يحمل التين مزيجاً غنياً من “الألياف الغذائية” و”البوليفينولات” و”المعادن الأساسية”، وهو ما يجعله من أكثر الفواكه ارتباطاً بالصحة العامة منذ آلاف السنين، وقد حظي بمكانة خاصة في الثقافات القديمة وذكر في النصوص الدينية، لكن العلم الحديث يعيد اكتشافه اليوم من خلال أبحاث تتناول أثره في “الجهاز الهضمي” و”توازن السكر في الدم” و”صحة الأوعية الدموية”، فما الذي يحدث للجسم إذا تناول الفرد التين يومياً؟
من أبرز ما تدعمه الأدلة العلمية دراسة نشرت في مجلة “التغذية السريرية لآسيا والمحيط الهادئ”، بعنوان “تأثير معجون التين في الإمساك”، إذ تبين أن تناول معجون التين لثمانية أسابيع ساعد في تحسين حركة القولون وتقليل الانتفاخ.
كما تناولت مراجعة علمية حديثة نشرت في قاعدة بيانات “المكتبة الوطنية للصحة بالولايات المتحدة”، بعنوان “التركيب الكيماوي النباتي والفوائد الصحية للتين”، الآثار الإيجابية للتين في صحة الجهاز الهضمي والقلب والسكري.
مضادات أكسدة متنوعة… في القشرة أولاً
يتميز التين بتركيز عال من “البوليفينولات” مثل “الفلافونويدات” و”الانثوسيانينات” و”حمض الكلوروجينيك”، وتكون النسبة أعلى عادة في القشرة والثمار الداكنة. هذه المركبات ترتبط بخفض الالتهاب والإجهاد التأكسدي، وهما عاملان رئيسان في نشوء أمراض القلب والسكري. إلى جانب ذلك، يوفر التين معادن مهمة مثل “البوتاسيوم” و”الكالسيوم” و”المغنيسيوم”، وهي عناصر تلعب أدواراً جوهرية في توازن الضغط وصحة العظام.
وقد أكدت دراسة نشرت في “مجلة الكيمياء الزراعية والغذائية”، بعنوان “أنشطة مضادات الأكسدة ومحتوى الانثوسيانين في الفواكه الطازجة”، أن التين غني بمركبات فعالة تحمي الخلايا من التلف التأكسدي.
كما نشرت “مجلة دراسات النباتات الطبية” مقالة بعنوان “القيمة الغذائية والأهمية الطبية للتين”، ركزت على دور التين في الوقاية من أمراض القلب والسكري ودعم صحة العظام.
على سبيل المثال، حصة من التين الطازج (نحو ثمرتين متوسطتين) تمنح نحو 1.6 غرام من الألياف، إضافة إلى جرعات صغيرة لكن تراكمية من هذه المعادن. بينما يوفر ربع كوب من التين المجفف نحو 3.7 غرام من الألياف، أي نحو 13 في المئة من الاحتياج اليومي، مما يجعله مصدراً جيداً لسد فجوة الألياف في الحمية الغذائية.
يساعد التين الطازج بفضل محتواه المائي والألياف في تعزيز الشبع بعد الوجبات، مما يقلل من تناول الوجبات الخفيفة الغنية بالسكريات. أما التين المجفف، فعلى رغم غناه بالألياف والمعادن، إلا أنه كثيف السعرات ومركز السكريات، مما يفرض تناوله بكميات محدودة لا تتجاوز ثلاث أو أربع حبات صغيرة يومياً. إدخاله ضمن وجبات متوازنة، مثل إضافته لـ”الشوفان” أو “السلطات”، مع حفنة مكسرات يجعل تأثيره أكثر اعتدالاً في سكر الدم ويعزز الفائدة الغذائية.
محاذير لا تهملها
التين، على رغم كونه ثمرة عريقة، إلا أنه لا يخلو من محاذير تستدعي الانتباه. فقد سجلت حالات “تحسس غذائي” مرتبطة به، خصوصاً لدى من يعانون “حساسية نباتات الفيكس” أو “حساسية اللاتكس”.
كما أن التعامل المباشر مع “نسغ” أو “أوراق التين” قد يؤدي إلى “التهاب جلدي ضوئي”، نتيجة احتوائها على “مركبات الفورانوكومارين”، وذلك يهم من يقطفون الثمار أو يستخدمون الأوراق منزلياً، مع أن تناول الثمار نفسها لا يسبب عادة هذه المشكلة.
إضافة إلى ذلك، يحتوي التين المجفف على نسب أعلى من “الأوكالات”، وهو ما قد يزيد احتمالية تشكل حصوات الكلى لدى ذوي الاستعداد لذلك، لذا يستحسن ضبط الكمية وتناول كميات كافية من الماء مع مراعاة التوازن الغذائي.
أما عن الكمية المناسبة لتناول التين يومياً لشخص سليم، فإن الاعتدال هو كلمة السر. فثمرتان من التين الطازج مع وجبة متوازنة غنية بـ”البروتين” أو “الدهون الصحية” تكفي لتوفير آلياف تحسن العبور المعوي وبوتاسيوم يسهم في ضبط ضغط الدم، مع تقليل اندفاع السكر في الدم.
وفي المقابل، تكفي ثلاث أو أربع حبات صغيرة من التين المجفف كبديل عن الحلويات، ويفضل دمجها في أطباق “الشوفان” أو “السلطات” لتكون أكثر فائدة وأقل ضرراً على سكر الدم. هذه الحصص الصغيرة المدروسة تمكن الفرد من الاستفادة من القيمة الغذائية العالية للتين من دون المبالغة التي قد تنعكس سلباً.
في المحصلة، يمكن القول إن إدخال التين إلى النظام الغذائي اليومي بوعي واعتدال يحقق فوائد ملموسة للصحة: من تحسين الهضم وتقليل الإمساك، إلى دعم توازن السكر في الدم وتزويد الجسم بـ”مضادات أكسدة” طبيعية.
ومع أن الدراسات السريرية الأوضح حتى الآن تركز على دوره في علاج الإمساك، فإن الآفاق البحثية تبشر بمكاسب أكبر على صعيد الوقاية من الأمراض المزمنة، لذا فإن تناول التين يومياً مع مراعاة التحذيرات الطبية الخاصة بالحساسية أو حصوات الكلى قد يكون إضافة ذكية تمنح مائدتك لمسة من الطعم والفائدة معاً.
المصدر: الاندبندنت