أعلنت فرنسا نيتها الاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر المقبل، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها لدولة غربية كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن، وتأتي في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع المحاصر.
وتُعدّ هذه المبادرة الفرنسية تحوّلًا لافتًا بعد فشل المسار الدبلوماسي التقليدي، في ظل اتهامات دولية متصاعدة للكيان الإسرائيلي باستخدام “التجويع كسلاح حرب”، وتبدّل واضح في الرأي العام الأوروبي المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني.
داخليًا، يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من خلال هذا الإعلان استعادة جزء من شعبيته المتراجعة، وتقديم نفسه كصاحب رؤية سياسية مستقلة في الشرق الأوسط، في مسعى لاستعادة دور سياسي تاريخي لباريس في قضايا المنطقة.
ويستند هذا الاعتراف، من الناحية القانونية، إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 الصادر عام 2012، والذي يعترف بفلسطين دولةً مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة، ويستند كذلك إلى مبدأ حق تقرير المصير. إلا أن الاعتراف لا يُلزم الكيان الإسرائيلي بأي التزامات عملية.
وبالنسبة إلى قطاع غزة، يُعدّ الاعتراف الفرنسي خطوة رمزية ذات دلالة سياسية قوية، لكنه لا يبدّل في الواقع الميداني شيئًا، ولا يوقف العدوان المستمر. في المقابل، يعزّز الاعتراف شرعية الفلسطينيين القانونية، ويفتح الباب أمام ملاحقة الاحتلال أمام المحاكم الدولية.
غير أنّ الإعلان الفرنسي لم يترافق مع أي ضغوط حقيقية لإنهاء الاحتلال، ولم يتضمّن آليات لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، ما يجعله، وفق مراقبين، أقرب إلى محاولة لتجميل صورة فرنسا في المحافل الدولية، لا إلى موقف جاد في الدفاع عن فلسطين.
ويأتي هذا التوجّه أيضًا في سياق امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد في الشارع الأوروبي، بعد موجة احتجاجات عارمة ضد التواطؤ الغربي مع جرائم الاحتلال، ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية باريس في إعادة توجيه سياساتها، أو ما إذا كان الاعتراف مجرّد خطوة رمزية لتخفيف الضغوط.
يسعى ماكرون إلى تقديم فرنسا كوسيط نزيه في الملف الفلسطيني، إلا أن غياب أي موقف واضح ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي، يجعل هذا الدور محل شك وتساؤل.
وقد تجاهل الخطاب الفرنسي المرتقب ملفات فلسطينية جوهرية، أبرزها:
– حق العودة للاجئين
– إنهاء الاحتلال بجميع أشكاله
– تفكيك منظومة الفصل العنصري التي يكرّسها الكيان الإسرائيلي
وعليه، فإن الاعتراف الفرنسي المنتظر، وإن حمل بعدًا سياسيًا وأخلاقيًا، لا يغيّر من واقع الاحتلال شيئًا، ولا يوقف المجازر اليومية، ولا يحول دون إفلات قادة العدو من المحاسبة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يمثّل الاعتراف الفرنسي تحوّلًا فعليًا في دعم القضية الفلسطينية؟ أم أنه مجرّد تحرك رمزي عابر لامتصاص الغضب وتجميل المواقف دون تأثير جوهري على السياسات الدولية تجاه فلسطين؟
المصدر: موقع المنار