العماد عون: لتحرير تأليف الحكومة من التجاذبات ولن أتراجع في معركة الفساد والتدقيق الجنائي – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

العماد عون: لتحرير تأليف الحكومة من التجاذبات ولن أتراجع في معركة الفساد والتدقيق الجنائي

عون

اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انه “لن يتراجع أو يحيد عن معركته ضد الفساد المتجذر في مؤسساتنا، وانه لن يتراجع في موضوع التدقيق المالي الجنائي مهما كانت المعوقات، وسوف يتخذ ما يلزم من إجراءات لإعادة إطلاق مساره المالي”.

وإذ كشف الرئيس عون “ان وطننا اليوم، أسير منظومة فساد سياسي، مالي، إداري، مغطى بشتى أنواع الدروع المقوننة، الطائفية والمذهبية والاجتماعية، كما انه “أسير منظومة تمنع المحاسبة بالتكافل والتضامن، وتؤمن ما يلزم من الذرائع والابتكارات لتخطي القوانين، وعرقلة تطبيقها” بالاضافة الى انه “اسير اقتصاد ريعي قتل انتاجه وذهب به نحو الاستدانة ووضعه مجبرا في خانة التبعية لتلبية احتياجاته والارتهان للدائنين”، و”أسير قضاء مكبل بالسياسة وبهيمنة النافذين” و”سياسات كيدية معرقلة” و”إملاءات وتجاذبات خارجية وارتهانات داخلية تجعل الاستقلال والسيادة والديمقراطية مجرد كلمات جوفاء، فإنه شدد على “ان تحطيم كل هذه القيود التي تكبل ليس بالمستحيل، إذا أردنا فعلا بناء الوطن وتحقيق التحرر والاستقلال الفعلي”. وعاهد اللبنانيين “البقاء على وعده بحفر الصخر مهما تصلب لشق طريق الخلاص للوطن.”

كلام الرئيس عون جاء في خلال كلمة وجهها مساء اليوم الى اللبنانيين لمناسبة عيد الاستقلال السابع والسبعين، وبثتها وسائل الاعلام، اعتبر فيها “ان لا قيام لدولة قادرة وفاعلة في ظل الفساد، والبداية هي في فرض التحقيق المالي الجنائي، ثم عبر إقرار مشاريع واقتراحات قوانين الإصلاح والمحاسبة، والانتظام المالي الموجودة في مجلس النواب وفي مقدمها استعادة الأموال المنهوبة والمحكمة الخاصة بالجرائم المالية، والتحقيق التلقائي في الذمة المالية للقائمين بخدمة عامة… وأقله إقرار قوانين تحفظ وتصون كرامة الانسان، وأولها قانون ضمان الشيخوخة.”

وتساءل رئيس الجمهورية: “أولم يحن الوقت بعد، في ظل كل تلك الاوضاع الضاغطة، لتحرير عملية تأليف الحكومة العتيدة من التجاذبات، ومن الاستقواء والتستر بالمبادرات الإنقاذية للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع، كي يستقيم إنشاء السلطة الإجرائية وعملها؟”، داعيا في الوقت عينه القضاء “الى الاسراع من دون التسرع في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لأن للبنانيين، وخصوصا لمن طالتهم الكارثة مباشرة، من جرحى وأهل الضحايا أو أصحاب الحقوق، الحق بمعرفة النتائج.”

وتطرق الرئيس عون في كلمته الى “المتغيرات والتحولات السياسية الجذرية دوليا وإقليميا، ومنها اعتراف دول عربية عدة بإسرائيل وسيرها نحو التطبيع الكامل معها، وفي ذلك، ومع الأسف، قبول ضمني بضياع القدس والجولان، فضلا عن ارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية قبيل تسلم الإدارة الجديدة، كما عودة روسيا الى ملف النازحين”. ودعا الى”اطلاق حوار وطني لبحث ما تفرضه في جميع القطاعات السياسية، والأمنية والدفاعية لنستطيع مواكبة هذه المرحلة”، وذلك “للخروج معا بموقف موحد يحصن لبنان ولا يسمح بأن يكون ضحية التفاهمات الكبرى وكبش محرقتها”، مشددا في الوقت عينه على “أن لبنان متمسك بحدوده السيادية كاملة، ويأمل أن تثمر مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، فيسترجع حقوقه كاملة بالاستناد الى المواثيق الدولية، وتصحيح الخط الأزرق وصولا الى الحدود البرية المرسومة والثابتة والمعترف بها دوليا.”

وتوجه الرئيس عون في كلمته الى العسكريين مشددا على “ان دورهم في هذه المرحلة محوري ليس فقط بحماية الحدود والدفاع عنها، إنما بصون الوحدة الوطنية التي يسعى كثيرون لضربها”، معاهدا إياهم انه “لن يتنازل عن أي حق للبنان، ولن يوقع على أي مشروع لا يصب في مصلحته.”

وفي ما يلي كلمة رئيس الجمهورية كاملة:

“أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون

هي السنة السابعة والسبعون على استقلال لبنان، وللأسف حفلت بشتى أنواع الأزمات والشدائد، انعكست سلبا على حياة كل اللبنانيين، سواء بلقمة العيش أو بجنى العمر أو بمستقبل الأبناء، والبعض منهم طاولته بشكل أقسى، فخسر أحباء في أسوأ كارثة ضربت قلب عاصمتنا، أو بسبب وباء عم العالم ولم يزل يحصد الضحايا.

نعم، واقعنا اليوم ليس واعدا، ولكن إدراك الواقع لا يعني القبول به والاستسلام له، فنحن شعب جبل على المقاومة لينتزع حقه بالوجود وبالحياة. وأنا باق على وعدي بحفر الصخر مهما تصلب، لشق طريق الخلاص للوطن.

أيها اللبنانيون

إن الاستقلال بالمفهوم العام يعني الاستقلال السياسي وتحرر الوطن من احتلال، من انتداب، من وصاية خارجية، من تبعية سياسية… لكن التجربة اللبنانية تقول إن كل ذلك لا يكفي كي يكون الوطن مستقلا، فهناك العديد من القيود التي تجعلنا أسرى.

وطننا اليوم، أسير منظومة فساد سياسي، مالي، إداري، مغطى بشتى أنواع الدروع المقوننة، الطائفية والمذهبية والاجتماعية، حتى أضحى الفساد ثقافة وفلسفة لها منظروها، ومن يبررها ويدافع عنها

وطننا أسير منظومة تمنع المحاسبة بالتكافل والتضامن، وتؤمن ما يلزم من الذرائع والابتكارات لتخطي القوانين، وعرقلة تطبيقها.

وطننا أسير اقتصاد ريعي قتل إنتاجه وذهب به نحو الاستدانة، ووضعه مجبرا في خانة التبعية لتلبية احتياجاته والارتهان للدائنين.

وطننا أسير قضاء مكبل بالسياسة وبهيمنة النافذين.

وطننا أسير سياسات كيدية معرقلة تمنع أي تقدم أو أي إنجاز.

وطننا أسير أحقاد، وتحريض شيطاني يكاد يجعل من شبابه “إخوة أعداء”.

وطننا أسير إملاءات وتجاذبات خارجية وارتهانات داخلية تجعل الاستقلال والسيادة والديمقراطية مجرد كلمات جوفاء.

أيها اللبنانيون

كثيرة هي القيود التي تكبل، ولكن تحطيمها ليس بالمستحيل، إذا أردنا فعلا بناء الوطن وتحقيق التحرر والاستقلال الفعلي. وأقول لكم، ومن منطلق المصارحة اللازمة، إن الاصلاح وقيام الدولة هما رهن إرادتكم فعبروا عنها:

إذا أردنا قيام الدولة، فلا مفر من مكافحة الفساد، إذ لا قيام لدولة قادرة وفاعلة في ظل الفساد، والبداية هي في فرض التحقيق المالي الجنائي، ثم عبر إقرار مشاريع واقتراحات قوانين الإصلاح والمحاسبة، والانتظام المالي الموجودة في مجلس النواب وفي مقدمها استعادة الأموال المنهوبة، والمحكمة الخاصة بالجرائم المالية، والتحقيق التلقائي في الذمة المالية للقائمين بخدمة عامة… وأقله إقرار قوانين تحفظ وتصون كرامة الانسان، وأولها قانون ضمان الشيخوخة.

إذا أردنا قيام الدولة، فالضرورة ملحة لتركيز الجهود على تحقيق الاكتفاء الاقتصادي، فنولي الاهمية المطلوبة للإنتاج واحتياجاته، وهو الذي يشكل حجر الأساس في بناء الاقتصاد الوطني والمستقل، ومعلوم أن لا استقلال حقيقيا لبلد اقتصاده مكبل بالخارج.

وإذا أردنا قيام الدولة، فلا بد من تحرير مؤسساتها من نفوذ السياسيين والمرجعيات، فتأتي القرارات والتعيينات على أساس الكفاءة والنزاهة والاستحقاق والإنتاجية وبمعايير واحدة، وكلها متوافرة في جميع الطوائف.

وأخيرا وليس آخرا، قيام الدولة بأبسط مقوماته يحتاج لوجود حكومة فاعلة وفعالة، أولم يحن الوقت بعد، في ظل كل تلك الاوضاع الضاغطة، لتحرير عملية تأليف الحكومة العتيدة من التجاذبات، ومن الاستقواء والتستر بالمبادرات الإنقاذية للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع، كي يستقيم إنشاء السلطة الإجرائية وعملها؟، خصوصا وأن هذه الحكومة تنتظرها مهام تحمل صفة الفوري والعاجل والإنقاذي، وفي مقدمها إطلاق ورشة الاصلاحات البنيوية الملحة، وإعادة إعمار بيروت وتضميد جراحها، وتطوير خطة التعافي المالي وترجمتها بالقوانين والمراسيم التطبيقية.

أيها اللبنانيون

ثلاثة أشهر ونصف مضت على كارثة انفجار مرفأ بيروت، ولا يزال لبنان والعالم بانتظار نتائج التحقيق. ومع احترامنا الكامل لسرية التحقيق التي يفرضها القانون ولاستقلالية القضاء العدلي، فإنني ومن موقعي أدعو الى الاسراع فيه من دون التسرع لأن لـلبنانيين، وخصوصا لمن طالتهم الكارثة مباشرة، من جرحى وأهل الضحايا أو أصحاب الحقوق، الحق بمعرفة النتائج، أولا لإجلاء الحقيقة وتجريم المذنب وتبرئة المظلوم، وثانيا لتحرير حقوق المتضررين. وبديهي أن يشمل التحقيق جوانب الكارثة كافة، فلا يقتصر على المسؤوليات الإدارية.

أيها اللبنانيون

في غمرة التحديات التي تواجهنا وتحيط بوطننا، لا بد من التأكيد على أن لبنان متمسك بحدوده السيادية كاملة، ويأمل أن تثمر مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، فيسترجع حقوقه كاملة بالاستناد الى المواثيق الدولية، وتصحيح الخط الأزرق وصولا الى الحدود البرية المرسومة والثابتة والمعترف بها دوليا.

أما في ما يجري حولنا وفي العالم من تغيرات وتحولات سياسية جذرية دوليا وإقليميا، فإن اللافت منها إعتراف دول عربية عدة بإسرائيل وسيرها نحو التطبيع الكامل معها. وفي ذلك، ومع الأسف، قبول ضمني بضياع القدس والجولان، فضلا عن ارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية قبيل تسلم الإدارة الجديدة، كما عودة روسيا الى ملف النازحين.

هذه المتغيرات سيكون لها من دون شك انعكاسات هامة على لبنان. ولا يقع على عاتق أي مسؤول أو أي حكومة أن يقررا منفردين، السياسات التي يجب اعتمادها إزاء الواقع الجديد الذي يحتاج الى الكثير من التضامن، خصوصا وأننا على مشارف استحقاقات قد تغير وجه المنطقة.

لذلك، من الواجب اطلاق حوار وطني لبحث ما تفرضه من تغيرات في جميع القطاعات السياسية، والأمنية والدفاعية لنستطيع مواكبة هذه المرحلة، فتوضع كل الخلافات جانبا وتلتقي الإرادات للخروج معا بموقف موحد يحصن لبنان، ولا يسمح بأن يكون ضحية التفاهمات الكبرى وكبش محرقتها.

وهنا أتوجه الى قوانا المسلحة:

أيها العسكريون

يجمعنا قسم يمين، أنا بصون الدستور والقوانين واستقلال الوطن وسلامة أراضيه، وأنتم بالذود عن الوطن وحمايته. دوركم في هذه المرحلة محوري ليس فقط بحماية الحدود والدفاع عنها، إنما بصون الوحدة الوطنية التي يسعى كثيرون لضربها، هي مهمتكم الأساسية اليوم، وكلي ثقة أنكم ستؤدونها بكل أمانة والتزام.

وأنا بدوري أعدكم بأنني لن أتنازل عن أي حق للبنان، ولن أوقع على أي مشروع لا يصب في مصلحته.

أيها اللبنانيون

لقد تبلغ لبنان بالأمس القرار المؤسف لشركة التدقيق المحاسبي الجنائي الفاريز ومارسال Alvarez & Marsal بالانسحاب من المهمة الموكلة اليها، وذلك بسبب عدم مدها من قبل مصرف لبنان بما تطلبه من معلومات ومستندات تمكنها من القيام بعملها، وفقا للمعايير الدولية المعتمدة، وعدم تيقنها من الحصول عليها في الفترة المتبقية، أقل ما يقال في هذه الظروف، إنها انتكاسة لمنطق قيام الدولة والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة والشفافية.

فالتدقيق الجنائي هو مدخل كل إصلاح، لأنه قادر على كشف مكامن الفساد والهدر وتبيان أسباب الإنهيار الحالي والمسؤولين عنه، وكان مقررا له أن ينسحب على كل الوزارات والإدارات والمؤسسات بعد المصرف المركزي، وعبثا نحارب الفساد بمعزل عنه، أضف الى أنه وارد في جميع الأوراق الإصلاحية، سيما في المبادرة الفرنسية، وهو أيضا شرط من شروط الاستحصال على برامج المساعدات من صندوق النقد الدولي والدول والصناديق المانحة.

ومع ذلك، أو ربما لذلك، كثيرة كانت العراقيل والمطبات أمامه، ومع تذليل كل عقبة كانت تنبري أخرى أشد وأصعب، وبقيت المتاريس المصلحية مرفوعة بوجهه، بتمويه متقن، حتى تمكنت أخيرا من توجيه هذه الضربة له.

وأقولها بكل وضوح: لن أتراجع أو أحيد عن معركتي ضد الفساد المتجذر في مؤسساتنا، على الرغم من كونها معركة غير متكافئة راهنا مع منظومة متماسكة، وممسكة بمفاصل القرار المالي منذ عقود.

لن أتراجع في موضوع التدقيق المالي الجنائي مهما كانت المعوقات، وسوف أتخذ ما يلزم من إجراءات لإعادة إطلاق مساره المالي، وأدعو نواب الأمة الى القيام بواجبهم التشريعي الذي على أساسه أولاهم الناس ثقتهم، وأدعو الإعلام الى خوض هذه المعركة بكل صدق وشفافية، فهنا الساحة الحقيقية لمحاربة الفساد.

أما أنتم أيها اللبنانيون، فأدعوكم الى الوقوف وقفة واحدة حقا، فتضغطون حيث يجب، وترفعون الصوت في المكان الصحيح لكسب هذه المعركة، لأنها المعركة الأساس في إنقاذ لبنان.

عشتم وعاش لبنان!”

المصدر: الوكالة الوطنية