السبت   
   13 09 2025   
   20 ربيع الأول 1447   
   بيروت 02:22

غزة: نزوح جماعي وخسائر مادية جراء تهديدات الاحتلال الإسرائيلي بقصف الأبراج السكنية

في ظل تصاعد تهديدات الاحتلال الإسرائيلي بقصف الأبراج السكنية في مدينة غزة، أُجبرت مئات الأسر على مغادرة منازلها بسرعة، حاملة معها الحد الأدنى من متعلقاتها الشخصية، وترك معظم الأثاث والذكريات خلفها.

تُظهر التقارير الميدانية أن سكان العديد من الأبراج السكنية في وسط المدينة اضطروا لمغادرة شققهم بعد تهديد مباشر بقصف أبراجهم. في العديد من الحالات، لم تسعف العائلات الوقت لأخذ أي ممتلكات سوى بعض الحقائب الصغيرة التي تحتوي على الملابس والأوراق الثبوتية، بينما تُركت الشقق كاملة بالأثاث والذكريات، وبعضها لم تُسدد قيمته بعد، معرضة لاحتمال الدمار الكامل.

وتشير مصادر ميدانية إلى أن القصف المكثف للأبراج والبنايات السكنية من قبل الاحتلال الإسرائيلي يأتي في إطار محاولاته لدفع مئات الآلاف من المواطنين والنازحين لمغادرتها باتجاه الجنوب، ما زاد من حجم المعاناة اليومية.

وتشير التقديرات إلى أن نقل الأثاث أصبح شبه مستحيل بسبب تعطّل المصاعد نتيجة انقطاع الكهرباء، وصعوبة استخدام السلالم الضيقة لنقل قطع أثاث كبيرة مثل أجهزة كهربائية أو أثاث خشبي، وهو ما يتطلب عمالًا وتكاليف نقل تفوق قيمة المقتنيات نفسها.

وفي ظل هذه الظروف القاسية، لجأت بعض الأسر إلى بيع خزائنها وأسِرّتها كحطب للطهو أو التدفئة، ما يعكس تحول الممتلكات من رموز للراحة إلى وسائل للبقاء، في مشهد يعكس قسوة الحياة في قطاع غزة.

تكاليف النزوح تجاوزت الحدود المالية للعديد من الأسر، حيث تشير التقديرات إلى أن الرحلة الواحدة للنزوح قد تكلف أكثر من 2500 شيكل في بعض الحالات، وتشمل تكاليف سيارات الأجرة، ونقل بعض الأغراض الصغيرة، وتأمين مأوى مؤقت، وسط اكتظاظ المنازل البديلة بالنزوحين الآخرين، مما أجبر بعض العائلات على إقامة خيم على أسطح المنازل لتوفير مأوى مؤقت.

ويعكس هذا النزوح واقعًا مأساويًا، حيث تتحول الشقق الحديثة بمساحات واسعة وأثاث كامل تكلفتها عشرات الآلاف من الدولارات إلى خيم صغيرة لا تتجاوز مساحتها عشرة أمتار، تتسرب إليها مياه الأمطار عند هطولها، في حين يقاسم الأطفال والبالغون نفس المساحة الضيقة.

وسجلت مدينة دير البلح حالات مماثلة لعائلات نازحة من حي الرمال، حيث تكلف انتقال الأسرة المكوّنة من سبعة أفراد نحو 4000 دولار، توزعت بين أجور النقل الباهظة، وشراء خيمة كبيرة، وبناء حمام بدائي من الطوب والصفيح لتأمين الحد الأدنى من الخصوصية.

وتشير هذه الحالات إلى أن النزوح لا يقتصر على فقدان البيت والأثاث، بل يمتد ليشمل استنزاف المدخرات المالية، حتى في حالات العودة المؤقتة بعد التهدئة، حيث تضاف تكاليف جديدة لإعادة التهيئة.

ويقول خبراء اقتصاديون إن هذه التكاليف تأتي في سياق اقتصادي شديد القسوة يعانيه القطاع منذ أكثر من 19 عامًا، في ظل حصار متواصل، وارتفاع أسعار الوقود والمواصلات والمواد الأساسية، وركود شبه كامل في عجلة الحياة الاقتصادية.

وقد اضطرت كثير من العائلات لبيع ممتلكاتها بأسعار زهيدة أو اللجوء للاستدانة لتغطية كلفة النزوح، ما أدى إلى استنزاف المدخرات العائلية في صفقات خاسرة وعدم القدرة على إعادة البناء، في دورة متكررة من نزوح وعودة، تحوّل الأزمة من حالة طارئة إلى واقع مزمن.

النزوح لا يقتصر على الخسارة المادية، بل يمتد ليشمل فقدان الأمان والاستقرار، حيث يُضطر الأطفال إلى النوم على الأرض مع أبناء العمومة في خيام مكتظة، بينما تواجه النساء صعوبات في الحصول على الماء والغذاء، ويقفّن في طوابير طويلة للحصول على الاحتياجات الأساسية.

ومع كل جولة تصعيد جديدة من الاحتلال الإسرائيلي، تتكرر دورة النزوح القسري، وخسارة الممتلكات، والعودة المؤقتة، مما يحوّل البيت الذي كان حلم العمر للأسر إلى مجرد ذاكرة معلقة تنتظر عودة قد لا تأتي.

هذه القصص، التي تشمل حالات فردية مثل العائلات النازحة من أبراج وسط غزة وأحياء دير البلح والرمال، ليست سوى نماذج من آلاف الحالات المماثلة في قطاع غزة، حيث تحوّل النزوح من حدث طارئ إلى واقع يومي يعكس هشاشة الأمن والاستقرار في ظل استمرار العدوان والتهديدات الإسرائيلية.

المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام