من صيدا، بوابة الجنوب، إلى أقصى قرى الشريط الحدودي، بدا مشهد الجنوب عشية الانتخابات البلدية كوأنه إعلان فوزٍ مُسبق في الاستحقاق، قبل أن تُفتح صناديق الاقتراع. ليس فوزًا بلديًا تقليديًا بل انتصارٌ رمزيّ وشعبيّ، حمل في طيّاته رسالة واضحة: الجنوب متمسّك بخياراته، موحّد في قراره، وماضٍ في تثبيت إرادته.
الانتخابات البلدية والاختيارية، في جولتها الأخيرة التي شملت محافظتي الجنوب والنبطية، لم تكن مجرّد عملية ديمقراطية محلية، بل مشهدًا سياسيًا حافلًا بالمعاني. فعلى امتداد أقضية صور، النبطية، بنت جبيل، مرجعيون، وحاصبيا، خاض الجنوبيون الاستحقاق كأنهم يخوضون معركة وجود جديدة، بعدما حُسمت النتائج في معظم القرى بالتزكية، فيما حصدت لوائح “التنمية والوفاء” النسبة الأكبر من المقاعد المتنافس عليها.
ومع أنّ العملية الانتخابية جاءت في ظل ظروف استثنائية، أبرزها واقع القرى الحدودية المدمّرة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة منذ أشهر، فإنّ المشاركة الشعبية كانت لافتة، بل حاسمة في التعبير عن التوجّه العام لدى أبناء الجنوب: العودة إلى الحياة رغم الحرب، وإعادة تشكيل المجالس البلدية والمخاتير بوصفها ركيزة الإنماء وصوت الناس في وجه الأزمات.
الأرقام، وإن تفاوتت بين قرية وأخرى، عكست حضورًا متقدمًا. فقد تراوحت نسب المشاركة بين 30% وأكثر من 40%، وهي نسبة تُعدّ مرتفعة بالقياس إلى الظرف الأمني والاجتماعي الذي تمرّ به المنطقة، وخصوصًا في القرى القريبة من خطوط الاشتباك. لكن الأهم من الأرقام، هو الإقبال الواسع الذي حظيت به لوائح التنمية والوفاء، بما يعكس حجم الثقة الشعبية بخياراتها، وبرنامجها السياسي والخدماتي.
أكثر من مئة بلدية من صور إلى حاصبيا، مرورًا ببنت جبيل ومرجعيون والنبطية، شكّلت مسرحًا لعرسٍ انتخابيّ صاخب أراده الجنوبيون رسالة بقاء وصمود، وعبّروا من خلاله عن ثباتهم في أرضهم، وتمسكهم بالهوية التي صاغتها المقاومة، ورسّختها الدماء والانتصارات.
الجنوب الذي قاوم الاحتلال، وانتصر في التحرير، ها هو اليوم ينتصر مجددًا، عبر صندوق الاقتراع، بتصويتٍ للتنمية، ومبايعةٍ لخيار الوفاء.
المصدر: موقع المنار