يراهن الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صورته كـ”مفاوض صارم وصانع صفقات بارع”، وهي السمعة التي رافقته طوال مسيرته المهنية، من خلال سياساته الحمائية القائمة على فرض رسوم جمركية مشددة.
وفي هذا الإطار، نشر البيت الأبيض، الجمعة، صورة لترامب واضعًا هاتفًا ذكيًا على أذنه، مرفقة بتعليق: “يجري اتصالات. يبرم صفقات. يعيد العظمة لأميركا!”، في محاولة لتكريس هذه الصورة أمام مؤيديه.
ويرى أنصار ترامب أن كل اتفاقية تجارية يعلن عنها تمثّل دليلاً على قوته التفاوضية، ويعتبرون أن الرسوم الجمركية تُجسّد السيادة الاقتصادية الأميركية، وتعبّر عن حنكة الرئيس في إدارة الملفات الدولية.
وفي تطور جديد، أعلن ترامب، الخميس، عن فرض رسوم جمركية جديدة على عشرات من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، في خطوة مفاجئة وُقّعت بجرّة قلم، وتبدأ تنفيذًا اعتبارًا من 7 آب/أغسطس، بعدما كانت مقررة في الأول من الشهر نفسه.
ورغم إعلان ترامب سابقًا أن الموعد نهائي و”صارم”، فقد تأجل التطبيق، ما أعاد إلى الواجهة الانتقادات بشأن تراجعه المتكرر عن قراراته، وولّد مصطلحًا ساخرًا متداولًا في الأوساط السياسية: “TAKO” أي “ترامب دائمًا يتراجع”.
وسبق لترامب أن مدّد فترة السماح للمكسيك 90 يومًا، الأمر الذي أثار سخرية خصومه، واتهامات له بأنه كثير الكلام وقليل الأفعال في ملف التجارة. إلا أن مراقبين يشيرون إلى أن الوضع هذه المرة مختلف.
وقال ستيوارت ليبسكي، خبير الاقتصاد الدولي في “مركز أتلانتيك كاونسيل”، لوكالة فرانس برس، إن ترامب “لم يتراجع”، بل إنه “يتابع، إن لم يتجاوز، ما تعهّد به خلال حملته الانتخابية بشأن الرسوم الجمركية”.
بدوره، توقّع ماثيو أكس، محلل السياسات العامة في مؤسسة “إيفركور آي إس آي”، ألا تطرأ تغييرات كبيرة على الأمر التنفيذي الأخير، باستثناء إمكانية التوصل إلى اتفاقات ثنائية مع بعض الدول مثل تايوان أو الهند خلال فترة السماح المحددة بسبعة أيام.
وفي هذا السياق، استطاع ترامب خلال مفاوضات سابقة أن ينتزع سلسلة من التنازلات في اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، شملت معدلات ضريبية متباينة ووعودًا باستثمارات داخل الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لا تزال تفاصيل تلك الاتفاقات غامضة، وتثير تساؤلات محورية مثل: هل هناك إعفاءات ممكنة؟ ما مصير قطاعات حيوية كصناعة السيارات والأدوية وأشباه الموصلات؟ وماذا عن العلاقة مع الصين؟
وأوضح أكس أن الأطراف المختلفة تفضّل تجنّب الخوض في تفاصيل دقيقة لتلك الاتفاقات، ما يتيح لها تقديمها للجمهور بأسلوب أكثر إيجابية أو أقل ضررًا سياسيًا.
وتُعدّ القدرة على إبرام الصفقات – بغض النظر عن تفاصيلها الجوهرية – ركيزة أساسية في نهج ترامب السياسي. ففي كتابه الشهير “فن إبرام الصفقات”، كتب ترامب: “الصفقات فنّي الخاص. يرسم الآخرون على القماش أو يكتبون الشعر، أما أنا فأعقد الصفقات، وكلما كانت أكبر، زاد استمتاعي بها.”
وفي الكتاب نفسه، يُبرز ترامب أهمية “المرونة” بوصفها استراتيجية تفاوضية، ويقول: “لا أتشبّث أبدًا بصفقة واحدة أو نهج واحد.”
لكن وعلى الرغم من التعليقات المتكررة بشأن تراجعه، لم يتراجع ترامب كثيرًا عن استراتيجيته الحمائية، وهو ما قد ينعكس عليه سياسيًا.
ففي استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك في منتصف تموز/يوليو، قال 40% فقط من الأميركيين إنهم يدعمون سياساته التجارية، مقابل 56% أعربوا عن رفضهم لها.
كما تشير البيانات الاقتصادية إلى آثار سلبية بدأت تتضح، إذ أظهرت أرقام الوظائف، بعد التعديل، انخفاضًا حادًا في فرص العمل الجديدة خلال شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو، لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ جائحة كوفيد-19، وفقًا للخبراء.
المصدر: أ.ف.ب.