خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 25-11-2022 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 25-11-2022

الشيخ دعموش

            

نص الخطبة 

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ). 

قلنا في الخطبة الماضية ان ثقافة أداء التكليف تعني الالتزام بالاوامر والنواهي والتكاليف والمسؤوليات الشرعية والالهية، وان التكاليف الشرعية على نوعين: تكاليف تشريعية ثابتة لا تتغير بتغير الاوضاع والزمان والمكان، مثل وجوب الصلاة والصيام والزكاة وحلية البيع والتجارة وحرمة الخمر والربا والغيبة والكذب واحكام الزواج والطلاق الخ، اي الفتاوى الشرعية التي تذكر عادة في الرسائل العملية للفقهاء ومراجع التقليد. وتكاليف ولائية متحركة ومتغيرة قد تتغير تبعا للاوضاع والظروف المختلفة التي نمر بها، يحددها من يقود الامة من موقع قيادته وامامته وسلطته على الناس، مثل وجوب مقاومة المحتل او حرمة التطبيع او وجوب دفع الضرائب في الدولة الاسلامية او حرمة قلع الاشجار مثلا من الطرقات وكل التدابير والاجراءات التي يمكن ان يتخذها الولي من موقع ادارته لشؤون الناس وقيادته للامة. 

وقلنا ايضا ان الذي كان يحدد هذين النوعين من الاحكام والتكاليف في زمن النبي(ص) والائمة(ع) هو النبي(ص) نفسه والائمة(ع) من بعده، اما في زمن الغيبة فان الذي يحدد النوع الاول من الاحكام التشريعية الثابتة اي الفتاوى الشرعية مثل احكام العبادات والمعاملات والحلال والحرام، فهو مرجع التقليد فهو الذي يحدد الفتوى الشرعية لمقلديه، اما النوع الثاني اي التكاليف والاحكام الولائية التي تتعلق بادارة شؤون الامة ومصالحها فالذي يحددها هو الولي الفقيه الجامع للشرائط، فهو حصرا من يحدد التكاليف الولائية التي تتعلق بالمصالح والاحداث والتحديات وادارة الشؤون العامة للمجتمع والامة، وليس مرجع التقليد، وقد تجتمع المرجعية والولاية في شخص واحد كما اجتمعت في الامام الخميني(قده) من قبل، وفي الامام السيد علي الخامنئي(دام ظله) حاليا، حيث انه هو المرجع الذي نرجع اليه في الفتاوى الشرعية والحلال والحرام، وهو ايضا الولي الفقيه الذي يحدد لنا تكاليفنا الولائية في هذه المرحلة التي يجب ان نطيعه فيها . 

اذن التكاليف الولائية يحددها الولي الفقيه او من ينوب عنه ممن هو مفوض من قبله بحسب التسلسل بادارة الشؤون وتحديد وتشخيص المصالح والمفاسد، فالناس في زمن غياب الامام المعصوم(ع)  لا يحددون التكليف على مزاجهم او على مزاج الزعيم الفلاني اوالرئيس الفلاني او الوجيه الفلاني او على مزاج الاحزاب والتيارات والجماعات ورؤاهم الخاصة للأمور والمصالح والمفاسد.. 

المؤمنون الذين يخافون الله ويعبدون الله ويبتغون طاعة الله ورضا الله وبراءة الذمة امام الله، ينتظرون ما يحدده لهم الولي الفقيه العالم العادل المتصدي لادارة شؤون الامة من تكاليف ومسؤوليات، وهو الذي اذا التزمنا بتكاليفه واطعناه حصلنا على براءة الذمة امام الله،  اما غير الولي الفقيه او من ينوب عنه بحسب التسلسل فليس من صلاحياته تحديد التكاليف والمسؤوليات للأمة واصدار القرارات والاوامر والنواهي وفرض التدابير والاجراءات مهما كان يملك من العلم والفكر والمعرفة والزعامة والسلطة والمكانة الاجتماعية او السياسية، وحتى لو كان يفهم في المصالح والمفاسد ويستطيع ان يشخص ما ينفع الناس وما يضرهم، وما هو في مصلحة الناس وما هو ليس في مصلحتهم، ولا تجب اطاعة غير الولي الفقيه في مثل هذه الامور، ولو اطاع المكلف غير الولي في امور يرى الولي الفقيه خلافها، فهو غير مبرىء للذمة وسيسئل عن ذلك يوم القيامة. 

 الولي الفقيه الجامع للشرائط بحسب الرؤية الفقهية الاسلامية الشيعية هو الذي يحدد التكليف والمسؤوليات وليس احدا اخر، حتى لو كان مرجعا او عالما او زعيما او مسؤولا كبيرا او صاحب سلطة او قائد حزب او رئيس تيار.. طالما انه لا ينوب عن الولي الفقيه وليس مفوضا من قبله. 

 يقول سماحة السيد القائد دام ظله: “طبقا للفقه الشيعي يجب على كل المسلمين إطاعة الأوامر الولائية الشرعية الصادرة من ولي أمر المسلمين والتسليم لأمره ونهيه حتى على سائر العلماء العظام فكيف بمقلديهم“. هذا اولاً. 

ثانياً: تجب اطاعة الولي في كل التكاليف التي يحددها، فلا يجوز الاجتهاد في مقابل الحكم والتكليف الذي حدده ، ولا في مقابل القرار او التدبير او الاجراء الذي اتخذه، ولا يصح هنا ان يعتد الشخص بنفسه ويقول انا اعلم من  الولي او المسؤول الفلاني، او افهم منه او اعرف منه بتشخيص المصالح والمفاسد، او ان يرفض الانصياع لاوامره وقراراته وما حدده من تكاليف بحجة انه  مخطىء في تشخيصه وقراره، فانه حتى لو علم المكلف او قطع بان الولي او المسؤول المفوض منه مخطىء في قراره، فان عليه ان يلتزم ولا يجوز له التمرد والمخالفة، لان وجوب طاعة الولي متعلق بعلم الولي نفسه وليس بعلم المكلف، نعم للمكلف اذا كان لديه معطيات مختلفة ان يناقش الولي ويبين له وجهة نظره وينبهه وينصحه، فاذا اقتنع فبه، وإلا فان عليه ان يطيعه وينصاع الى امره ونهيه وقراره، والا عد عاصيا.  

ولتوضيح الفكرة نضرب مثلا من القضاء، فمثلاً لو ترافع شخصان عند قاض مجتهد لديه كفاءة القضاء فإن حكمه ملزم حتى وإن كان الرأي الفقهي أو تشخيص أحد الطرفين أو غيرهما مختلفاً عن تشخيص القاضي أو رأيه الفقهي، بل حتى لو قطع أحد الطرفين أو غيرهما بخطأ القاضي في تشخيصه ورأيه، فهذا لا يفيد القاطع شيئاً كما لا يلزم القاضي بشي‏ء، بل يجب على طرفي النزاع وغيرهما ترتيب آثار الحكم وإن قطع قاطع بخطئه، إلا إذا كان هناك إهمال أو تقصير أو قصور. 

 وعلى هذا الاساس فان الولي تجب طاعته في كل الاحوال، حتى لو كان لنا رأي مخالف لرأيه او علمنا بخطأ حكمه او تشخيصه، لقول الإمام الصادق(ع) في الحديث المشهور الذي يتكلم فيه عن خصمين يريدان التحاكم في فض نزاع بينهما، قال: ينظرانِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قدْ رَوى حَدِيثَنا، وَنَظَرَ فِي حَلالِنا وَحَرامِنا، وَعَرَفَ أَحْكامَنا فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً؛ فإنِّي قدْ جَعَلتُهُ عليْكُمْ حاكماً، فإذا حَكَمَ بِحُكْمِنا فلمْ يَقبَلْ مِنْهُ، فإنَّما اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللهِ، وَعَلَيْهِ رَدَّ، وَالرّادُّ عَلَيْنا الرّادُّ على اللهِ، وَهُوَ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللهِ). 

 والخلاصة: ان طاعة الولي في أداء التكليف امر ثابت ومفروغ عنه، ونستطيع ان نقول اكثر من ذلك: إن المطلوب ليس طاعة الولي واداء التكليف فقط  بل التسليم لأمره ونهيه، والتسليم أمر أرفع وأسمى من الطاعة فالطاعة هي مجرد العمل بالتكليف، اما التسليم فهو الرضا به والانصياع التام له والاعتقاد بان مصلحة الانسان هي في ادائه والقيام به . 

كما في زيارة وارث: (وَقَلْبِي لِقَلْبِكُمْسِلْمٌ وَأَمْرِي لأَمْرِكُمْ).
ثالثا: ان الانسان المؤمن عليه ان يقوم بتكليفه ويلتزم به بخلفية وروحية ايمانية ورسالية ومن موقع شعوره بالمسؤولية، وليس من موقع الوظيفة او في مقابل الحصول على مال او جاه او مسؤولية او منصب او موقع،  بحيث يصبح المال او المسؤولية او المنصب هدفاً بحد ذاته، بحيث انه لو توقفت الرواتب او شحت الموارد المالية،  يتوقف عن أداء التكليف والمسؤوليات. 

البعض قد يلتزم بالولاية وباداء التكليف طالما ان هناك مقابلا ، راتب ومعاش ومسؤولية وموقع ومنصب وجاه والخ، اما عندما يتطلب اداء التكليف التضحية والبذل والعطاء بلا مقابل او ان التكليف لا يمنح الشخص مسؤولية او منصب  او لا يحقق له طموحاته الشخصية، فهو لا يلتزم به. 

الجميع في موضوع اداء التكليف والولاية سوف يمتحنون، والله سبحانه في مثل هذه الموارد يختبر الانسان، ولذلك الله يرفع أناس بالولاية واداء التكليف ويسقط آخرين. 

الروحية التي ينبغي أن تحكم علاقتنا بالتكليف والعمل هي روحية البذل والعطاء، حتى لو اضطر الإنسان من اجل ان يؤدي تكليفه  ان يدفع من جيبه الخاص فعليه أن يدفع وان لا يبخل على الاسلام . 

رابعا: عندما نتحدث عن التكليف فإنه لا مجال للحديث عن الاعتبارات الشخصية وعن الشأنية، فإنها تسقط أمام مصلحة الإسلام والمسلمين، فانه مهما كانت مكانة الشخص وظروفه واعتباراته الشخصية مهمة يجب ان يسلم لمشيئة الله وان يلتزم باداء تكليفه مهما كان، وان يسلم بالنتائج ايا كانت  أيضا، لان النتائج هي بيد الله وتوفيقه وتسديده ، لذلك فإن على الإنسان القيام بتكليفه والالتزام به، وأما النتائج والتوفيق فهما من الله تعالى والإنسان غير مكلف بهما، يقول الإمام الخميني قدس سره: “أما بالنسبة للنتائج الموجودة فيمكن أن تتحقق ويحتمل أن لا تتحقق. وفي هذه الأمور التي يجب على الإنسان القيام بها كتكليف شرعي لا يجب ولا يشترط أن نحصل على العلم بحتمية تحقق الأهداف التي نرجوها منها. بل يجب أن يكون اهتمام المرء بها كتكاليف كلّف بها وعليه أن يعمل بها. 

نحن اليوم نقوم بتكليفنا في المقاومة وفي حماية البلد والدفاع عن مصالحه وخدمة شعبه والحفاظ على حقوقه وثرواته واستقلاله . 

ونحن في كل ما نقوم به لا نفتش عن مكاسب سياسية، ولا نريد الهيمنة على موقع الرئاسة او غيره من مواقع السلطة كما يظن البعض أو فرضَ رئيس  للجمهورية ، ما نريده اولا: هو ان يبقى لبنان قويا بمقاومته وجيشه وشعبه في مواجهة العدو الصهيوني، وان لا يعود الى زمن الضعف كما تريده أميركا، وثانيا: ان تكون الاولوية في هذه المرحلة لمعالجة الازمات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها اللبنانيون، وهذان الامران يتطلبان مقاربة واقعية وأكثر جدية لاستحقاق الرئاسة ومواصفات الرئيس.  

ولذلك حزب الله يريد رئيسا لكل اللبنانيين وليس لفريق معين منهم، رئيسا يجمع اللبنانيين ويحافظ على وحدتهم وسلمهم الاهلي، ويحمي سيادة البلد، ويطمئن المقاومة ولا يتآمر عليها، ولا يرتهن للخارج . 

لبنان بحاجة في هذه المرحلة الى من يتفرغ لمعالجة أزماته وحماية سيادته واستقلاله وليس الى من يريد ان يتلهى باثارة قضايا خلافية او فتح ملفات سياسية لا أولوية لها يعرف مسبقاً انه لن يصل فيها الى نتيجة. 

واليوم وأمام المشهد المتكرر الذي نراه في جلسات انتخاب الرئيس والذي لم يؤدّ الى اي نتيجة حاسمة، ليس هناك من مسار واقعي موصل لانتخاب رئيس للجمهورية أفضل وأسرع من التحاور والتفاهم، ولذلك على القوى السياسية أن تتحمل هذه المسؤولية لانجاز هذا الاستحقاق في أسرع وقت، لان الامور في البلد لم تعد تحتمل المزيد من الفراغ.