، وأن كلفة القطيعة تفوق بكثير مكاسب الضغط. الا ان ما جعل ترمب يصل الى هذه الحقيقة ، هو فشل رهانه على خضوعٍ صيني  سريع لشروطه ، لكنه فوجئ بصلابة الموقف الصيني، القائم على  المواجهة الاقتصادية بثقة و اجراءات فعالة داخلية و خارجية عنوانها زيادة شركائها التجاريين والبحث عن أسواق وموردين جدد لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.”

هذه الخطوة من قبل الصين غيّرت قواعد اللعبة ، وأجبرت واشنطن على إعادة حساباتها، و أثبتت الاولى بأنها ليست مجرد “مصنع للعالم”، بل هي من تمتلك مفاتيح مهمة لخزائن في الاقتصاد العالمي قادرة على تغيير استراتيجياتٍ و معادلاتٍ عالمية ، وعلى رأسها السيطرة شبه المطلقة على الموارد الأرضية النادرة.

   و بالوقوف على الاسباب الحقيقية لصمود الصين لا بل التقدم صعودا بنمو مضطرد بوجه اميركا ، يتبين بانها هي ، الخطط البديلة واهمها سياسات دعم الاستهلاك المحلي ، تحفيز المستهلكين ، تطوير قطاع التكنولوجيا والطاقة الخضراء وتعزيز نفوذها الإقليمي بالاضافة الى تعزيز علاقاتها مع دول اسيوية و خليجية جديدة . وذلك بهدف زيادة دور السوق المحلية ، ومحاولة تحقيق التوازن بين إدارة تحديات الداخل والخارج ، مع تقليل المخاطر المحتملة على الاقتصاد الصيني ، و ايضا من خلال  إجراءات تخفيف القيود النقدية وزيادة الدعم المالي للحكومات المحلية ، بالإضافة إلى خفض أسعار الرهن العقاري لتحفيز شراء المساكن . كل ذلك دفعها إلى تخصيص 10 تريليونات يوان لإعادة تمويل الديون مضاف اليه تخفيض أسعار الفائدة و متطلبات الاحتياطي المفروضة على البنوك التجارية . مجموع هذه السياسات و الاجراءات شكلت عوامل الصمود .