السبت   
   01 11 2025   
   10 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 20:24

إقتراع المغتربين.. انعدام تكافؤ الفرص ومحاولة لضرب الميثاق

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، تصاعد النقاش بين القوى السياسية حول توقيت إجرائها وضرورة عدم تأجيلها، إضافةً إلى الخلاف حول طبيعة القانون الانتخابي، ولا سيّما ما يتعلّق بـ اقتراع المغتربين.

ففي حين يتمسّك الثنائي الوطني والتيار الوطني الحر وبعض النواب المستقلين بتطبيق القانون النافذ حاليًا بشأن اقتراع اللبنانيين في الخارج، تصرّ جهات أخرى، وفي مقدّمتها القوات اللبنانية، على تعديل القانون بما يتيح لها الاستفادة من التطورات السياسية بعد نتائج الحرب العسكرية على لبنان، ومحاولة فرض أمر واقع جديد يتجاوز مبدأ المناصفة والعيش المشترك، ويمسّ حقّ كل طائفة في انتخاب نوابها.

وكان آخر هذه المحاولات ما قام به وزير الخارجية يوسف رجي من خلال تقديم مشروع للحكومة يهدف إلى الالتفاف على القانون الانتخابي النافذ

موقف التيار الوطني الحر

فمن جهته أكد الوزير سيزار أبي خليل في حديث لموقع المنار على أن “حق المغتربين أو المنتشرين اللبنانيين هو حقّ مكرّس في القانون، وغير قابل للتراجع عنه بموجب الدستور اللبناني، وهو ضمانة لعدم المساس بالحقوق التي مُنحت للبنانيين دون وجود ضمانات موازية ومساوية لها”.

وتابع أبي خليل قائلاً إن “التراجع عن حق المنتشرين في التمثيل بستة نواب يمثلون دوائر الانتشار والاغتراب اللبناني في أنحاء العالم هو أمر غير قابل للنقاش ولا يمكن التراجع عنه، وهذا الحق لا يحرم المنتشرين الذين يهتم بعضهم بالشأن السياسي الداخلي اللبناني من الاقتراع لمرشحين في دوائر قيد نفوسهم”.

وأوضح أن “من يقول إن عدد نواب الانتشار هو ستة مقابل 128 نائباً، فهو قول غير دقيق، لأن أحداً لا ينتخب 128 نائباً دفعة واحدة، بل ينتخب اللبناني في دائرته الانتخابية حسب قيد نفوسه. فمثلاً، في أصغر قضائين كالبترون وبشري، يختار الناخب بين نائبين يمنحهما صوته التفضيلي، بينما في بيروت الثانية يمكنه الاختيار بين أحد عشر نائباً. أما المجموع الكامل البالغ 128 نائباً فليس خياراً مطروحاً لأي ناخب”.

وأضاف: “من هنا، فإن ما يطرحه التيار الوطني الحر، والمبادرة التي أطلقها الوزير جبران باسيل، تؤكد أننا لا نريد خسارة النواب الستة أو الدائرة السادسة عشرة التي تمثل المنتشرين اللبنانيين. فهناك نحو مليون ونصف مليون لبناني يعيشون خارج لبنان، شارك منهم في الانتخابات السابقة 142 ألف ناخب، أي ما يقارب 10% من الانتشار المهتم بالشأن الداخلي اللبناني”.

وأشار أبي خليل إلى أنه “حتى لو افترضنا أن 10% من الـ90% الآخرين مهتمون بوجود نواب يمثلونهم في الخارج، يبقى من الضروري الحفاظ على حقهم في الاختيار. لذلك، جاءت مبادرة الوزير باسيل لتمنح اللبنانيين، سواء المقيمين أو غير المقيمين، حرية الخيار: أن يصوّتوا في دوائر قيد نفوسهم داخل لبنان، أو أن يصوّتوا في دوائر الاغتراب”.

وأكد أن “هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق المساواة، لأن منح الخيار فقط لغير المقيمين دون المقيمين يخلّ بمبدأ المساواة، إذ إن المقيم لن يمتلك الحق نفسه. لذلك شدّد الوزير باسيل على أن الخيار يجب أن يكون متاحاً لكل اللبنانيين، بحيث يمكن لأي لبناني مقيم في الداخل أن يختار بين التصويت في منطقته أو التصويت للنواب الستة الممثلين للاغتراب”.

وختم أبي خليل موضحًا أن “هذا الأمر يستدعي إنشاء الميغا سنتر، أي مراكز اقتراع شاملة وكبيرة تمكّن الناخب من التصويت في منطقته أو في دائرة أخرى، كما تتيح للمغتربين حق اختيار التصويت في الخارج أو في الداخل”، مؤكداً أن “خسارة الدائرة السادسة عشرة وإلغاء تمثيل نواب الانتشار الستة أمر لا يمكن للتيار الوطني الحر القبول به مطلقاً”.

موقف الثنائي الوطني

وبعيداً عن تفاصيل القانون، لفت عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور حسين الحاج إلى انعدام فرص المنافسة ترشيحا واقراراً، بسبب ظروف الخارج، ما يحتم ضرورة الالتزام بالنصوص القانونية النافذة. وأكد في حديث لموقع المنار أن “في سنة 2022 تم السماح للمغتربين بالتصويت لانتخاب 128 نائبًا من الخارج لمرة استثنائية وفريدة فقط”.

وقال الحاج حسن إن “الغاية من هذا التعديل كانت استثنائية، وكان الهدف منها تمكين المغتربين من التصويت لستة نواب موزعين على المقاعد المخصصة لهم في الخارج وفق النظام المعمول به مسبقًا”.

وأضاف: “اليوم لا يجب تعديل القانون مجددًا، بل العودة إلى نصوصه الأصلية كما كانت. فذلك التعديل كان استثنائيًا لمرة واحدة، وأي محاولة لتغييره الآن هدفها الإقصاء وعدم تكافؤ الفرص”.

وأوضح أن “في الخارج لا تتوافر ظروف عادلة بين المرشحين أو الناخبين، وهناك تدخل واضح من بعض الدول والأجهزة الخارجية لدعم فريق على حساب آخر، ما يؤثر على الإرادة الحرة للناخبين ويُفقد العملية الانتخابية نزاهتها”.

وأكد الحاج حسن أن “القوى السياسية التي يمثلها تتمسك بتطبيق القانون النافذ كما هو، وعلى الحكومة أن تنفذه دون أي تأخير، لأن أي تعديل جديد في هذا الظرف سيكون غير مقبول”.

موقف حركة أمل

وفيما صعدت القوات اللبنانية وبعض نواب التغيير من حملتهم ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى حد تعطيل الجلسات لتشريعية لمجلس النواب، في إطار الضغط على رئيس المجلس، تؤكد الوزيرة عناية عز الدين في حديث لها لموقع المنار“ أن موضوع اقتراع المغتربين محلّ اهتمام الساعة حاليًا”، مشيرة إلى أن “موقف كتلة التنمية والتحرير الذي يعبّر عنه الرئيس نبيه بري واضح وثابت”.

وأوضحت أن “القانون النافذ ينص على إنشاء دائرة انتخابية مخصصة للمغتربين، تتضمن ستة مقاعد موزعة بالتساوي بين الطوائف الست الكبرى: ماروني، كاثوليكي، أرثوذكسي، درزي، سني، وشيعي، موزعين على القارات الست”.

وأضافت أن “المواد من 112 إلى 122 من القانون تنظم تفاصيل اقتراع المغتربين، فيما تنص المادة 123 على تأليف لجنة مشتركة بين وزارتي الداخلية والخارجية لتنظيم العملية الانتخابية في الخارج”.

وأكدت عز الدين أن “القانون النافذ حاليًا هو الذي أُقرّ سابقًا، والحكومة لم تتقدّم بأي مشروع قانون انتخاب جديد، كما لا توجد نية لتقديمه في الوقت الراهن”.

وأشارت إلى أنه “في حال تم اقتراح أي مشروع قانون جديد، فسيأخذ مساره الطبيعي في المجلس النيابي كغيره من الاقتراحات دون أولوية خاصة، التزامًا بالعمل البرلماني السليم”.

القراءة الدستورية

وبينما تستمر الحملة على الرّئيس بري متخذة ذرائع دستورية وقانونية يوضح الخبير في الشؤون الدستورية والميثاقية الدكتور عادل يمين أن “المادة 112 وما يليها من قانون الانتخابات رقم 44 لعام 2017 تنص على إضافة ستة مقاعد مخصصة للمغتربين اللبنانيين، تُوزع على القارات والطوائف الست الكبرى مناصفة بين المسلمين والمسيحيين”.

وقال يمين إن “القانون يقضي بأن يقوم وزير الخارجية ووزير الداخلية بإصدار قرارات مشتركة لتأليف لجنة متخصصة ووضع الإجراءات التنفيذية اللازمة لتطبيق أحكام القانون، وعند الاقتضاء يصدر مجلس الوزراء المراسيم التطبيقية”.

وأشار إلى أن “العمل بأحكام هذه المواد عُلّق في انتخابات عامي 2018 و2022 لمرة استثنائية في كل منهما، أما اليوم، فلا يوجد أي تعليق جديد، ما يعني وجوب تطبيق القانون كما هو نافذ حاليًا”.

وحذّر يمين من أن “امتناع الحكومة أو الوزراء عن تطبيق القانون بحجّة انتظار تعديل جديد يُعتبر مخالفة دستورية وقانونية واضحة، وإخلالاً بالواجبات الوظيفية، قد يُعرّض العملية الانتخابية للتعطيل أو التأخير”.

وختم قائلاً إن “القانون النافذ هو رقم 44 لعام 2017، ولا يجوز تجاوزه أو تجاهله ما لم يُعدَّل رسميًا ويُنشر في الجريدة الرسمية”.

الخلاصة

في المحصلة، يبقى ملف اقتراع المغتربين من أكثر الملفات حساسية في الاستحقاق النيابي المقبل، إذ تتداخل فيه الأبعاد القانونية والسياسية والخارجية. ومع تصاعد الجدل الداخلي، برزت محاولات تأثير أميركية على مسار الانتخابات، خصوصًا بعد تصريحات توم براك الذي ربط بين احتمال اندلاع حربٍ جديدة وبين إمكانية تأجيل الانتخابات النيابية المقررة في أيار 2026 “تحت ذريعة الأمن القومي”.

ورغم حجم التدخل الأميركي، لم يصدر حتى الآن أي ردّ رسمي من السلطة التنفيذية في لبنان ما يعكس خطورة التدخل الخارجي باستحقاق انتخابي ينبغي أن يكون سيادياً بعيدًا عن أي ضغوط أو تدخلات خارجية.

والأخطر من كل ذلك التنبه لمحاولات كتل نيابية إلى ضرب المناصفة والميثاقية وتغيير ميزان القوى داخليا بالإستفادة من الإعتداءات الإسرائيلية التي قد تطال خصوم القوات اللبنانية وغيرها، لكن لا يمكن لهذه الاعتداءات أن تؤمن لا للقوات ولا لأي فريق ضد المقاومة أكثرية أو تأييدا شعبيا بالقوّة.

المصدر: موقع المنار