الأربعاء   
   29 10 2025   
   7 جمادى الأولى 1447   
   بيروت 23:41

قانون الانتخاب: معركة وهمية.. ارفعوا العقوبات وخذوا القانون الذي تريدون

منذ إقرار قانون الانتخاب رقم 44 عام 2017، ظلّ الجدل مفتوحًا حول كيفية مشاركة المغتربين في العملية الانتخابية. فبين من يتمسك بالنص القائم الذي يخصص لهم ستة مقاعد نيابية فقط، ومن يطالب بتعديل القانون ليتيح لهم التصويت لاختيار النواب الـ128 جميعهم، يتبدّى أن الخلاف ليس تقنيًا بل سياسي–استراتيجي بامتياز.
فخلف العناوين الديموقراطية الظاهرة، تختبئ هواجس مشروعة، ومخاوف من انزلاق العملية الانتخابية إلى ساحة صراع خارجي بأدوات لبنانية.

معركة ظاهرها إصلاح وباطنها توازنات

في الظاهر، يرفع أنصار تعديل القانون شعار “المساواة بين اللبنانيين” أينما وجدوا، معتبرين أن حصر اقتراع المغتربين بستة نواب يتناقض مع مبدأ المشاركة الكاملة. إلا أن خصوم هذا الطرح يرون أن فتح الباب أمام اقتراع المغتربين لـ128 نائبًا ينطوي على مخاطر سياسية فعلية، تتجاوز العدالة التمثيلية إلى تغيير موازين القوى الطائفية بفعل عوامل خارجية غير متكافئة.

هواجس مشروعة تحت الحصار

القوى الرافضة للتعديل، وعلى رأسها أحزاب من محور المقاومة وبعض التيارات الوطنية، تعتبر أن العقوبات الغربية المفروضة عليها وعلى بيئاتها الشعبية خلقت واقعًا شاذًا في الخارج.
فبينما تتمتع قوى أخرى بحرية تنظيم حملات انتخابية واسعة في العواصم الأوروبية والأميركية والكندية، تُمنع هذه الأحزاب من فتح مكاتب أو عقد تجمعات أو تحويل أموال لدعم مرشحيها.
حتى مناصروها في الشتات يتعرضون لضغوط مصرفية وأمنية وإدارية تجعل مشاركتهم الانتخابية محفوفة بالمخاطر.
في المقابل، تُفتح الأبواب أمام خصومهم لتنظيم لقاءات وتمويل الحملات تحت غطاء «حرية التعبير والديموقراطية».

هذا الخلل البنيوي يجعل مبدأ المساواة أمام القانون والفرص الانتخابية ضربًا من الخيال، وهو ما يتعارض مع المادة 7 من الدستور اللبناني التي تنص على أن “كل اللبنانيين سواء لدى القانون ويتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية على السواء”.
كما يناقض المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن “حق كل مواطن في المشاركة في إدارة الشؤون العامة مباشرة أو بواسطة ممثلين يُختارون بحرية”.

كيف يمكن تحقيق مساواة في حق الاقتراع إذا كانت مجموعة من الأحزاب مقيدة بالعقوبات، ومناصروها مهدّدون بالملاحقة في الخارج؟
هذا السؤال يضعف حجّة الداعين إلى تعديل القانون تحت شعار المساواة، ويمنح شرعية واقعية لهواجس المعترضين الذين يرون أن المناخ الدولي القائم لا يؤمّن العدالة في ممارسة الحق الانتخابي.

البعد السياسي للصراع

تُشير مصادر سياسية إلى أن أحد الأهداف الخفية من وراء توسيع اقتراع المغتربين هو محاولة إحداث خرق داخل البيئة الشيعية تحديدًا، حيث تراهن قوى كـ«القوات اللبنانية» وبعض الجهات الغربية على أصوات اللبنانيين المقيمين في أوروبا وأميركا الجنوبية وأستراليا، والذين قد يكونون أقل تأثرًا بالمعادلات الداخلية اللبنانية وأكثر استعدادًا للتصويت ضد الأحزاب الخاضعة للعقوبات.
هذا ما تعتبره القوى المتضرّرة استثمارًا سياسيًا في نتائج الحصار، ومحاولة لتغيير المعادلات الداخلية عبر أدوات انتخابية خارجية.

من هذا المنطلق، يصبح رفض تعديل القانون ليس تعنتًا سياسيًا بل موقفًا دفاعيًا مشروعًا في وجه عدم المساواة الفعلية.
فالانتخابات، بحسب هذه القوى، يجب أن تُجرى في ظروف تكافؤ حقيقي، لا في ظل حصار يُضعف طرفًا ويفسح المجال لآخر.
وإلا فإن أي تعديل قانوني سيشكّل خروجًا عن روح الديموقراطية التي تستند إلى حرية متكافئة بين المتنافسين.

أزمة ثقافة الحوار

لكن الأزمة لا تتوقف عند حدود الخلاف القانوني، بل تمتد إلى غياب ثقافة الحوار الوطني.
منذ الطائف، لم تُعقد جلسة نقاش وطنية صادقة حول إصلاح النظام السياسي خارج القيد الطائفي أو تطوير آليات التمثيل.
القوانين الانتخابية المتعاقبة كانت ثمرة تسويات ظرفية لا رؤى وطنية، وكل طائفة تعاملت مع القانون بوصفه وسيلة حماية لا أداة إصلاح.
ومع تصاعد الضغوط الخارجية، تراجعت الثقة بين المكونات إلى حدّ أن أي اقتراح يُقرأ كـ”مشروع غلبة” أو “محاولة إقصاء”.

غياب العدالة وعمق الانقسام

هذا الانقسام العميق جعل النقاش حول قانون الانتخاب مرآة لأزمة الكيان اللبناني نفسه.
فبدل أن تكون الانتخابات فرصة لتجديد الطبقة السياسية، أصبحت ميدانًا لتثبيت الانقسامات.
كما أنّ تأثير العوامل الإقليمية — من الضغوط الأميركية القصوى على إيران إلى الاستثمار الإسرائيلي في الانقسام اللبناني — زاد من هشاشة البيئة الداخلية.
في لحظة مفصلية كهذه، يتحول النقاش حول اقتراع المغتربين إلى واجهة لصراع دولي بالوكالة، تُستخدم فيها شعارات الديموقراطية لتغطية صراع النفوذ.

نحو رؤية وطنية متوازنة

إن مبدأ المساواة لا يعني مساواة شكلية، بل عدالة في الظروف والإمكانات.
وفي ظل غياب هذه العدالة، يصبح الحديث عن “حق المغتربين بالاقتراع الكامل” نظريًا.
الأولوية يجب أن تكون في رفع أسباب عدم التكافؤ أولاً: معالجة آثار العقوبات على الفعل السياسي، حماية حرية التعبير للمناصرين في الخارج، وتأمين بيئة آمنة لكل القوى، قبل فتح باب تعديل القانون.

من دون ذلك، سيبقى قانون الانتخاب أداة لتصفية الحسابات لا لتجديد الحياة الديموقراطية، وستبقى المعركة الوهمية حول «6 نواب أو 128 نائبًا» تخفي جوهر الصراع الحقيقي: العدالة، السيادة، والمساواة الفعلية لا الشكلية.

الياس المر

باحث في العلاقات الدولية

المصدر: بريد الموقع