تتواصل الضربات الصاروخية الإيرانية المكثّفة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، مخلّفةً دماراً واسع النطاق في البنى التحتية للمدن الإسرائيلية الرئيسية. وتُظهِر وتيرة الرد الإيراني أن زمام المبادرة قد خرج من يد تل أبيب، وسط تسارع التطورات واتساع رقعة المواجهة.
هذا التصعيد دفع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى البحث عن مخرج سياسي، وإن كانت مواقفه تراوحت بين الدعوة إلى «سلام» بين إيران والكيان والتلويح بإمكان تدخّل أميركي، مع ما يحمله ذلك من مخاطر الانزلاق إلى حرب طويلة الأمد.
في الليلة الثالثة من الرد على العدوان الصهيوني، الصواريخ الايرانية تضرب مواقع استراتيجية وحيوية على امتداد الكيان المحتل
في المقابل، بدا رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، في موقع من يسعى إلى تأزيم الموقف، لجرّ الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى المعركة، خصوصاً في ظلّ إدراكه أن خسارة الحرب قد تعني سقوطه سياسياً.
ومع دخول المعارك يومها الرابع، توسّعت الضربات الإيرانية لتشمل ساعات النهار أيضاً، بعدما اقتصرت في بدايتها على قصف ليلي. وبعد هجوم صاروخي في فترة بعد الظهر، عاودت طهران إطلاق نحو 30 صاروخاً مساء أمس، اعترف جيش العدو بإصابة عدة مواقع داخل الكيان، دون أن يحدّد طبيعتها.

هيئة الإطفاء والإنقاذ الصهيونية، أعلنت أن الصواريخ الإيرانية أصابت مبنيين سكنيين في لواء الساحل، كما سُجّلت إصابة مباشرة لمبنى سكني آخر في جنوب تل أبيب وفي تطور نوعي، سقط أحد الصواريخ الإيرانية بشكل مباشر في مدينة بني براك، ضمن مقاطعة تل أبيب، ما تسبب بحرائق كبيرة.
وذكرت القناة 12 العبرية أن أحد الصواريخ الإيرانية استهدف كنيسًا يهوديًا، في حين أكدت وسائل إعلام أخرى تعرض ميناء حيفا لضربة مباشرة، ووصف الحدث بـ”الصعب”، نتيجة حجم الأضرار التي لحقت بالميناء والمنطقة المحيطة به.
كما تحدثت القناة نفسها عن تحقيق أولي يجري في مدينة بتاح تكفا وسط الكيان، حيث أُفيد بأن صاروخًا أصاب ملجأ محصن بشكل مباشر، ما أسفر عن سقوط قتلى بين المستوطنين.

وسائل إعلام صهيونية أعلنت عن مقتل 3 إسرائيليين جراء القصف الصاروخي الإيراني على منطقة حيوية في حيفا ليرتفع عدد القتلى الليلة إلى 8.

من جهته، صرّح السفير الأميركي لدى الكيان الصهيوني، مايك هوكابي، أن أحد الصواريخ الإيرانية سقط بالقرب من فرع السفارة الأميركية في تل أبيب، ما أدى إلى أضرار نتيجة الارتجاجات، دون وقوع إصابات بين الموظفين. وأوضح في منشور على منصة “إكس” أن السفارة ستبقى مغلقة اليوم التزامًا بتعليمات البقاء في الملاجئ.
في السياق نفسه، أعلن مركز “نتال” الإسرائيلي للصدمات النفسية عن تسجيل ارتفاع بنسبة 350% في طلبات الدعم النفسي، في مؤشر واضح على حجم الهلع والانهيار النفسي في أوساط الإسرائيليين جرّاء الضربات الإيرانية المتتالية.
وأكد جهاز الإطفاء الإسرائيلي توجّه فرقه إلى مبنى ساحلي تعرّض لضربة مباشرة، فيما أظهر جهاز «نجمة داوود الحمراء» لقطات لسيارات محترقة ومبنى سكني متضرّر في حيفا، نقلت منه طواقمه سبعة جرحى. كذلك، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بتضرر سبعة مبانٍ في المدينة، واندلاع حريق حوصر داخله عدد من الأشخاص.
وفي تصعيد لافت، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، العقيد رضا صياد، إن «الرد المدمّر للمقاتلين الإيرانيين الشجعان سيشمل كل أجزاء الأراضي المحتلة»، مخاطباً الإسرائيليين: «غادروا الأرض المحتلة، فهي لن تكون صالحة للعيش… والملاجئ لن توفر لكم الأمان».
الحرس الثوري
من جهته ، أصدر الحرس الثوري بيانا، بشأن الموجة الثامنة من عملية “الوعد الصادق 3”.
وأفادت وكالة “تسنيم” الدولية للأنباء بأن العلاقات العامة للحرس الثوري أعلنت أنه “تم إطلاق موجة جديدة من الهجمات الصاروخية للقوة الجو-فضائية التابعة للحرس، وقد جاءت هذه الموجة أقوى وأشدّ من سابقاتها.
وأشار البيان الى أنه “في هذه العملية، تم استهداف منظومات القيادة والسيطرة التابعة للكيان الصهيوني الغاشم، باستخدام أساليب حديثة، والاستفادة من قدرات استخبارية وتجهيزية متطورة، تم تعزيزها بجهود الشهداء باقري، سلامي، حاجي زاده، وسائر شهداء القوة الجو-فضائية للحرس، ما أدى إلى حدوث خلل في منظومات الدفاع الجوي متعددة الطبقات للعدو، لدرجة أن منظوماته الدفاعية استهدفت بعضها البعض”.
ولفت الى أن “الابتكارات والقدرات المستخدمة في هذه العملية، وعلى الرغم من الدعم الشامل من أميركا والقوى الغربية، وامتلاكهم لأحدث التقنيات الدفاعية، مكّنت الصواريخ من إصابة أهدافها بدقة ونجاح كبير في الأراضي المحتلة”.
وأوضح أن “هذا اليوم هو تجلٍّ لتحقيق الوعود الصادقة التي أطلقها الشهداء باقري، سلامي، وحاجي زاده، الذين أكدوا مرارا أن عملية “الوعد الصادق 3” والعمليات المقبلة ستكون أكثر سحقاً، ودقة، وتأثيرًا وتدميرًا من العمليات السابقة.
وختم “بالتشديد على أن داعمي هذا الكيان الإجرامي يجب أن يعلموا بأن العمليات الفعالة، الدقيقة، والساحقة ستستمر بوتيرة أقوى وأعنف، حتى القضاء الكامل على هذا الكيان المصطنع”.
وكانت الليلة الثانية من القصف الإيراني مشهودة، كما كانت الليلة الأولى، حيث استُخدمت صواريخ نوعية تُطلق للمرة الأولى، واستهدفت مواقع استراتيجية كالبنى التحتية النفطية في حيفا، ومحيط مصانع «رافاييل» العسكرية، ومستوطنة بات يام جنوب تل أبيب.
وأسفرت الضربات عن مقتل 10 إسرائيليين وإصابة أكثر من 200، بحسب أجهزة الدفاع المدني والشرطة، ليرتفع العدد الإجمالي للقتلى إلى 13 منذ بدء التصعيد، وفق ما أعلنه مكتب نتنياهو، الذي أشار أيضاً إلى استهداف نحو 22 موقعاً في الليلة نفسها.
على الجبهة المقابلة، شنّت إسرائيل غارات على مواقع عسكرية ومستودعات وقود في إيران، حيث أفادت وسائل إعلام بأن حصيلة الشهداء الإيرانيين بلغت 224 حتى الآن، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى مئات الجرحى.
من جهته أعلن نتنياهو، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز»، مقتل رئيس الاستخبارات الإيرانية ونائبه في غارة جوية على طهران. وفي حين أكدت وكالة «إرنا» استشهاد رئيس استخبارات الحرس الثوري الجنرال محمد كاظمي، إلى جانب الجنرالين حسن محقق ومحسن باقري، وزعم نتنياهو أن إسرائيل «دمّرت المنشأة الرئيسية» في موقع نطنز النووي.
كما أعلن جيش الاحتلال أن سلاح الجو الإسرائيلي بدأ مساء أمس سلسلة ضربات على «عشرات الأهداف» الصاروخية غرب إيران، مشيراً إلى قصف أكثر من 80 هدفاً في طهران ليل السبت – الأحد، بينها «مقر وزارة الدفاع، وموقع نووي، ومواقع أخفى فيها النظام الإيراني الأرشيف النووي»، بحسب مزاعمه.
في المقابل، تحدّثت وسائل إعلام إيرانية عن غارات إسرائيلية في مناطق عدة، أبرزها طهران. وأعلنت وكالة «إيسنا» أن قيادة شرطة طهران الكبرى تعرّضت لهجوم بطائرة مسيّرة، أدى إلى أضرار طفيفة وعدد من الإصابات. من جهتها، أكدت وزارة النفط استهداف خزانين للوقود في طهران، أحدهما في منطقة شهران شمال غرب العاصمة.
ترامب
ودعا الرئيس الأميركي إلى «تسوية» بين طهران وتل أبيب، ملمّحاً إلى احتمال انخراط واشنطن في النزاع، قائلاً عبر منصته «تروث سوشال»: «على إيران وإسرائيل إبرام تسوية… وسنبرمها نحن. الكثير من الاجتماعات والاتصالات تجري… يمكن تحقيق السلام كما فعلت بين الهند وباكستان. اجعلوا الشرق الأوسط عظيماً مرة أخرى».
وفي مقابلة مع شبكة «ABC News»، أعلن ترامب انفتاحه على وساطة روسية، كاشفاً أنه ناقش مع الرئيس فلاديمير بوتين إمكانية أن يؤدي دوراً في التهدئة. وأضاف: «من الممكن أن ننخرط في النزاع، لكننا لسنا منخرطين حالياً»، محذّراً طهران من أن أي استهداف للولايات المتحدة سيقابل بـ«قوة أميركية كاملة».
ورغم نفي ترامب لأي دعم أميركي مباشر للهجمات الإسرائيلية، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن طهران تمتلك «دليلاً قاطعاً على دعم القواعد الأميركية في المنطقة لعمليات العدو الصهيوني».
من ناحيته، وخلال تفقده موقع سقوط صاروخ في بات يام، توعّد نتنياهو إيران بأنها «ستدفع ثمناً باهظاً جداً» على قتل المدنيين، مضيفاً أن العملية العسكرية الإسرائيلية «ضرورية»، ومؤكداً أن تل أبيب «ستحقق كل أهدافها، وتقضي على التهديد الوجودي المزدوج»، في إشارة إلى البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين.
المصدر: مواقع