كيف يستغل العدو بمساعدة أميركية تعقيدات المشهد السوري لفرض شروطه؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

كيف يستغل العدو بمساعدة أميركية تعقيدات المشهد السوري لفرض شروطه؟

ترى "إسرائيل" كما هو معلوم في إسقاط نظام الأسد فرصة لإعادة رسم الخريطة السياسية السورية
ترى "إسرائيل" كما هو معلوم في إسقاط نظام الأسد فرصة لإعادة رسم الخريطة السياسية السورية

زين صندوق

حتى الأمس القريب، ومع سقوط النظام السوري كانت لهجة خطاب العدو الاسرائيلي تجاه الوضع المستجد في سوريا تتركز في بُعدها العسكري على قصف مقدرات قتالية وبنى تحتية عسكرية لما تزعم “إسرائيل” أنه تهديدٌ لأمنها القومي.

لكن، ومع تسارع طبيعة الأحداث، بدأ الخطاب يأخذ منحىً جديداً، رمّزت فيه “إسرائيل” رسائلها العسكرية المباشرة بأخرى سياسية، كان أحدثها موقفها المتقطّع من قضية الدروز السوريين بعد الاعتداءات الطائفيّة التي تعرضوا لها من فصائل متشدّدة في ريف دمشق وتباعاً السويداء، حيث خرجت طائراتها وأودعت رسائل سياسية على مقربة من القصر الرئاسي في دمشق.

 في الظاهر زعم العدو أن الهدف هو رسالة تحذيرية للنظام بأن “الاعتداء على الدروز له ثمن”، لكن الحقيقة هي غير ذلك وحتى أبعد مما فسره البعض ايضاً رسالة لتركيا (الداعم الأساسي للإدارة السورية الحالية).  فالاحتلال الذي يمعن في انتهاك السيادة السورية والاعتداء على السوريين وتدمير مقدراتهم، أراد استغلال لحظة الصدام الطائفي لصوغ مشهد جديد، قائم على تعزيز سطوته الأمنية في الجنوب السوري.

 مع الإشارة إلى أن تركيا تتعاطى بحذر مع الاعتداءات الصهيونية خصوصاً الأخيرة لأنها تعلم أنها تصب في إطار الدفع باتجاه تقسيم البلاد، مما يرفع من حظوظ قيام كيان كردي على حدودها الجنوبيّة، وهذا ما تخشاه إلى حد كبير، وهي التي ترفض بشكل قاطع قيام أي حكم ذاتي أو نشاط لا مركزي للأكراد، متفقة في ذلك مع إدارة دمشق الجديدة.

لكن حتى اللحظة، وفي هذا الإطار هناك موافقة تركية ضمنيّة على “تقاسم النفوذ” مع الاحتلال الاسرائيلي، وعدم الذهاب لمواجهة عسكرية، رغم طرح سيناريو الصدام بينهما. عزز من ذلك، تخفيف حدّة الضربات بعد الوساطة الأذربيجانية بينهما، وزيارة الشرع للإمارات، وبعد رسالة بالنار تلقّتها تركيا عقب قصف مطار التيفور، جاءت بالتزامن مع تسريب نقاش بين تركيا والرئيس أحمد الشرع، لدعم أنقرة جهود دمشق العسكرية في الجنوب من خلال حماية جوية تؤثر على حرية حركة الطيران الإسرائيلي وهو ما يرفضه نتنياهو علناً، وهو الذي يرى أن “العثمانية الجديدة” في سوريا، لم تأتِ بعد بنظام سياسي مستقر بعد سقوط الأسد، حسب تعبيره.

راهنت “إسرائيل” خلال أحداث السويداء وجرمانا وصحنايا، على الإيحاء بحماية الدروز، ودعم نظريتها هذه، المجازر التي ارتكبها الطرف ذاته في الساحل السوري، ومطالبة بعض الأطراف بالحماية الدولية.

لكن عملياً، بالنسبة لجنوب سوريا وانطلاقاً من السويداء، هناك قناعة اسرائيلية بالصِلات التي تربط دروز فلسطين بدروز سوريا، مما يجعل العدو يعتقد أن بالإمكان استثمار الواقع الأمنيّ المستجد هناك لرسم خطوط جديدة تهدف لتعزيز “نظرية الأمن القومي” على الحدود، مما يصب أيضاً في الهدف الآخر المعروف وهو إنشاء منطقة عازلة.

الجديد في ما يجري أنه وإلى جانب الدافع الأمني المباشر، يبدو أن للعدو  أهدافاً بعيدة المدى في صياغة مستقبل الجنوب السوري، بل سورية ككل، ويشير استخدامها لورقة “حماية الدروز” إلى وجود رغبة في كسب تعاطف شريحة معينة وتأليبها بعيداً عن دمشق، وتبرير دعمها كضرورة إنسانية وأمنية معاً، مستفيدة في ذلك كما ذكرنا سابقاً، من الواقع الأمني المتردّي الذي يهدد الدروز من فصائل متطرفة.

 ومع ذلك يبقى الدافع الإسرائيلي تجاه الدروز مرتبط أيضاً باعتبارات داخلية؛ لكونها تربط خطابها بإظهار نفسها بشخصية الحامي لأبناء طائفة يشارك جزء من ابنائها في جيشها ومؤسساتها (هذا لا يعني أن هؤلاء يمثلون دروز سوريا).

يعكس ملفا “قسد” والسويداء حالة مؤجّلة الحل، لكونهما يكرّسان عمليّاً ملامح حكم إداري يشكل ورقة ضغط لترسيم خطوط حمراء أمام سلطة دمشق، في طبيعة وطريقة التعاطي مع توزع المصالح في سوريا، إضافة إلى ورقة رفع العقوبات الصارمة والانفتاح المالي والاقتصادي على سوريا، والتي تستخدم كورقة ابتزاز من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

لكن في المقابل، تُرجئ تركيا التفاهم مع أميركا وتربطه بالحل مع “قسد”، التي لوّحت “بفدرالية” ولا مركزية إدارية، بعد مؤتمر “وحدة الصف الكردي” مؤخراً في القامشلي، الذي حمّل رسالتين: واحدة للداخل الكردي، وأخرى لتركيا عبر دمشق، بما لا يمكن فصله عن الضغوط لتلبية المطالب السياسية التي بات الأكراد يتقاربون مع الدروز فيها، نسبياً، لا سيما على صعيد المشاركة في المستقبل السياسي.

أما في الداخل الدرزي، ثمة اعتقاد، أن دمشق غير قادرة حالياً على ضبط حالة الأمن والاستقرار، طالما أنها لم تلبِّ بجدّية الشروط الأمريكية المتمثّلة في ما يُسمى “إقصاء الأجانب”. يعزز من ذلك، مضيها في تعيين مرتكبي انتهاكات خلال سنوات الأزمة، إضافةً إلى المخاوف من تعميق الانقسامات داخل المجتمع، بل وحتى داخل المجتمع الدرزي، فيما تشير التقديرات، إلى أن أكثرية الدروز يجمعهم موقف معترض، أو متحفظ على الأقل، إزاء الحكومة في دمشق، وفي الوقت نفسه فإن أكثريتهم يتفقون على موقف رافض بشدة لأي علاقة مع العدو الاسرائيلي.

استناداً لما سبق، ترى “إسرائيل” كما هو معلوم في إسقاط نظام الأسد فرصة لإعادة رسم الخريطة السياسية السورية، بما يضمن مصالحها بعيدة المدى. ولا يُستبعد أن يكون تثبيت الوضع الراهن على الأرض، أي استمرار سيطرتها على أجزاء من الجنوب كورقة ضغط للمساومة مستقبلاً، سواء لمقايضة الانسحاب بضمانات أمنية (رغم أن واقع الاحتلال آخذ بالتنامي في الجنوب السوري) أو حتى لانتزاع اعتراف بضمها للجولان المحتل بشكل نهائي (وهو الأقرب للطرح الإسرائيلي باستثمار القوة العسكرية والتفوق الإقليمي بعد حرب غزة).

المصدر: موقع المنار