منذ أن اهتزّت بوابة الغندورية في جنوب لبنان، ودخل الناس أرضهم محرّرين، وارتفعت الهامات المقاومة والقبضات والصيحات والتكبيرات، بدأ فصل جديد من الحكاية. يومها، حملت النساء الأباريق على رؤوسهن ورششن الورد على العائدين وقلن “الحمدلله لي تحررّني”، وخرج الرجال الى الساحات واحتفلوا بالأهازيج والدبكة، وكان الوطن كلّه يزهر تحت أقدام الناس. في تلك اللحظة، بزغ فجرٌ من قلب الظلام، وانقشعت سحابة الاحتلال، ليولد زمن الكرامة من رحم القهر والمعاناة.
نهض أهل القرى لا كلاجئين على حدود الخوف، بل اقتحموا كصوت الأرض النابض بالعزّة. ليدخلوا قراهم وبيوتهم وأرزاقهم، لم يكونوا شهوداً على التاريخ، بل كانوا صانعيه، وكأنهم قالوا يومها ما عبّر عنه سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: “نحن شعب، نحن أمة، نحن أرض، نحن تراب، نحن دماء، نحن جرحى وأسرى وشهداء، نحن رؤوس عالية، نحن قوة حقيقية لا يستطيع أحد أن يهزمنا على الإطلاق”.
مونتاج: فاطمة شحادة
ولمن ظنّ أنّ المقاومة ستذبل كان ردهم متجسدًا في موقف سيد شهداء الأمة السيد حسن نصرالله حين قال :”من يحلم بالتخلص من حزب الله في أي موقع من المواقع واهم. نحن جذورنا ممتدة في أرضنا أكثر مما يتوقع هؤلاء، نحن أصيلون في وطننا ووطنيتنا أكثر مما يتوقعه هؤلاء، نحن حاضرون في قلوب شعبنا وشعوب أمتنا أكثر مما يتصور هؤلاء، ونحن لدينا من الإرادة والعزم ومن القوة ما يحول أحلام هؤلاء إلى سراب.”
إنّ العلاقة بين ظلم الاحتلال وولادة المقاومة كانت أشدّ وضوحًا من أن تُنكر. والحق كالشمس لا يحجب، ولم تكن المقاومة خيارًا طارئًا أو ردة فعل آنية، بل كانت تراكمًا وفعلًا وجوديًا نابعًا من صميم الأرض ، صاغها أبناء جبل عامل والجنوب وكل لبنان بدموعهم ودمائهم، فحوّلوا القهر إلى قرار، والضعف إلى قوة، واليأس إلى يقين بالنصر.
لم يكن التحرير في 25 أيار 2000 مجرّد حدث لبناني، بل كان زلزالًا في وجدان المنطقة. فقد كسر الهيبة المصطنعة للعدو، وأسقط الركيزة الأمنية للهيمنة الأميركية في المنطقة، فانطلقت الارتدادات سريعًا: من انتفاضة الأقصى، إلى تحرير غزة، إلى مواجهة الاحتلال الأميركي في العراق، وهزيمة العدو الإسرائيلي في تموز 2006، وانتهاءً بطوفان الأقصى وفشل أهدافهم في عدوان أيلول 2024 على لبنان .
وفي بلاد تعرف قيمة النصر، لكان مثل هذا التحرير منهاجًا يُدرّس في المدارس والجامعات، لكن، إلى أن يحين ذلك، تبقى مسؤوليتنا الأخلاقية والوطنية والإنسانية أن نروي هذه القصة، أن ننقل نبضها إلى من لم يعايشها، إلى أجيال لم تختبر لحظة الانتصار، لكنها تعيش آثاره، وتتنفّس حريته، وتحمل الأمانة على أكتافها، حتى يظلّ الجنوب، وكل لبنان، حرًّا كما أراده الناس، أهل المقاومة، والمجاهدون.
المصدر: موقع المنار