الصحافة اليوم 12-10-2020 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الصحافة اليوم 12-10-2020

الصحافة اليوم

ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 12 تشرين الاول 2020 ، على حركة مشاورات التأليف التي سيبدأها اليوم سعد الحريري بمعزل عن الاستشارات النيابية الملزمة،  والنتيجة لهذا الحركة رهن لقائه اليوم بالرئاستين الاولى والثانية ليبنى على اللقاء مقتضى “التكليف”…

الاخبار

جريدة الاخبارالحريري يبدأ «تأليف الحكومة» اليوم!

فعلياً، تنطلق اليوم استشارات تأليف الحكومة. «المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة» قرر إطلاقها بمعزل عن الاستشارات النيابية الملزمة. النتيجة لا تزال غير واضحة، بانتظار لقائه اليوم رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي. إذا نجح التأليف، سيليه التكليف!

لم ينتظر سعد الحريري انتهاء مهلة الـ72 ساعة التي وضعها لنفسه قبل إطلاق جولة مشاوراته مع مختلف الأفرقاء لتبيان مدى استعدادهم للسير بمبادرته. البداية عبر زيارة رؤساء الحكومات السابقين إلى بيت الوسط. ثمة من يريد تحويلهم إلى ممر إلزامي، ولو شكلاً، لأي مرشح لترؤس الحكومة. وبعد ذلك، سيزور الحريري قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون قبل أن يلتقي مساءً الرئيس نبيه بري.

لا شيء واضح حتى الساعة. لكن بالشكل، يبدو أن الحريري قرّر اتباع مسار دستوري معكوس. لم ينتظر الاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية لتحديد اسم الرئيس المكلّف. بدأ بإجراء استشارات التأليف بطريقة غير مسبوقة. اعتقاده بأن المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة جعله يجري استشارات التأليف قبل استشارات التكليف. كيف سيتعامل رئيس الجمهورية مع هذا الواقع؟ وهل سيتفق مع الحريري على تسميته، أم يصار إلى تأجيل الاستشارات؟ الطريق طويلة وإمكانية التلاقي بين الطرفين صعبة، لكن لا أحد يمكنه التنبّؤ بما سيجري من اليوم حتى الخميس. بحسب مبادرة الحريري، فإنه ينوي قيادة حكومة من الاختصاصيين. لكن لم يعرف بعد إن كان سيوافق على أن يسمّي الأطراف ممثليهم أو من يختارونهم. تلك نقطة ستكون حاسمة في سير الأطراف بالمبادرة من عدمه.
مصدر مطّلع دعا إلى عدم التسرّع في الحكم على المبادرة، داعياً إلى انتظار لقاء الحريري بعون وبري، إذ لم يستمع أحد بعد إلى التصور الذي سيقدمه بشأن صيغة الحكومة وعدد الوزراء وتوزيع الحقائب وأسماء الوزراء. وقبل أن يجاب عن هذه الأسئلة، فلن يعطي أحد موقفاً. بحسب المصدر، فإن الشروط التي وضعها أديب لا يمكن للحريري أن يضعها. أديب كان شخصية غير سياسية، وقد رفض أن يتدخل السياسيون في التأليف، أو أن يُشاركوا في الحكومة. وضع الحريري مختلف؛ هو شخصية سياسية، ولن يكون بإمكانه التذرع بالسعي إلى تأليف حكومة اختصاصيين لتجنّب تدخّل الأحزاب في تسمية مرشحيها للتوزير. لم يتحدث الحريري عن مستقلين، بل عن اختصاصيين. وذلك قد يفتح الباب أمام التوافق على تسمية مختلف الأطراف لوزراء اختصاصيين.
بالنسبة إلى مصدر عوني، فإن اعتبار الحريري أن ترشيحه يأتي في سياق المبادرة الفرنسية بحاجة إلى تدقيق. «المبادرة الفرنسية تحدثت عن حكومة اختصاصيين ولم تتحدث عن حكومة اختصاصيين برئيس سياسي». يذكّر المصدر بما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. عندما اجتمع بالقيادات في قصر الصنوبر، دعاهم إلى أن يرتاحوا ويتركوا المهمة لاختصاصيين. لم يرتح الحريري هذه المرة. هنا لا بد من التأكد إن كان يحمل مبادرة جديدة أم تطويراً للمبادرة الفرنسية، التي اقتنع معدّوها بأنها لا يمكن أن تمر بالشكل الذي كانت عليه؟ فهل الحريري مستعد لأن يتشاور مع الأفرقاء في شكل الحكومة وأسماء وزرائها وفي برنامجها؟ حتى اليوم لا شيء واضح سوى أن الحريري أعلن أنه المرشح الطبيعي للحكومة، فيما أعلن رئيس الجمهورية تمسّكه بالمبادرة الفرنسية.

هل يوافق الحريري على ما رفضه مع أديب؟

على مقلب ثنائي حزب الله وأمل ليس الوضع أفضل. لا يزالان على موقفهما: ما لم يُعطَ لمصطفى أديب لن يعطى لغيره. هذا يعني أن الثنائي متمسك بتسمية وزير المالية أو إعطاء لائحة للرئيس المكلف يختار منها، ومتمسّك بتسمية الوزراء الشيعة الثلاثة، ومتمسّك بالاتفاق على برنامج الحكومة. فهو لن يعطي الحريري أو غيره شيكاً على بياض لتقرير مصير البلد بما يناسبه. والأمر نفسه سبق أن أشار إليه النائب جبران باسيل. حزب الله سبق أن أعلن أنه لن يسير بكل ما يطلبه صندوق النقد، فيما الحريري لن يتردد في المضي قدماً بالخصخصة وزيادة الضرائب غير العادلة على الاستهلاك.

نهاية الدعم: لماذا لا يحرّر مصرف لبنان مليارات الاحتياطي الإلزامي؟

مصرف لبنان لم يدعم سكان لبنان «من جيبته»، فما يحمله من دولارات هو أموال للمودعين استُخدمت لأغراض شتى، بينها دعم أسعار بعض السلع بصورة عشوائية، غير مُرتبطة بأي استراتيجية اجتماعية بعيدة المدى لتعود بالفائدة على المجتمع ككلّ. هل بالإمكان استمرار الدعم بشكله الحالي؟

أموال مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، التي يُشار إليها باسم «حساب الاحتياطي»، لم تُبَدَّد على دعم المازوت والبنزين والدواء والسلّة الغذائية، ببساطة لأنّها ليست مُلكاً له حتّى يدّعي «فقدانها». هي «موجودات» أُلزمت المصارف التجارية بإيداعها لديه، لقاء فائدة سنوية تُقدّر بنحو 600 مليون دولار.

70.18 % من مطلوبات مصرف لبنان، تعود إلى القطاع المصرفي، بحسب آخر أرقام نشرة «بلوم بنك انفست». الرقم ضخم، ويُشكّل عامل إدانة لمصارف لم تحترم أبسط القواعد المالية: تنويع الاستثمارات حتى لا تُعرّض كلّ أموال المودعين للخطر. خالفت القاعدة، ووضعت أموال الناس في فم التنين، حتّى صُرفت بـ«خُبث»، ولم يتبقَّ منها إلا قرابة الـ17.5 مليار دولار، على ذمّة حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة. ويدّعي الأخير أنّه لا يُمكنه المسّ بما بقي في عهدته، «لأنّها أموال المودعين»، زاعماً أنّه لا يملك سوى مبلغ يتراوح بين 2 و3 مليارات دولار قادر على أن يتصرّف به لتمويل الاحتياجات الرئيسية.

توظيفات المصارف لدى «المركزي»، بالعملات الاجنبية، «بلغت 70 مليار دولار. وهي، كالاحتياطيات الإلزامية، ملك الناس. فكيف تمكّن من تبديد 53 مليار دولار، والآن يظهر أنّه ضنين على أموال المودعين؟»، يسأل الاقتصادي إيلي يشوعي. ويُضيف أنّ «الاحتياطي الإلزامي يُمثّل 15% من الودائع لدى المصارف، لا مانع من أن يأخذ مصرف لبنان قراراً بخفضه إلى الـ10% فيكون قد حرّر ما بين الـ7 و8 مليارات دولار، خاصة أنّ النسبة العالمية تراوح ما بين 2% و5%. ولكن في لبنان رفع مصرف لبنان من نسبة الاحتياطي الالزامي حتى تبقى الفوائد مرتفعة».

يوم الجمعة، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، إنّ «الخسائر باستمرار الدعم أقل خسارة من رفع الدعم، وحبذا لو أوقف مصرف لبنان تمويل سياسات الهدر من أموال المودعين». كلامه الرافض لرفع الدعم، سبقه اجتماع في السراي «ساده جوّ سيّّئ بين دياب وسلامة»، بحسب مُطلعين على فحواه، «لإصرار دياب على أنّه يُمكن الاستمرار في الدفع». لا يُلام رئيس الحكومة المُستقيل، فسلامة هو الذي أبلغه في شباط الماضي حين كان يُدافع عن ضرورة دفع استحقاقات آذار من سندات الدين بالعملات الأجنبية «يوروبوندز»، أنّه يُمكن صرف كلّ ليرة في «الاحتياطي الإلزامي»، قبل أن يُغيّر رأيه في آب ويُحذّر من أنّ المبلغ لا يكفي أكثر من ثلاثة أشهر. ولكن تلطّي سلامة خلف حُجّة «الاحتياطي» مردّه إلى عدم سحب بساط الأمان من تحت المصارف. يقول مُقرّبون منه إنّه «يُحافظ على الاحتياطي الإلزامي حتى تبقى حسابات المصارف لدى مصارف المراسلة قائمة ولا يُشكّل صرف المبلغ مشاكل لها في الخارج»، ويُضيفون أنّه «لا يُمكن صرف المبلغ من دون ترافقه مع إصلاحات أو اتفاق سياسي». شُكّلت لجنة تضم الوزراء زينة عكر وغازي وزني وراوول نعمة وريمون غجر لتبحث مع سلامة في الدعم، قبل أن ترفع خلاصة نقاشاتها إلى رئاسة الجمهورية ويُعقد اجتماع مالي. الاتجاه هو لـ«ترشيد الدعم»، وقد طلب «المركزي» من وزارات الاقتصاد والطاقة والصحة تقديم سيناريوات عديدة في حال رُفع الدعم أو خُفّض.

«الدعم» هو كُرة النار التي تتقاذفها كلّ القوى السياسية والمسؤولين النقديين حالياً، بعد أن وصل النموذج المعتمد إلى حافّة النهاية. هو في الأساس قرارٌ سياسي ولا يُمكن حصره بالأرقام والنظريات الاقتصادية: ماذا تُريد الدولة أن تفعل؟ هل ستُقرّ استراتيجية حماية اجتماعية تُوفّر الحقوق الأساسية للسكان وتُغني عن مُساعدات محدودة ومهدورة؟ النقاش على المستوى الرسمي لا يلتفت إلى هذا الإطار، فيُترك الأمر ليتحكّم فيه مصرف لبنان الذي لا يقيم أي اعتبار لشيء بعيداً عن ورقة الأرباح والخسائر. فموقف دياب المؤيّد لاستمرار الدعم أساسه «عدم رغبته في أن يُبتّ إلغاؤه خلال وجوده في السراي»، بحسب المصادر المُطلعة، مثله مثل باقي الوزارات المعنية، الرافضة لتبنّي أي موقف ما لم يصدر عن مجلس الوزراء مُجتمعاً. مثلاً وزير الطاقة ريمون غجر أبلغ «المركزي» حين سُئل عن «السعر المُناسب» لصفيحة البنزين أنّ «الوزارة لا تُحدّد سعراً مناسباً، فالدعم قرار سياسي ونحن نُنفذ قرارات مجلس الوزراء». حتّى سلامة أبلغ المسؤولين السياسيين أنّ «هذا القرار لا أستطيع اتخاذه، ولكن أُبلغكم أنني لم أعد قادراً على الدعم».

من يحلّ هذه المعضلة؟ الأكيد أنّ رفع الدعم من دون خطّة مواكبة «له سلبيات واضحة، ويُمثّل كارثة كبيرة اجتماعياَ. البنية الاجتماعية ستتغيّر بشكل مُخيف»، يُخبر مدير المركز اللبناني للدراسات، سامي عطا الله. ويُضيف أنّ «الدعم في لبنان جزء من الحماية الاجتماعية وعامل أساسي لأفراد فقدوا وظائفهم وتدّنت قيمة رواتبهم وحُجزت أموالهم في المصارف». القلق من زيادة الاضطرابات الاجتماعية حاضر بشكل كبير لدى ممثلي «المجتمع الدولي» في لبنان. بعض الدول الأوروبية طلب إجراء دراسة تُحاكي «الأثر المباشر وغير المباشر لتوقّف الدعم»، ومؤسسات دولية غير حكومية تعاقدت مع أشخاص وظيفتهم مراقبة الحوادث الأمنية في المناطق المُصنّفة «شعبية».

لوقف الدعم آثار جانبية عنيفة، ولكن رفعه ليس المأساة بعينها إذا ترافق مع خطّة حكومية تحمي الطبقات الاجتماعية المُتضرّرة أثناء مرحلة الهبوط الحادّ. فاستمرار تقاسم هذا «الفتات» من دون أن يكون مُوجّهاً، لا يؤدّي إلى تحقيق المساواة وتوفير الخدمات الضرورية للجميع. أحد الخبراء الاقتصاديين يعتبر أنّه «لا يُمكن الدفاع عن الشكل الحالي من الدعم. لا بُدّ من التدرج في رفعه، مع تأمين الحدّ الأدنى من الحماية للأكثر فقراً وتصحيح فوري للأجور». من ناحيته، يعتبر سامي عطا الله إنّ «أكثر المستفيدين من الدعم هم الأغنياء القادرون على استهلاك كميات كبيرة من المواد المدعومة، والمحظيون الذين استفادوا مثلاً من الدعم على القروض السكنية. السؤال اليوم كيف يُمكن أن نُوجّه الدعم ليحصل عليه الأكثر حاجة إليه؟». في السياق نفسه، يسأل أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين: «لماذا من يملك سيارة مُميزة يشتري البنزين المدعوم مثل أي مواطن؟ يجب دعم القطاعات بطريقة ذكية، حتى لا يعود الدعم مُفيداً للمحتكرين والتجار والمُنتفعين». المؤسف، بالنسبة إلى ياسين، أنّه «منذ البداية، وبميزان مدفوعات سلبي (الأموال التي تدخل لبنان وتلك التي تخرج منه) كان واضحاً أن الدعم بشكله الحالي سيوصل إلى هذه النتيجة. كان لدينا قرابة سنة حتى تطرح الإدارة العامة البدائل، لكنها لم تُنجز شيئاً». يتحدّث بشكل خاص عن «دعم البدائل في الأدوية، وكسر احتكار الموزعين، ودعم النقل العام بالتزامن مع نزع الدعم عن المحروقات تدريجياً». نقد ياسين يطال أيضاً مجموعات الانتفاضة الشعبية «التي لم تخض نقاشاً في العمق وتطرح هذه الإشكالية والحلول لها».

تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي إلى الـ10% يُحرّر ما بين 7 و8 مليارات دولار

هو يُحذّر من أنّه في ظلّ هذا الفراغ، «ستُفرض علينا سياسة الدعم الخاصة بالمؤسسات المالية الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي قدّم قرضاً مُيسّراً لإعطاء 140 ألف ليرة شهرياً لـ112 ألف عائلة، في حين أنّ المطلوب سياسة اجتماعية بديلة». في مقابلة سابقة مع ملحق «رأس المال» في «الأخبار» (28 أيلول 2020)، قال الخبير الاقتصادي كمال حمدان إنّ «استهداف فئات بعينها لتخفيف وطأة العيش عنها ممكنٌ عندما تكون بؤر هذه الفئات تمثّل 10% أو 15% من السكان، لكن عندما ترتفع إلى 50% و55% وقد تبلغ 70% مع مفاعيل رفع الدعم، فالمفاضلة للسياسات الاجتماعية، وهذا مشروط بحكومة مستقلة من خارج المنظومة وبصلاحيات تشريعية وبنظام ضريبي تصاعدي».
الحلّ السياسي حاضر في حديث إيلي يشوعي؛ فمن جهة «رفع الدعم سيُرتّب طبع نقد، سيُنتج ارتفاعاً جديداً في الأسعار، ولن يعود بمقدور أحد السيطرة على سعر الصرف»، ومن ناحية ثانية «لا نقدر على أن نقطع البلد من الدولارات». لذلك، هو يطرح «خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي، وتحرير بعض الدولارات، والذهاب مباشرةً نحو حلّ سياسي وتأليف حكومة في أسرع وقت».

نحو 3 مليارات فقط للدعم

منذ بداية العالم الحالي، حتى أيلول، انخفضت موجودات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية بقيمة 11.3 مليار دولار، 2.2 مليار دولار منها سُجّلت بين 15 أيلول و30 أيلول الماضي (راجع ملحق «رأس المال»، عدد يوم). أبرز «المُتهمين» باستنزاف العملة الصعبة، دعم المحروقات، الدواء، السلة الغذائية. في وزارة الاقتصاد، تبيّن أنّ السلع الغذائية المدعومة بسعر 3900 ليرة للدولار، بلغت كلفتها في أربعة أشهر قرابة 230 مليون دولار، وقد تقرّر خصم 40% من المواد المدعومة، سيطال معظمها مواد أولية لا غذائية. أما على صعيد الدواء، فقد بلغ الدعم منذ كانون الثاني حتى تموز 2020: 670 مليون دولار، مقسمة بين 80 مليون دولار مستلزمات طبية والباقي دواء وحليب أطفال ومواد أولية للصناعة الدوائية. الفاتورة الأكبر تُدفع على المشتقات النفطية: 1.5 مليار دولار للبنزين والديزل، و0.75 مليار دولار للكهرباء، منذ بداية العام حتى أيلول. أين ذهب باقي الأموال؟ بحسب مصادر مُطّلعة على عمل مصرف لبنان، «حين قال رياض سلامة إنّ الأزمة الحادة أصبحت وراءنا كان يقصد تخفيض مديونية المصارف في الخارج إلى حدود مليار ونصف مليار دولار، هي عبارة عن التزامات واستحقاقات».

«لبنان يحترق» للسنة الثانية بـ«نجاح كبير»!

من دون تغيير يُذكر، تكرّر في الأيام الماضية سيناريو «لبنان يحترق»، بنسخة شبيهة للحرائق التي اجتاحت لبنان قبل عام تماماً. عدا تغيّر أسماء المناطق، لا تزال الإمكانات اللوجستية على حالها، قاصرة عن مواجهة الكوارث في ظل إرباك في إدارة الأزمات

لا تشعر إنعام عواد بأن الحريق الذي أتى على منزلها في الدبية في ساحل الشوف حصل قبل عام. «أم علي» لا تزال «تحترق» منذ ذلك الحين. ليس قلبها فقط ما يشتعل قهراً على حاجيات وأثاث وثياب وذكريات التهمتها النيران، وإنما أيضاً عظام رقبتها وظهرها بعد احتراق الوسادة الطبية التي لم تستطع شراء غيرها بعد ارتفاع الأسعار. يومها، امتدّ حريق الحرج الواقع خلف منزلها في الطبقة الأرضية إلى كل تفصيل في يومياتها. السيدة التي تعتاش مع زوجها من دكان يقع في المبنى نفسه، فقدت كل شيء. ضيق الحال الذي ازداد مع ازدياد الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة، أعاق قدرتها على استبدال كل ما فقدته. بمساعدة بعض الخيّرين والجمعيات الأهلية، رمّمت غرفتين من المنزل «من قريبو». وبـ«التقسيط المريح»، أصلحت النوافذ وطلت الجدران، لكنها لم تستطع إزالة آثار الحريق عن البلاط لارتفاع سعر تنظيفه، مدّها بعض الجيران بالثياب والأثاث. «الدولة» لم تكن من بين من أعانوها. جاء كثر «من البلدية إلى الجيش والدرك والهيئة العليا للإغاثة والجمعيات الأهلية… عبّأنا استمارات عدة أحصينا فيها حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بنا. وُعدنا بالحصول على تعويضات لا نزال ننتظرها».

في أحراج الدبية لا تزال آثار الحرائق حتى اليوم. لم ينبت الأخضر في الأرض المحروقة. هياكل أشجار واقفة في جميع الأنحاء كالجثث المتفحّمة، شاهدة على ما حصل وما قد يحصل في أي لحظة. «معرض الشجر المحترق» يمتد في أنحاء ساحل الشوف، من الدبية إلى مزرعة الضهر وجون إلى إقليم الخروب والناعمة. في تلال الدامور، امتدّ حريق الأحراج قبل عام إلى مقر جمعية «اركنسيال» لبيع الأثاث المستعمل. المبنى المؤلف من ثلاث طبقات، والذي كان مقصد محدودي الحال وهواة «الأنتيكا» والتصاميم القديمة، احترقت غالبية محتوياته. بعد عام، عرضت الجمعية أغراضاً جديدة في الطبقة الأرضية وسط الجدران المتفحّمة والأسقف المتهالكة.

رئيس بلدية الدبّية: إمكاناتنا لمواجهة الحرائق ارتفعت من صفر إلى فوق الصفر بقليل!

«اللوحة السوداء» الأضخم لا تزال «معروضة»، منذ عام، فوق تلال المشرف. البلدة الصغيرة التي تتوسط ملايين الأمتار من الأحراج، لم تُطاولْها حرائق الأيام الماضية. يحبس بيار وجوليات نصر أنفاسهما من احتمال استعادة كابوس العام الماضي. باللحم الحي وبـ«إبريق» صغير، تسابقا لإطفاء الحريق الذي امتد إلى حقلهما بجوار منزلهما في المشرف. تدمع جوليات رغم مرور سنة على الواقعة: «ما زلنا معرضين في أي لحظة. لكن ما باليد حيلة». الفيلات والقصور في المنطقة، لم ينتظر أصحابها تعويضات الدولة. حالياً، ينشغل النواطير والعمال الأجانب في إزالة الأعشاب اليابسة على حدودها. لكن الجهود الفردية لا ترافقها جهود عامة. «شركة المشرف النموذجية» التي تضم تلك الفيلات، كانت قد لحظت استحداث مآخذ مياه لإطفاء الحرائق. لكن المآخذ لم تخضع للصيانة منذ فترة طويلة ولم تنفع في إطفاء حرائق العام الماضي، برغم توافر مصادر المياه. «يدنا على قلبنا منذ بداية الشهر الجاري تخوّفاً من تكرار كارثة العام الماضي»، قال رئيس البلدية زاهر عون. قبل عام، «كانت إمكانيات البلدية صفراً. اليوم، بعد أن تحولت المشرف إلى قبلة الاهتمام الرسمي والشعبي، ارتفع مستوى الإمكانيات إلى ما فوق الصفر بقليل»! يؤكد عون أن جمعيات قليلة هي من استمرت بالدعم والمتابعة بعد أن هدأت «الهبّة». إحدى الجمعيات واظبت خلال الفترة الماضية على تنظيف الأحراج واستحداث ممرات داخلها لتسهيل عملية التدخل والوصول إلى عمق الحرج في حال اشتعل الحريق. كما درّبت عدداً من أبناء البلدة على كيفية السيطرة على الحريق عند بدء حصوله لمنع تمدّده، بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني. في مقابل المتطوعين، جهّزت البلدية وسائل محدودة لمواجهة الحرائق المحتملة، وسيّرت دوريات مستمرة لمراقبة الأحراج من الحطّابين والمتنزهين. وتحسباً لموسم الحرائق المعتاد، عملت بلديتا المشرف وكفرمتى والبلديات المجاورة منذ نحو شهر، على تنظيف الأحراج وإزالة الأعشاب اليابسة من جوانب الطرقات. و«بتبرع من المقيمين في قرية المشرف النموذجية، اشترت البلدية صهريج مياه صغيراً للإطفاء واتفقت مع اثنين من أصحاب الصهاريج لوضعها بتصرف البلدية في حال وقعت الواقعة. وبما أن آليات الإطفاء التابعة للدفاع المدني لا تأتي إلا وخزانها خال من المياه، جهّزنا الآبار التي تمر في البلدة ضمن مشروع جرّ مياه الأولي إلى بيروت، بمولد والمحروقات لضخ المياه من دون انقطاع. فضلاً عن توظيف شخص لصيانة محطة الضخ». أما مآخذ المياه في القرية النموذجية، فقد «تعهّدت إحدى الجهات المانحة بصيانتها لأن البلدية غير قادرة بسبب ارتفاع كلفة تصليحها». يقر عون بأن تلك الإمكانيات قادرة على مواجهة حريق صغير. فماذا لو تكررت كارثة العام الماضي؟ «عسى ألا تتكرر، إذ أن أقرب مركز إطفاء للدفاع المدني إلينا في الدامور، يعمل منذ مدة بسيارة إطفاء واحدة لأن بقية الآليات معطلة. والحال نفسه في مركز الدبية المجاور».
عون وزملاؤه في البلديات المجاورة راسلوا وزارة الزراعة للترخيص بقطع الأشجار المحترقة والسماح للناس بالاستفادة منها في ظل ارتفاع أسعار المحروقات. الوزارة كشفت على الأرض المحروقة ولم تصدر قرارها بعد. في المشرف، زرعت البلدية نحو 1500شجرة صنوبر لتعويض بعض ما احترق. فيما المطلوب، بحسب عون، دعم الوزارة لزراعة الشجر البديل الذي يقاوم النار وينبت مجدّداً كالخروب والغار والسنديان.

الدفاع المدني يعتذر: آلياتنا معطلة

لم يكن حال رؤساء بلديات صور وبنت جبيل والنبطية ومرجعيون وعكار والقيطع والمنية في اليومين الماضين أفضل من حال زملائهم في بلديات ساحل الشوف العام الماضي. نسخة حرائق 2020 تركزت في الجنوب وعكار. لكن النتيجة واحدة. واجه الأهالي النيران التي هددت منازلهم وأرزاقهم باللحم الحي وبالإمكانيات المحدودة.
رئيس مركز صور في الدفاع المدني علي صفي الدين اعتذر السبت من المحاصرين بالنيران لأن الآلية الوحيدة الصالحة في مركز صور تعطلت، لتنضم إلى الست التي تعطلت تباعاً وتنتظر موافقة وزارة الداخلية والبلديات على التوقيع على عقد صيانتها. صرخة صفي الدين لاقتها صرخات عدد من زملائه من رؤساء مراكز الدفاع المدني في المناطق التي تعمل جزئياً بسبب تعطل آلياتها. «الأخبار» راجعت مديرية الدفاع المدني، من دون الحصول على إجابة، لأن مديرها العميد ريمون خطار مسافر خارج البلاد، فيما مكتب الإعلام يقفل أبوابه يومي السبت والأحد.

«لا مطلقة»… لأي تفاوض مع العدو

 ابراهيم الأمين

لنعد الى نيسان العام 1996. لم تكن جولات التفاوض بين «إسرائيل» وبعض العرب قد أغلقت. مع سوريا كانت محاولات الولايات المتحدة إحداث خرق تصطدم برفض العدو إخلاء كل ما احتلته في السابع من حزيران من عام 1967، وكان الراحل حافظ الأسد يحسم النقاش: نريد أن نضع أقدامنا في بحيرة طبريا، وبعد ذلك يكون لدينا حديث آخر. أما مع الفلسطينيين، فكانت جولة جديدة من العنف الاستثنائي ضد المقاومة الفلسطينية بهدف سحقها وجعل السلطة برئاسة الراحل ياسر عرفات توافق على التسليم بما يراد له أن يتحقق اليوم من ضم لأجزاء كبيرة من الضفة الى حدود الكيان الغاصب. في المقابل، كانت الشوارع العربية تعج بالمتظاهرين الذين يخرجون كل حين للتضامن مع ضحايا جرائم الاحتلال الاسرائيلي في لبنان وفلسطين، بينما كانت قوى المقاومة في الجانبين تنمو وتنمو بأسرع ممّا يتوقعه العدو والصديق.

في ظل هذه المعطيات، شنّ العالم بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أكبر عملية تعبئة دبلوماسية وسياسية واقتصادية وأمنية لأجل محاصرة قوى المقاومة، ودفع العرب نحو الإقرار بمطالب العدو الأمنية. وسط هذا الهيجان، شنّ العدو عدوانه الوحشي على لبنان تحت اسم «عناقيد الغضب». سقط الكثير من الشهداء، ودمرت منازل ومنشآت، وسال الحبر كما الدماء، لكن صوت انفجار صواريخ المقاومة المتساقطة على مستوطنات المنطقة الشمالية من فلسطين، كان آخر ما سمعه الناس، قبل أن يكتشف العالم كله معادلة جديدة، وهي الاولى من نوعها، تَفرض على العدو عدم المساس بالمدنيين اللبنانيين إذا كان يريد تجنيب مدنييه قصف المقاومة.

بعد توقف العدوان، انطلق نقاش كبير في لبنان حول حيثيات وآليات تنفيذ تفاهم نيسان غير الموقع، والذي أسهمت فرنسا في وضعه. وكان هناك، كما اليوم، تيار لا يرى في المقاومة إلا خصماً له ولمشاريعه. وكان هناك تيار صامت أو خائف أو متوار خلف من شكّل لاحقاً فريق 14 آذار. لكن، في المقابل، لم تكن المقاومة وحدها. كان هناك حافظ الأسد الذي لم يكن عليه قمع خصوم المقاومة من اللبنانيين وحسب، بل قمع خصوم المقاومة من بعض المسؤولين السوريين الذين حاولوا الترويج للقراءة الفرنسية (التي قبل بها الراحلان الياس هراوي ورفيق الحريري) والتي تقول بأن على المقاومة التوقف عن القيام بعمليات عسكرية والسماح للجيش اللبناني بالانتشار لأجل ضمان الأمن على الحدود.

وعندما انطلق عمل لجنة مراقبة تنفيذ التفاهم، كانت الاجتماعات تشهد استعراضاً لتفاصيل ما يعتبر خروقات من قبل القوى العسكرية للتفاهم. كان العدو يحضر معه قائمة بما يسميه إطلاق نار من قبل مجموعات حزب الله على أهداف ذات طبع مدني، بينما لم يكن على لبنان بذل الكثير من الجهد لأجل عرض الخروقات الاسرائيلية الدائمة براً وبحراً وجواً… مع مرور الوقت، صار الجميع يتعامل مع هذه الاجتماعات على أنها تمرين للطرفين على فهم كل منهما للآخر.

في العودة الى أوراق تلك المرحلة، تجب ملاحظة الآتي:

أولاً: أن العدو تصرف طوال الوقت على أنه مجبر على المشاركة في هذه اللجنة التي قامت رغماً عنه، وكان يرى فيها إقراراً دولياً بشرعية وحق المقاومة في ممارسة القتال، ليس بقصد التحرير وحسب، بل للدفاع عن المدنيين اللبنانيين أيضاً.

ثانياً: أن العدو تصرف طوال الوقت على أن هذه اللجنة تقفل باب التفاوض السياسي الذي انطلق إثر مؤتمر مدريد للسلام، وأنه لم يكن هناك مجال لبحث سياسي خارج متطلبات عمل لجنة عسكرية – فنية.

ثالثاً: أن العدو لاحظ تطور قدرات الوفد المفاوض اللبناني لناحية حصوله على معلومات ميدانية عمّا يجري داخل الشريط الحدودي المحتل. كما لاحظ أن المفاوض اللبناني صارت لديه معرفة أفضل بالمفاوض الإسرائيلي نفسه. كما أن العدو فشل في الاستفادة من ممثلي القوات الدولية الذين أجبرتهم جملة من المعطيات والظروف على التصرف بدرجة مقبولة من الحيادية.

رابعاً: أن الوفد اللبناني الذي تهيّب اللقاءات الأولى، تصرّف لاحقاً على أساس جديد، أبرز ما فيه، الضعف الفعلي الذي يسود فريق العدو، نتيجة تراجعه الميداني. وفي بعض الاجتماعات كان اللبنانيون يلاحظون الوجوم على وجوه أعضاء الوفد الإسرائيلي من جرّاء ما يحصل في الشريط الحدودي من مواجهات مع المقاومة. وكانوا يلمسون، أكثر فأكثر، صعوبة امتلاك العدو أي عناصر تدين المقاومة بالتعرض للمدنيين.

خامساً: كان الجميع يعرف أن الغاية الفعلية من هذا الإطار هي تنظيم الحرب العسكرية التي أرادتها المقاومة حصراً مع قوات الاحتلال والعملاء، والتي خسر فيها العدو عناصر قوة كثيرة، أبرزها الضغط من خلال تعريض المنشآت المدنية والمدنيين للخطر المباشر.

عملياً، وبمعزل عن كل تقييم سابق أو لاحق، كان عند الفريق اللبناني (السوري) استراتيجية واضحة الأهداف، وهي استراتيجية واكبت التطور اللافت في العلاقة بين المقاومة وقيادة حزب الله مع القيادة السورية في دمشق، ومع مكتب الرئيس حافظ الأسد مباشرة وليس عبر القنوات التي تدير شؤون الملف اللبناني الداخلي حصراً. لكن الأهم في كل ذلك، كان موقف الجيش اللبناني وسلوكه، بقيادة العماد ميل لحود، حيث لم يكن هناك أي هوامش لمراضاة أو محاباة الخارج، وخصوصاً الجانب الأميركي. وهو الموقف الذي تحول طوال الوقت الى ورقة قوة في مصلحة المقاومة حتى حصول التحرير عام 2000. ويومها، جنى لبنان أولى الثمار الدبلوماسية لعمل لجنة تفاهم نيسان، من خلال تجربة ترسيم الخط الأزرق، حيث لم يكن بأيدي الأمم المتحدة والأميركيين، وحتى العدو، أي حيلة تجبر لبنان على التخلي عن حقوقه في أرضه. حتى المناطق التي لم ينسحب منها العدو، ظلت محل تحفظ لبناني الى اليوم، وهي يفترض أن تكون بنداً في برنامج التفاوض المنتظر انطلاقه الأربعاء المقبل.

أي واقع اليوم؟

بعد غد، يذهب وفد لبنان الى جلسات تفاوض غير مباشر مع العدو برعاية أميركية واستضافة دولية وعلى أرض لبنانية. وإذا كان العنوان هو الشروع في جلسات تهدف الى اتفاق على ترسيم الحدود البرية والبحرية الفاصلة بين لبنان وفلسطين المحتلة، إلا أن ظروف هذا التفاوض وعناصره تختلف جذرياً عمّا كانت عليه الأمور في العام 1996.

أولاً: تبدو «إسرائيل» في الشكل قبل المضمون، هي المستفيدة من هذا الإطار. إن حاجة العدو الى إطلاق آلية تفاوض مباشر أو غير مباشر مع بلد مثل لبنان، يمثل انتصاراً للعدو بمعزل عن نتائجه. ويكفي أن يعلم المسؤولون اللبنانيون أن الاستعراض الذي يشكّل سمة حاكمة في سلوك الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، سيستفيد من خبر الاجتماع وحده، فكيف به الحال مع صورة تجمع الوفود، أو تصريحات تلي جلسة التفاوض، أو أخبار وتسريبات قد نسمعها غداً في وسائل إعلام العدو أو وسائل إعلام غربية عن ابتسامات وتبادل أطراف الحديث ونكات وغير ذلك، حتى ولو لم تحصل. وما لم يكن الوفد اللبناني شديد التحفظ، ولم يحمل معه أفلاماً توثق بالصوت والصورة هذه المفاوضات، فسيمنح العدو أوراق قوة كبيرة في معركة خلق «مزاج» لبناني يواكب المزاج المعمول من أجله تحت عنوان التطبيع مع العدو.

ثانياً: يمكن القول، ومن دون قصد الإساءة الى أحد، إن الوفد اللبناني لا يملك أي معطيات خاصة عن الوفد الإسرائيلي قبالته. بل أكثر من ذلك، فإن المعطيات الاستخبارية التي عمل العدو على جمعها عن جميع الأعضاء المرشحين أو الفعليين للوفد اللبناني ليست موجودة ضمن أوراق المفاوض اللبناني. بل حتى إنه – أقله حتى أول من أمس – لم يكن هناك موجز مدقق وموثّق عن خلفيات الموقف الإسرائيلي المفترض جمعها من مصادر دبلوماسية أو إعلامية أو غيرها. كذلك، فإن طبيعة الوفد اللبناني الذي يجري الضغط لأن يكون مختلطاً بين تقنيين وفنيين وعسكريين وإداريين وسياسيين، إنما ينعكس فوضى مخيفة في إدارة فريق التفاوض. وسيكون من الصعب توقع نتائج إيجابية حتى على المستوى المهني.

ثالثاً: إن الوسيط الأميركي ليس سوى عنصر قوة الى جانب وفد العدو. ويمكن الإسرائيليين أن يلتزموا الصمت، أو يلتقطوا الصور للموفد الأميركي وهو يمارس الضغط على اللبنانيين لأجل التنازل عن هذه النقطة أو تلك. وسيكون لبنان قد وضع نفسه في مأزق كبير عندما يقبل أن يكون مسار التفاوض هذا بديلاً من السعي الى العمل المباشر على تحصيل حقوقه في المياه قبل النفط والغاز.

وبحسب المؤشرات المقلقة، فإن عناصر القوة التي كانت تميز الوفد اللبناني في لجنة تفاهم نيسان عام 1996، ليست موجودة الآن بفعل قرار سياسي داخلي، وليس لعدم توفرها. وكل المؤشرات تقود، مع الأسف، الى مخاوف مشروعة من كون الوفد اللبناني سيتصرف بإحراج شديد إزاء استخدام ورقة المقاومة في وجه المفاوض الإسرائيلي أو الوسيط الأميركي. وإن مجرد التفكير من قبل الوفد اللبناني بأنه يمكن أن يضع الجيش وقدراته في مواجهة العدو، سيكون قد خسر كل المعركة لا جولة فقط. وهذه مخاوف مشروعة في ظل التعاون المفرط بين قيادة الجيش الحالية والأميركيين، على أكثر من صعيد.

كل المؤشرات تقود، مع الأسف، الى مخاوف مشروعة من كون الوفد اللبناني سيتصرف بإحراج شديد إزاء استخدام ورقة المقاومة في وجه المفاوض الإسرائيلي أو الوسيط الأميركي

رابعاً: يتصرف الأميركيون والإسرائيليون على أساس أن لبنان مجبر على الجلوس الى طاولة المفاوضات، وأن ما أجبره على قرار القبول بالتفاوض هو مجموعة من الظروف الداخلية والخارجية، وأساسها الوضع المأزوم داخلياً، من الناحيتين السياسية والاقتصادية. وبالتالي، فإن الأميركيين سيمارسون الضغط على لبنان بقصد تقديم تنازلات، قد تبدأ بالفصل بين ترسيم الحدود البحرية عن ترسيم الحدود البرية، ومن ثم الدخول في نقاش عقيم يستمر لعقود – لو أراد العدو – قبل الإقرار بحقوق لبنان. فكيف إذا كان العدو يعتقد بأن المقاومة في لبنان تواجه مأزق الأزمة الاقتصادية والخشية من عزلة داخلية؟

وعليه، أي نتائج؟

يجدر القول صراحة، إن قرار التفاوض غير المباشر مع العدو يمثل لحظة ضعف سياسية لبنانية غير مسبوقة، وإن هذا القرار يعكس في جانبه اللبناني هواجس ومصالح لا يمكن مطابقتها مع المصلحة السيادية المطلقة للبنان. صحيح أن الانقسام السياسي حول تعريف المصلحة السيادية كبير وقائم بمعزل عن هذه اللحظة، لكن لا أحد يمكنه إقناع الناس بجدوى هذه المفاوضات. وإذا كان هناك مَن يعتقد أن الأميركيين يمكن أن يُعفوا لبنان من العقوبات أو يسهّلوا له الحصول على دعم مالي لمجرد أن ذهبنا الى مفاوضات غير مباشرة مع العدو، فهذا واهم وساذج وقليل الدراية بمنظومة المصالح الأميركية والإسرائيلية في لبنان والمنطقة والعالم. أما مَن يعتقد بأن ترسيم الحدود سيتيح للبنان الحصول على فرصة التنقيب المجدي عن النفط، فهو واهم أيضاً، لأن الشروط الأميركية – الأوروبية – الخليجية لتعويم لبنان مالياً، لا تزال هي نفسها ومحصورة في بند واحد: عزل المقاومة سياسياً والتمهيد لتصفيتها عسكرياً. أما الذين يعتقدون أن المفاوضات غير المباشرة مع العدو يمكن أن تفتح الباب أمام مسار تطبيعي، ولو هادئ، مع العدو، فهو مجنون وليس بواهم أيضاً، لأن العدو نفسه لا يسمح لنفسه بأن يحلم لحظة واحدة بأن هذا المسار يمكن أن يحدّ لحظة واحدة من جهود المقاومة لتعزيز قدراتها في مواجهته.

إنها مفاوضات اللاجدوى واللامعنى، والخطأ الكبير الذي كان ولا يزال على الجميع مواجهته وتجنّبه. ولأن الموقف سلاح، يجب القول صراحة، وبمعزل عن أي حسابات أو مجاملات: لا لأي شكل من أشكال التفاوض مع العدو!

الجمهورية

الجمهوريةأسبوع الترسيم الحدودي والحكومي..

الثنائي يتمسّك بالمبادرة الفرنسية الأصلية

حدثان سيتصدران المشهد السياسي هذا الأسبوع: المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل التي تبدأ الأربعاء في جولتها الأولى وتستقطب اهتماماً ديبلوماسياً غربياً ومتابعة إعلامية محلية ودولية، والاستشارات النيابية الملزمة للتكليف الحكومي التي حُدّد الخميس المقبل موعدها من دون ان يعرف مصيرها بعد، قبل ان يستكشف الرئيس سعد الحريري مواقف الكتل النيابية من تكليفه.

ومن خلال هذين الحدثين تستعيد الحياة السياسية زخمها وحيويتها، لكنّ الفارق بينهما انّ مفاوضات الترسيم تنطلق الأربعاء في جولات تمتد لفترة طويلة، فيما التكليف قد يتم الخميس ويفتح الباب أمام التأليف، وقد لا يتم، لأنّ الأمر يتوقف على الاتصالات التي سيجريها الحريري، ويبدأها رسميّاً من بعبدا اليوم بلقاء مع الرئيس ميشال عون، ثم من عين التينة بلقاء مع رئيس مجس النواب نبيه بري.

تَتبّعت مختلف الاوساط السياسية داخلياً أمس التحضيرا ت الجارية لاستشارات التكليف الملزمة التي سيجريها عون الخميس المقبل لاختيار من سيكلّف تأليف الحكومة الجديدة، في وقت لم يظهر بعد وجود أي مرشّح منافس للحريري الذي اعلن نفسه «مرشحاً طبيعياً» للموقع الثالث في هرم السلطة.

وبَدا من المشاورات التي بدأها الحريري منذ اعلان ترشيحه الخميس الماضي، والتي كان منها اللقاء الذي جمعه مساء امس مع رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، انّ التركيز هو البحث في التأليف وإنجازه بعناوينه الاساسية قبل انجاز التكليف، لينصرف بعده الرئيس المكلف الى انجاز التأليف بسهولة ويُسر. وتحدث البعض عن احتمال تأجيل الاستشارات اياماً في حال لم تنجز التوافقات التي يعمل عليها لتأمين ولادة حكومية سريعة.

 مشاورات الحريري

وقالت مصادر قريبة من الحريري لـ«الجمهورية» انه يجري مشاورات ذات شقين: داخلي، ويشمل رؤساء الحكومات السابقين وكتلة «المستقبل» النيابية وقيادة تيار المستقبل. وخارجي، سيبدأ اليوم باللقاءين اللذين سيعقدهما مع رئيسي الجمهورية الحادية عشرة قبل الظهر في قصر بعبدا ومع رئيس مجلس النواب في السادسة مساء في عين التينة، وستشمل الكتل النيابية.

وفي معلومات «الجمهورية» انّ اتصال الحريري بعون كان لدقائق، وطلب منه موعداً للقائه اليوم، مُبلغاً ايّاه انّ «لديه مبادرة محددة ينوي استطلاع رأيه فيها من اجل تحريك ملف تشكيل الحكومة التي تحتاجها البلاد اليوم قبل الغد». فحدّد له رئيس الجمهورية على الفور موعداً عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم.

وأوضحت هذه المصادر انّ الحريري يريد من خلال هذه المشاورات ان يتأكد ما اذا كان الذين يستشيرهم ما زالوا ملتزمين المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليتم وضعها على طاولة البحث والتنفيذ وفق آليّتها السياسية لجهة تأليف حكومة اختصاصيين، وآلّيتها الاصلاحية المتعلقة بالاصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار المالي والاقتصادي.

ورأت المصادر انه لم يعد امام لبنان فرصة للخروج من أزمته إلا هذه المبادرة، وقالت انّ لقاء الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين مساء امس يندرج في اطار مشاوراته الداخلية، مشيرة الى انّ نادي رؤساء الحكومة السابقين سحبَ من التداول اقتراح الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة تكنو ـ سياسية من 20 وزيراً، منهم وزراء دولة سياسيين والبقية وزراء ذوي اختصاص، وانّ البحث سيتركز على تأليف حكومة وفق ما تقتضي به المبادرة الفرنسية.

وعُلم انّ «الثنائي الشيعي» سيسمّي الحريري، وانّ «التيار الوطني الحر» ليس بعيداً عن هذا الترشيح خلافاً لِما يُشاع من انه يعارضه، لكنّ التيار يناقش ويهمّه البرنامج الاصلاحي وان يحصل الاتفاق على مجمل المسائل، حتى ولو اضطرّ الامر الى تأجيل الاستشارات بضعة ايام حتى إنجاز تفاهم يقضي الى تسهيل انجاز الاستحقاق الحكومي برمّته.

النسخة الاصلية

وعشيّة زيارة الحريري لبري اليوم لتسويق ترشيحه لرئاسة الحكومة، أكدت مصادر الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية» التمسّك بالنسخة الأصلية والوحيدة للمبادرة الفرنسية، من دون أي إضافات او اجتهادات تُبَدّل جوهرها، مشيرة الى ضرورة تنفيذ الإصلاحات المتوافَق عليها ضمن تلك المبادرة. ومن المتوقع ان يكون اللقاء بين بري والحريري، بعد انقطاع، فرصة لمصارحة سياسية متبادلة في شأن الشروط المطلوب توافرها لتكليف الحريري، وقواعد تشكيل الحكومة المقبلة.

وبينما توجد تباينات واضحة في مقاربة هذا الملف بين رئيس تيار «المستقبل» من جهة والثنائي و«التيار الوطني الحر» من جهة أخرى، لفتت اوساط مواكبة الى انّ القوى السياسية قد تكون مضطرة في نهاية المطاف إلى خفض سقوفها بعض الشيء، لأنها تعرف جيداً ان الوضع الداخلي، على كل المستويات، لم يعد يتحمّل التفريط بمزيد من الفرص.

“القوات”

الى ذلك، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ تكتل «الجمهورية القوية» سيلتئِم ظهر الأربعاء لتحديد الموقف من استشارات يوم الخميس، وفي الأثناء يرصد التكتل مواقف الكتل من هذا الاستحقاق ويُجري رئيسه الدكتور سمير جعجع التشاور اللازم، وسيضع التكتل في الصورة السياسية الكاملة لاتصالاته تمهيداً لاتخاذ الموقف المناسب.

وأكدت المصادر تمسّك «القوات» بتأليف حكومة من الاختصاصيين المستقلين تماماً عن كل القوى السياسية، وهذا الموقف أبلغَه جعجع للرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك انطلاقاً من اقتناع «القوات» الراسخ باستحالة الخروج من الأزمة المالية سوى من خلال حكومة استثنائية ومستقلة تماماً، وخلاف ذلك يعني انّ مصير اي حكومة سيكون الفشل، على غرار الحكومة المستقيلة. وأعادت المصادر التأكيد انّ القرار النهائي من هذا الاستحقاق يصدر الأربعاء.

 مفاوضات الترسيم

على صعيد المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل، توقعت مراجع تواكِب التحضيرات الجارية للجلسة الاولى من هذه المفاوضات المقررة بعد غد الاربعاء أن يعلن رسمياً اليوم عن تشكيل الوفد الرسمي اللبناني الى هذه المفاوضات بصيغة لم تتّضِح بعد، في انتظار انتهاء المشاورات الجارية للبَت بالإجراءات الواجب اتخاذها.

وفي المعلومات المتبادلة في الأروقة الرسمية انّ بيان مديرية التوجيه في قيادة الجيش، الذي صدر السبت الماضي، قد يكون كافياً للاعلان عن الوفد لمجرّد الكشف عن الإجتماع الأول الذي عقدته اللجنة العسكرية ـ التقنية الثلاثية برئاسة قائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه في اليرزة «إنفاذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون». ولكن البيان لم يُشر الى اسماء الوفد، واكتفى بالإشارة الى مهمته فوصَفهَا بـ«المكلف ملف التفاوض لترسيم الحدود». وحدّد البيان الخطوط العريضة للمهمة بما قاله حرفيّاً: «أعطى قائد الجيش التوجيهات الاساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برّاً، والممتد بحراً تِبعاً لتقنية خط الوسط، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة. استناداً الى دراسة أعدتها قيادة الجيش وفقاً للقوانين الدولية».

 آلية تشكيل الوفد

الى هذه المعطيات، هناك من يقول انه من الضروري ان يُصار الى الإعلان رسمياً عن الوفد بـ«مذكرة خدمة» يصدرها قائد الجيش اليوم، يعلن فيها الأسماء الثلاثة العميد الطيّار بسام ياسين رئيساً، والعقيد البحري مازن بصبوص عضواً، بالإضافة الى الخبير في القانون الدولي نجيب مسيحي الذي يعمل مع المديرية العامة للشؤون الجغرافية في قيادة الجيش في كلّ ما يتعلق بالخرائط الخاصة التي حدّدت موقف لبنان وتحديده للخط الفاصل بين المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية والإسرائيلية.

وعن مصير الأعضاء المُتبقّين المقرر ضَمّهم الى الوفد، يمكن ان تقول مذكرة قائد الجيش «تستعين اللجنة بمَن تراه مناسباً»، فينضَمّ اليهم عضو هيئة قطاع النفط المهندس وسام شباط، من دون الجزم من الآن بإمكان ان ينضم اليهم السفير هادي الهاشم من وزارة الخارجية الذي بقي حتى ليل امس مَدار بحث ونقاش من دون قرار نهائي. على ان يكون الباب مفتوحاً في المستقبل لِيضمّ الى الوفد اي خبير او اي مسؤول تستدعي المفاوضات حضوره فيها.

 شينكر في بيروت

وقبل 72 ساعة على موعد انعقاد الجلسة الأولى لمفاوضات الترسيم بين لبنان واسرائيل في الناقورة، قالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ راعي اللقاء، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى دايفيد شينكر، سيصل الى بيروت في الساعات المقبلة ومعه فريق عمله استعداداً للمشاركة في لقاء الناقورة.

ولم تشأ المصادر الإشارة الى برنامج زيارة إذا وصَلَ شينكر قبل 48 ساعة على موعد الجلسة الأولى، وعما إذا كان سيلتقي أياً من المسؤولين اللبنانيين قبل اللقاء. ولفتت الى انّ السفارة الأميركية في بيروت لم تطلب بعد، وحتى ساعة متأخرة من ليل امس، اي موعد لشينكر مع اي مسؤول رسمي وعلى اي مستوى.

 الراعي

وفي المواقف، نَبّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد الى انّ «قلقنا يتعاظَم إذا تَعثّر تكليف شخصية لرئاسة الحكومة الجديدة، وخصوصاً إذا تعثّر تأليف حكومة إنقاذية، غير سياسية، وتكنوقراطية، تتمكن من المباشرة بالإصلاحات في البنى والقطاعات، وفقاً لتوصيات مؤتمر CEDRE (نيسان 2018)» وقال: «إنّ ضمان نجاح التأليف هو عَزم الجميع على تَجنّب التسويف، ووضع الشروط، وافتعال العقد غير الدستورية وغير الميثاقية، من أجل قضم الدولة وإبقاء مصير لبنان مرهوناً بنزاعات المنطقة واستحقاقاتها التي لا تنتهي. وهذه مشكلة وطنية خطيرة عندنا، لا حد لها إلا باعتماد نظام الحياد الناشط الذي يعيد للبنان هويته، ومكانته، ودوره الحضاري في سبيل السلام والإستقرار في الداخل وفي المنطقة». وقال: «لن تكون عندنا حكومة يثق بها الشعب والأسرة الدولية، إذا لم يَتعالَ الجميع عن كل ما هو مكاسب ظرفية، سياسية كانت أم مادية، وعن المحاصصة».

ورأى «اننا نحتاج إلى دولة قوية وحكومة قادرة على إجراء مفاوضات ترسيم الحدود بين دولتي لبنان وإسرائيل. أهمية هذه المفاوضات في أن تؤدي إلى اتفاق يعزّز سلطة الدولة اللبنانية المركزية، التي من شأنها أن تسيطر على حدودها الدولية المثبتة في خط هدنة سنة 1949 أساساً، وعلى ثروات النفط والغاز، وتسهر على عدم محاصصتها وتوزيعها وتبديدها. بل تكون في عهدة الدولة لِتفي ديونها، وتطلق عجلة النهوض الإقتصادي والمالي والمعيشي».

 عودة

بدوره، قال ميتروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة: «في بلدنا لدينا خبراء في تطويع النواميس، أي القوانين، كل بحسب رغبته ومصلحته ومنفعة جيبه وحزبه وتياره، متجاهلاً دماء الشهداء وصراخ أهل هذا البلد الحبيب القابع تحت الركام والفقر واليأس». وقال: «حتى متى تُستباح النواميس وتنقض؟ وتقدم المصلحة الشخصية حتى لو أدى ذلك إلى موت الأخ». واضاف: «نحن في حاجة إلى مسؤولين ذوي ضمير حي، لا يرتاحون، طالما هناك مواطن واحد يئن، كما عليهم أن يكونوا القدوة في احترام الدستور والقوانين».

 كورونا

وعلى صعيد وباء كورونا، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا أمس «تسجيل 1010 إصابات جديدة (1010 محلية ولا حالات وافدة)، ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات الى 53568». كما أشارت الى تسجيل 4 وفيات جديدة.

وأعلنت وزارة الداخلية اللبنانية فرض تدابير عزل على 169 قرية وبلدة، بينها العشرات التي كانت قد أقفلت تماماً لـ8 أيام، لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد مع تسجيل معدلات قياسية خلال الأسابيع الماضية.

وقررت الوزارة أيضاً إقفال الحانات والملاهي والمراقص الليلية في كل انحاء البلاد «حتى إشعار آخر»، مع تعذّر فرض اغلاق عام شامل في ضوء الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعيشها لبنان.

وكانت الوزارة قد فرضت في الرابع من الشهر الحالي الإغلاق الكامل لمدة 8 أيام على 111 قرية وبلدة.

ومع ارتفاع عدد الإصابات، أعلنت وزارة الداخلية الأحد الإقفال الكامل على 169 قرية وبلدة، بينها نحو 80 منطقة مُدِّد فيها الإغلاق.

وستُقفل هذه المناطق كلياً اعتباراً من اليوم ولمدة أسبوع. ويتعيّن على سكان البلدات والقرى المشمولة بالقرار «التزام منازلهم»، مع توقف العمل في المؤسسات العامة والخاصة وإلغاء المناسبات الاجتماعية والدينية، باستثناء المؤسسات الصحية والصيدليات والأفران ومحلات بيع المواد الغذائية.

وحذّر وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن من اقتراب لبنان من السيناريو الأوروبي، معتبراً أنّ «النجاح في القرار الجريء في إقفال عدد من البلدات هو الفرصة الأخيرة».

 ذكرى الشهداء

من جهة ثانية أقيم في باريس أمس احتفال إحياء لذكرى شهداء انفجار مرفأ بيروت، وذلك بدعوة من جمعية الدعم الوطني والدولي للمنقذين SENIS، حيث وضع سفير لبنان لدى فرنسا رامي عدوان الورود على ضريح الجندي المجهول تحت قوس النصر، تكريماً «لذكرى الشهداء اللبنانيين وشجاعة من يضحّون بأنفسهم لمساعدة الآخرين وإنقاذهم».

ودَوّن عدوان على الضريح الآتي: «تخليداً لذكرى جميع الشهداء وتحية لجهود المسعفين، إلى من يبذل نفسه في خدمة أخيه الإنسان».

اللواء

جريدة اللواءفرص تكليف الحريري ترتفع.. و22 نائباً مسيحياً لـ«غطاء الميثاقية»

جلسة التفاوض الأولى بعد غدٍ تحدّد المسار..

إرباك صحي وتربوي يرافق العودة إلى المدارس اليوم

تنظر الأوساط السياسية باهتمام الى المقاربة الجديدة للرئيس سعد الحريري، في ما خصّ المشاورات السياسية، قبل مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة، والتي تنطلق وتنتهي الخميس المقبل، لتسمية شخصية تؤلف الحكومة، انقاذاً للمبادرة الفرنسية، بعد اعتذار السفير مصطفى اديب عن التأليف، للاسباب المعروفة، والتي، وإن تبدلت بعض الاوجه فيها، الا انها حافظت على منسوب، لا بأس به، من وضع العصي في الدواليب.

فبعد اجتماع، تنسيقي ودوري، مع رؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، عقد مساء امس في بيت الوسط، يلتقي الرئيس الحريري، كلا من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، بعد اتصالين منفردين، اجراهما بكل منهما، واتفق على ان يقوم بزيارة كل منهما، الاول في بعبدا، قبل ظهر اليوم، والثاني في عين التينة، والموضوع واحد، كيفية مقاربة تأليف الحكومة، اذا سمته الكتل لمهمة التأليف..

وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان اللقاء المرتقب اليوم بين الرئيس عون والرئيس الحريري يمكن ادراجه في إطار مشاورات الحريري في شأن مبادرة ترشحه لرئاسة الحكومة وفق ما اعلن في مقابلته التلفزيونية الأخيرة من سقف المبادرة الفرنسية.

واشارت المصادر الى ان الاجتماع مع رئيس الجمهورية سيكون بمثابة لقاء تبريد للأجواء السابقة التي سادت، مؤكدة ان عون سيستمع الى ما يقوله الحريري الذي كان واضحا في مطالبه وحتى في تأكيد انه ات للإنقاذ.

واكدت المصادر ان الكل يستعجل التأليف، ولكن التخوف قائم من عوائق وعراقيل وشروط محددة.

ورأت مصادر سياسية انه من المبكر استقراء نتائج المبادرة التي اعلنها الرئيس سعد الحريري  لكسر الجمود السياسي والمباشرة بخطوات سريعة لتشكيل حكومة انقاذ لبنان على اساس التزام كل الاطراف المسبق بأن تكون المبادرة الفرنسية هي الأساس، مادام الجميع ما يزال يدعي تأييدها وتمسكه بها،لانها تضمن الحلول المطلوبة اللازمة للمشكلة التي يواجهها لبنان.

وقالت ان ما وعد به الرئيس الحريري ببدء الاتصالات والمشاورات مع المعنيين بعد٧٢ ساعة من كلامه،حتى باشر بالاتصال برئيسي الجمهورية والمجلس النيابي للقائهما اليوم،  فيما التقى مطولا لهذه الغاية اولاً مع رؤساءالحكومات السابقين وناقش معهم مفصلا ما طرحه والخطوات اللاحقة، على ان يلتقي اليوم كتلة «المستقبل» للغاية نفسها.

وينتظر ان يستكمل الحريري بعد ظهر اليوم وطوال الساعات المقبلة اللقاءات والمشاورات مع رؤساء وممثلي الاطراف السياسيين على اختلافهم استباقا لموعد اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة.

وتوقعت المصادر ان تكون المبادرة الفرنسية هي الأساس في تحركه واستعداده لتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة الجديدة في هذا الظرف الصعب، فيما ينتظر ما سيسمعه من المعنيين بهذا الخصوص وامكانية استعدادهم للتجاوب معه في سبيل إنقاذ البلد.

ومع ان المصادر المذكورة لم تؤكد استناد الحريري الى مواقف فرنسية واميركية داعمة لتحركه، اعتبرت أن  ما ذكره عن تبدلات سريعة ساعدت على تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام خلال السنوات الماضية مؤشرا لافتا على ان تبدلات شبيهة حصلت بعد إعتذار مصطفى اديب عن تشكيل الحكومة، وقد تكون من ظواهرها ازالة الصعوبات وتحديد موعد عقد اجتماع إطار رسم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بعد غد، لانه بدون التفاهم بين الاميركيين والفرنسيين مع إسرائيل والجانب الايراني بشكل غير معلن لا يمكن لهذا الاجتماع على المستوى الإقليمي والدولي ان يحصل.

وعشية اللقاء، سارع مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية الى اصدار بيان نفى فيه ما ورد في بعض المحطات التلفزيونية وجاء فيه: بثت محطة «ام.تي.في» ومحطة «الجديد» مساء اليوم (امس) معلومات ادعت انها مواقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون او لاوساطه عن موضوعي تشكيل الحكومة الجديدة والمفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبرية الجنوبية.

يؤكد مكتب الاعلام ان هذه المعلومات كاذبة ولا تمت الى الحقيقة بصلة، لان الرئيس عون لم يدل بأي موقف او تصريح حول موضوعي الحكومة ومفاوضات الترسيم، وهو لم ولن يتصرف يوما من منطلق طائفي او مذهبي في اي من المواضيع المطروحة، بل ان مواقفه تفرضها دائما المصلحة الوطنية العليا.

اما التيار الوطني الحر، فسيعلن موقفا واضحا عند الساعة السادسة من مساء غد، سواء التقى الرئيس الحريري كرئيس لكتلة نيابية كبيرة، ام لا، ويضمنها موقف تياره من اعادة تكليف الحريري تأليف حكومة مهمة، تحاكي المبادرة الفرنسية.

وكان قيادي في التيار الوطني الحر، كرر امس ان تياره لن يؤيد ان يشكل الرئيس الحريري حكومة اخصائيين.

يشار الى ان نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي قال امس ان « هناك ٢٢ نائباً مسيحيّاً خارج الأحزاب ومعيار الميثاقيّة في تسمية رئيس الحكومة غير محصور بالأحزاب».

ونقل عنه قوله: «لا أنصح رئيس الجمهورية العماد ميشال  عون،  بل هو في موقع الناصح للجميع وأدرك أنّه حريص على أن تكون كل طائفة ممثّلة في الحكم كما يجب».

وكشف الفرزلي «نصحت النائب باسيل منذ سنة بتأييد الرئيس سعد الحريري،  فالربط مع المكوّن السنّي أساسي.

وختم الفرزلي متوقعا «تكليف الحريري الخميس المقبل، خلال الإستشارات النيابية في بعبدا».

ولا توحي مواقف «الثنائي الشيعي» وفقا للائحة المطالب التي نشرتها «اللواء» السبت الماضي بأن مهمة الرجل سالكة وآمنة.. فالحزب مُصر علي وزارة المال، وتسمية الوزراء الشيعة، على غرار ما حصل في حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة.

لكن مصادر الثنائي، قالت لـ«اللواء» ان الموقف الأخير، يتعلق بما سيسمعه الرئيس بري من الرئيس الحريري اليوم.

اما الحسابات الدقيقة فستكون لكتلة حزب الله، التي قالت مصادرها لـ «اللواء» انه تنتظر المشاورات التي وعد الحريري بإجرائها مع القوى السياسية اعتبارا من اليوم الاثنين، والتي يُبنى على اساس نتائجها الموقف من تسميته او لا، والموقف من شكل الحكومة وعدد وزرائها وتوزيع الحقائب فيها. وهو امر تحسب له ايضا باقي الكتل حسابا لجهة الاصرار على التمثيل واختيار الوزراء، وبهذا المعنى تكون الكتل الكبرى قد حددت شرطا مسبقا لتشكيل الحكومة، ويبقى كيف سيتعامل الحريري مع هذا الشرط وسواء لاحقا في حال تكليف.

وفي السياق اذا كانت كتلة «القوات اللبنانية»، تتجه الى عدم تسمية الرئيس الحريري، فإن التوجه لدى النائب السابق وليد جنبلاط قد الى تسميته، بعد التشاور والاتفاق مع الرئيس بري.

ترسيم الحدود

وعلى جبهة التفاوض يُنتظر ان يتم اليوم حسم اسماء الوفد المفاوض حول تحديد الحدود البحرية والبرية بين لبنان وفلسطين المحتلة ويتم الاعلان عنه رسمياً، حيث بقي اسم واحد قيد البحث هو مدير مكتب وزير الخارجية السفير هادي الهاشم، اما تركيبة باقي الوفد باتت محسومة، ويضم: نائب رئيس الأركان للعمليات في الجيش العميد الطيار بسام ياسين رئيساً، والاعضاء العقيد البحري مازن بصبوص، الخبير الدكتور نجيب مسيحي.

وذكرت بعض المعلومات ان مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور  أنطوان شقير قد يحضر الاجتماع الأول للمفاوضات، لكن هذا الأمر لا زال قيد الدرس وسيتم البت به الاثنين مع بت اسم السفير الهاشم. ويبدو ان الامر مرتبط بتركيبة الوفد الاسرائيلي الذي سيضم مستشار وزير الطاقة وربما اخرين من طبيعة سياسية اكثر مما هي تقنية، وهو ما يرفضه لبنان ويحصر الموضوع بالشق التقني.

وفي هذا السياق، استبق قائد الجيش العماد جوزاف عون الاعلان الرسمي عن تشكيل الوفد وعقد اجتماعاً مع اعضائه، وصدر عن قيادة الجيش مديرية التوجيه بيان جاء فيه: إنفاذا لتوجيهات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اجتمع قائدالجيش في مكتبه في اليرزة مع الوفد المكلف ملف التفاوض لترسيم الحدود. وخلال الاجتماع اعطى قائد الجيش التوجيهات الاساسية لانطلاق عملية التفاوض، بهدف ترسيم الحدود البحرية على اساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً والممتد بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط، من دون احتساب اي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة. وذلك استنادا الى دراسة اعدتها قيادة الجيش وفقا للقوانين الدولية».

والمهم في موقف قائد الجيش انه يخالف التحديد الاسرائيلي للخط البحري الذي ينطلق في البر من النقطة بـ2  عند رأس الناقورة اي بقضم 15 مترا من الارض والتي يصبح امتدادها البحري عشرات الكيلومترات بعد الانحراف الذي يحصل عن جزيرة او صخرة تيخيليت ما يعني خسارة لبنان مساحة 850 كلم بحري، بينما لبنان حدد نقطة انطلاق الترسيم البحري من النقطة ب 1 عند رأس الناقورة وينحرف نحو الجنوب لحفظ حقه في المنطقة التي تحايلت عليها اسرائيل.

169 بلدة وإرباك تربوي

صحياً، ارتفع عدد البلدات التي ستقفل ابتداءً من اليوم، ولمدة اسبوع، 169 بلدة، بالتزامن مع تزايد عدد الاصابات بالكورونا، وسط بلبلة غير مسبوقة، في ما خص الاقفال وتأثيراته على الاقتصاد، واعادة فتح المدارس بدءاً من اليوم، وفقا لقرار وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الاعمال طارق المجذوب.

وتضمن قرار وزير الداخلية الجديد اقفال 169 بلدة وقرية بسبب انتشار فيروس «كورونا» وتسجيل عدد من الإصابات فيها، بينها بعض القرى والبلدات التي كانت مقفلة أصلاً.

وأوضحت الوزارة أن العمل بتوقيت منع الخروج والولوج إلى الشوارع والطرقات يبقى ما بين الساعة الأولى من بعد منتصف الليل ولغاية السادسة صباحاً من كل يوم في المناطق المشمولة وغير المشمولة بقرار الإقفال.

وتضمن قرار وزير الداخلية، تحديد أعداد المنتقلين بوسائل النقل بحيث لا يتعدى 3 أشخاص في السيارات العمومية، ويقتصر على 4 في السيارات الخصوصية.

وأعلنت وزارة الداخلية في المادة الثالثة من قرارها الجديد إقفال الحانات والملاهي والمراقص الليلية على الأراضي اللبنانية كافة بشكل كامل وحتى إشعار آخر ومن دون أي استثناءات تحت طائلة إحالة المخالفين إلى القضاء المختص.

وعلي وقع هذا القرار ينطلق العام الدراسي «الاستثنائي» اليوم على مستوى الشهادات الرسمية وفق آلية الدمج بين الحضوري واون لاين، وسط اعتراضات سياسية ترفض هذه العودة مع ارتفاع عدد كورونا واقفال المناطق والبلدات، مما ينذر بانطلاقة متعثرة اقله على المستوى الحضوري للطلاب، اضافة الى افتقاد العديد من المدارس والثانويات لمستلزمات الحماية الصحية، ورغم وعود وزارة الصحة بمواكبة هذه الانطلاقة.

وفي اطار صحي متصل، من شأن ازمة الدواء، واستفحالها في الصيدلات، ان تؤدي الى اقفال عدد من الصيدليات، بدءا من يوم غد الثلاثاء، بعد الاضراب التحذيري الذي دعا اليه اصحاب الصيدليات، تحذيراً للوكلاء الذين يسلمون الادوية للصيدليات غير المرخصة.

واعترف وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن ان لبنان في المرتبة الثانية في العالم بنسبة للاصابات بالكورونا، وهو يقترب من النموذج الاسباني.

53568

واعلنت امس وزارة الصحة العامة عن تسجيل 1010 اصابات جديدة بفايروس كورونا في لبنان ليرتفع العدد التراكمي للحالات المثبتة بين مقيمين ووافدين 53568 حالة، وتم تسجيل 4 حالات وفاة، في حين أن العدد التراكمي للوفيات هو 459 وفاة.

البناء

البناءاحترام توازن الرئاسات وحكومة يسمّيها رئيسها يُسقط الطائف وسلطة مجلس الوزراء

هل قرأ الحريري خطأً انطلاق التفاوض أم انتبه لسقوط «لا تفاوض في ظل السلاح»؟

الحريري يلتقي عون وبرّي اليوم… وشينكر يبدأ التحضير لإطلاق مفاوضات الترسيم

 كتب المحرّر السياسيّ

يبدأ الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري جولة المشاورات التمهيدية لتسميته رئيساً مكلفاً بتشكيل الحكومة الجديدة اليوم، بالتزامن مع وصول معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر إلى بيروت تحضيراً لافتتاح التفاوض غير المباشر على ترسيم الحدود يوم الأربعاء. وفيما يبدأ الحريري، كما توقعت البناء من لقاء الاثنين في بعبدا، تقول مصادر على صلة بالملف الحكومي أن الحريري سيسمع من رئيس الجمهورية تذكيراً بحصيلة المشاورات التي أجراها الرئيس عون مع الكتل النيابية خلال فترة تعثر تأليف الرئيس المكلف مصطفى أديب لحكومته قبل اعتذاره بأيام، والتي انتهت إلى أن الكتل النيابية ترفض أن يقوم أحد بالنيابة عنها بتسمية مَن يمثلها في الحكومة، وأن الأرجحية لحكومة حجمها يتراوح بين 18 و20 وزيراً، وأن الكتل مجمعة على دعم المبادرة الفرنسية، وأن رئيس الجمهورية سينتظر نتائج الاستشارات النيابية لمعرفة مدى نجاح الرئيس الحريري في مشاوراته مع الكتل النيابية. أما في عين التينة فسيسمع الرئيس الحريري، وفقا للمصادر ذاتها، سؤالاً من نوع آخر حول سبب كلامه المؤذي والمهين عن تراجع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن موقفه في التفاوض حول الترسيم تحت تأثير العقوبات، مطالباً الحريري بالجواب عما إذا كان هناك فارق بين ما سبق وأطلعه بري عليه من حصيلة للتفاوض مع الأميركي، وفقاً للبيان النهائي في شهر تموز الماضي قبل العقوبات، وبين النص الذي أعلن، والذي ربطه الحريري بالعقوبات، فجاء كلام الحريري مصدر ربح مجاني للمفاوض الإسرائيلي بداعي الكيد السياسي الداخلي، بينما كان كلام الحريري كطرف في خلاف سياسي داخلي أن يدعم المفاوض اللبناني بأن يشهد للرئيس بري صلابته وثباته وفوزه بإطار تفاوضي يحمي المصلحة اللبنانية، وأن يسجل معنى القبول الأميركي والإسرائيلي بالتفاوض في ظل السلاح، والتسليم باستحالة الانتظار الاقتصادي حتى إنهاء أمر السلاح، بعدما فشلت محاولات تطويقه، ومحاصرته داخلياً وخارجياً، بحيث شكل هذا التسليم الأميركي مدخلاً للفرصة التي يريد الحريري الاستثمار عليها لتشكيل الحكومة.

الحصيلة التي ستنتهي إليها مشاورات الحريري لا تزال غامضة، وفقاً للحدود التي سيبلغها في التراجع عن إمكانية الجمع بين طلب تحقيق التوازن بين الرئاسات، وهو ما قاله الحريري عن وضع رئيس الحكومة بالتوازي مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، وهذا صحيح، وبين حكومة يسمّي وزراءها رئيسها، تحت شعار مستقلين واختصاصيين، لأن هذا يعني تحويل مجلس الوزراء إلى مجلس مدراء عامين وليس إلى سلطة سياسية عليا، تدير البلاد وفقاً لما جاء به اتفاق الطائف، وإسقاط مجلس الوزراء كسلطة هو إسقاط للطائف، ومثل التوازن بين الرئاسات الذي أقامه الطائف، هناك توازن بين رئيسي الجمهورية والحكومة من جهة والوزراء من جهة موازية، هو أهم إنجازات الطائف، وإطاحة هذا التوازن ستعني عملياً استعادة نظام الترويكا، حيث يتولّى الرؤساء الثلاثة رسم سياسة الدولة، بالتشاور والتوافق، من خارج الدستور وخلافاً لنصوصه، ويتحوّل مجلس الوزراء إلى مجلس مدراء تنفيذي للقرارات، إلا إذا كان الحريري يسعى لفرض عُرف جديد يقوم على إحياء صيغة الـ43 مع استبدال نقل صلاحيّات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء بنقلها الى رئيس الحكومة، وهذا تغيير جوهري في النظام وتوازنات الطائف.

التساؤل الذي يواجه الحريري هو من الذي يستثمر في معاناة الناس وفرص الإنقاذ والمبادرة الفرنسية لتحقيق مكاسب سياسية، من يدعو لشراكة تضمن تحقيق أوسع تغطية للقرارات الإصلاحية، أم مَن يحاول إلغاء الشراكة لتحقيق الاستفراد بقوة التهويل بالانهيار؟

الحريري يبدأ جولة مشاورات جديدة

بقيت مبادرة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري محور الحركة السياسيّة وسط جولة اتصالات يقودها الحريري مع القوى السياسية يواكبها بسلسة زيارات الى بعبدا وعين التينة لوضع مبادرته قيد التشاور مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري قبيل أيام قليلة على موعد الاستشارات النيابية الملزمة.

ويزور الحريري رئيس الجمهورية قبل ظهر اليوم بعدما اتصل به امس الاول، ثم يلتقي عصراً رئيس مجلس النواب وفق ما اتفقا خلال اتصاله بينهما.

واستبق الحريري الزيارتين بلقاء  رؤساء الحكومات السابقين مساء أمس، في بيت الوسط بعيداً عن الاعلام لاطلاعهم على اتصالاته المرتقبة ابتداء من اليوم.

بيت الوسط

وبحسب مصادر بيت الوسط لـ«البناء» فإن توجهات الحريري متصلة تجاه العمل على إنقاذ الوضع الراهن والذي يمكن وصفه بالكارثي وبالتالي فهو سيوسّع مروحة اتصالاته ولقاءاته التي لن تقتصر على عون وبري ليُبنى على الشيء مقتضاه، خاصة أن مبادرته تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المبادرة الفرنسيّة والشروع نحو الإصلاحات مع تشديد المصادر على أن الحريري سوف يحدّد طرحه القديم الجديد بتأليف حكومة تكنوقراط، علماً أن الأجواء الفرنسية تشير في هذا السياق وفق المصادر إلى أن السفيرة الفرنسيّة الجديدة ستبلغ الأسبوع المقبل المسؤولين اللبنانيّين بتفاصيل النسخة الجديدة من المبادرة الفرنسيّة.

عين التينة

في المقابل يُصرّ ثنائي أمل وحزب الله على تأليف حكومة تكنوسياسية لمواجهة التحديات القائمة اقتصادياً واجتماعياً والمستجدة على صعيد ملف ترسيم الحدود. كما علمت «البناء» أن الرئيس برّي متمسك بطلبه السابق بأن تبقى وزارة المال بيد الطائفة الشيعيّة وأن يسمّيه أيضاً. وهذا الأمر لا علاقة له بشخصيّة رئيس الحكومة بل أمر مبدئي. وأشارت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» الى ان الاتصالات مستمرة بين القوى السياسية لتحديد موقفها من مبادرة الحريري والرئيس بري مستعدّ للتعاون مع الحريري لتسهيل الاتفاق على الحكومة تكليفاً وتأليفاً لكن المشاورات لا زالت في بداياتها ولم تُحسَم رغم المناخ الإيجابي الذي ظهر خلال الأيام القليلة الماضية، لكن المصادر تلفت الى أننا لن نقبل أن نوقع شيكاً على بياض، ولذلك الأمور متوقفة على المفاوضات مع الحريري ورؤيته لشكل الحكومة وبرنامج عملها ليبنى على الشيء مقتضاه.

التيار الوطني الحر

أما مصادر التيار الوطني الحر فرأت أن طرح الحريري لحكومة اختصاصيين غير ذي جدوى وهذا سوف يعني تمديداً للأزمة مع إشارة المصادر لـ«البناء» إلى أن الأجواء حتى الساعة داخل التيار تقول إن طرحاً كهذا من شأنه أن يدفع لبنان القوي لعدم المشاركة وعدم التسمية أيضاً، وبالتالي على الحريري أن يُعيد تصويب بوصلته صحيحاً إذا كان ينوي حقيقة إبداء التعاون المنشود.

وعلمت «البناء» أن الحريري سيُصرّ خلال مفاوضاته مع القوى السياسية على طرحه بحكومة تكنوقراط واختصاصيّين لمهمة محددة ومدة زمنية محددة.

وأكدت أوساط أخرى مطلعة في التيار الوطني الحر أن التيار «لم ولن يعمل على طرح أي مرشح لتولي منصب رئاسة الحكومة لا في الداخل ولا مع الخارج وأنه يتابع بإيجابية كل المشاورات التي تدور للوصول الى صيغة تلبي مطالب الناس في لبنان الذين يريدون حكومة قادرة على الإنقاذ»، ورأى أن «المبادرة الفرنسيّة يجب أن تلقى كل التجاوب من كل الأطراف، لأنها الوحيدة الجدية والصادقة والتي تحاكي الواقع اللبناني». ولفت الى ان «لبنان يستحق التضحيات ونحن أول مَن يُضحّي من أجل لبنان على ألا نكون وحدنا مَن يضحي».

القوات

إلى ذلك يجتمع تكتل القوات اللبنانية بعد غد الأربعاء لاتخاذ الموقف المناسب من التكليف، وبانتظار القرار النهائي للقوات، فإن الاتصالات والمشاورات ستكون مفتوحة حتى يوم الاربعاء مع تأكيد مصادر القوات أن موقفها لا يزال على حاله ولن يتبدل تجاه تشكيل حكومة مستقلة من اختصاصيين بعيدة كل البعد عن الطبقة السياسية. ولا تعلق المصادر على حراك الحريري الذي يبدأ اليوم، مؤكدة أن رؤيتها للحل واضحة ولا لبس فيها.

اللقاء الديموقراطيّ

كما يعقد اللقاء الديمقراطي اجتماعاً خلال اليومين المقبلين لدرس الموقف من الاستشارات من كل جوانبه ليُبنى على الشيء مقتضاه، مع ترجيح مصادر مطلعة أن تحصل اتصالات بين الاشتراكي والحريري في الساعات المقبلة قبل أن يحدد اللقاء الديمقراطي موقفه من الاستشارات.

وفيما تضاربت المعطيات حول حصول الحريري على تغطية خارجيّة أميركية سعودية لمبادرته، أشارت مصادر أخرى في الحزب الاشتراكي الى أننا لا نرى اي تغيّر اقليمي لناحية دعم ترشيح الحريري ومنطق الأمور يقول بضرورة وجود رعاية أميركية إيرانية. لكن مصادر أخرى في فريق ٨ آذار تشير الى مؤشرات إفليمية دولية تقف خلف تحرك الحريري الجديد. فيما اكدت مصادر البناء ان المشاورات ستتركز على خطي بعبدا بيت الوسط من جهة ومن جهة ثانية خط بيت الوسط عين التينة لتدوير الزوايا وتذليل العقد التي واجهت السفير مصطفى اديب لا سيما شكل الحكومة وعدد وزرائها ومهمتها ومن يسمّي الوزراء ودور الكتل النيابية في هذا الإطار، لكي تضمن اي حكومة الثقة النيابية في المجلس النيابي.

الفرزلي

وأكد نائب رئيس مجلس النواب ايلي فرزلي ان «هناك ٢٢ نائباً مسيحيّاً خارج الأحزاب ومعيار الميثاقيّة في تسمية رئيس الحكومة غير محصور بالأحزاب».

وتابع الفرزلي في حديث تلفزيوني «لا أنصح الرئيس عون، بل هو في موقع الناصح للجميع وأدرك أنّه حريص على أن تكون كل طائفة ممثّلة في الحكم كما يجب».

وأضاف: «نصحت باسيل منذ سنة بتأييد الحريري، فالربط مع المكوّن السنّي أساسي». وشدد الفرزلي على انه «يجب أن يُكلف الحريري يوم الخميس وأي تخلف من قبله يتحمّل هو مسؤوليته».

الراعي

وأشار البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الاحد إلى أن قلقنا يتعاظمُ إذا تعثَّر تكليف شخصيّة لرئاسةِ الحكومة الجديدة، خصوصاً إذا تعثّر تأليف حكومة إنقاذيّة، غير سياسيّة، وتكنوقراطيّة، تتمكّن من المباشرةِ بالإصلاحاتِ في البُنى والقطاعات، وفقًا لتوصيات مؤتمر سيدر».

وأكّد أنّ ضمانة نجاح التأليف هي العزم من قبل الجميع على تجنّب التسويف، ووضع الشروط، وافتعال العقد غير الدستوريّة وغير الميثاقيّة، من أجل قضم الدولة وإبقاء مصير لبنان مرهونًا بصراعات المنطقة واستحقاقاتها الّتي لا تنتهي، معتبرًا أنّ هذه مشكلة وطنيّة خطيرة عندنا لا حدَّ لها إلّا باعتماد نظام الحياد الناشط الّذي يعيد للبنان هوّيته، ومكانته، ودوره الحضاريّ في سبيل السلام والاستقرار في الداخل وفي المنطقة.

وشدّد الراعي على أنه لا يحقّ لأيّ فريق أن يتخطّى الدستور، ولآخر أن يتنازل عنه، ولآخر أن يشوّه النظام الديمقراطيّ.

كورونا

على صعيد آخر ومع ارتفاع عدد البلدات التي ستُقفِل اعتبارًا من اليوم إلى 169 بلدة، استمر عدد إصابات كورونا بالارتفاع، واعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 1010 اصابات جديدة بكورونا و4 حالات وفاة خلال الساعات الـ24 الماضية. في حين بدأ الهلع يصيب اللبنانيين من دون استثناء في ظل تمهيد المعنيين إلى رفع الدعم عن الدواء والمحروقات والمواد الأساسيّة الأمر الذي دفع بالمواطنين إلى المسارعة إلى شراء الدواء بكميات كبيرة من الصيدليات التي بدأت تعاني نقصاً من الكثير من الأدوية التي باتت مقطوعة. وفي هذا السياق بدا لافتاً ما أعلنه نقيب الصيادلة لجهة أن هناك أدوية مخزنة في مكان ما وكان أصحاب شركات الدواء ينتظرون رفع الدعم للاستفادة منها.

المصدر: صحف