قَطفنَا ثمار تموز، فمتى نقطف ثمار آب؟! – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

قَطفنَا ثمار تموز، فمتى نقطف ثمار آب؟!

تموز
امين ابو راشد

… وفي الرابع عشر من آب 2006، وبعد ثلاثة وثلاثين يوماً من بدء العدوان الصهيوني على لبنان، أعلِن نصر تموز للبنان المُقاوم، وقطفنا ثمار تموز في موسم الدهشة، وسط الأشداق الفاغرة لأمَّة عربية بعضها كان في موقع المُتفرِّج، وبعضها في موقع الداعم للبنان، وبعضها في موقع المتواطىء مع العدو في رهانٍ خائبٍ، تناسى خلاله هؤلاء العملاء حرب التحرير العظيمة عام 2000، وقدرات المقاومة على كتابة التاريخ بدماء الشهادة، وبناء معادلة استثنائية مُستدامة عنوانها الجيش والشعب والمقاومة.

لا حاجة بنا للعودة الى يوميات الملاحم التي سطَّرتها المقاومة في تحقيق النصر الكبير، لأن تقرير “فينوغراد” الذي أصدرته لجنة إسرائيلية خاصة لتقييم أسباب فشل العدوان، حمَّل رئيس وزراء العدو يومذاك إيهود أولمرت مسؤولية قرار شنّ الحرب، ومسؤولية توسيع العملية البرية قبل يومين من إعلان الهزيمة الإسرائيلية والإنتصار اللبناني.

ثمار تموز قطفناها، وكتبنا التاريخ بدماء شهدائنا، وسط الأشداق الفاغرة لأمة عربية خائبة، ومع التنويه بالقلَّة القليلة الداعمة لصمود لبنان، كانت هناك فرقة المُطبِّلين للعدوان والمتواطئين معه، لا بل كانت هناك كيانات سياسية عربية تُحرِّض وتتعاون وتؤازر هذا العدوان الهمجي، وتظهَّرت مواقفها المُعادية للسيادة اللبنانية منذ افتعال أحداث نهر البارد عام 2007، مروراً بكل محاولات التخريب على الساحة اللبنانية، ووصولاً الى ما يُسمَّى “الربيع العربي” الذي جاء ردَّة فعلٍ أميركية – إسرائيلية – خليجية على النصر اللبناني العظيم الذي حققته مقاومة تفرَّدت بالمواجهة للمرة الثانية، مع أعتى جيش عنصري في العالم.

وليس النصر الميداني على العدوان الصهيوني هو نصرنا الوحيد، بل في حفاظنا على هذا النصر من خلال استمرار تعزيز قدرات المواجهة وخلق ما نُفاخر به من معادلة ثلاثية للجيش والشعب والمقاومة، وبناء توازن رعب مع هذا العدو الى درجة تقويض أمان مجتمعه الداخلي المُرتعِد من فكرة أية حربٍ جديدة مع لبنان، لأن قدرات المقاومة تجاوزت الجليل الى تهديدات جدية لوسط الكيان الصهيوني، حيث القدرات الإستراتيجية والحيوية لهذا الكيان، ووصولاً الى أبعد نقطة في الجنوب الفلسطيني المحتلّ حيث لدى المقاومة القدرة على الوصول صاروخياً إليها.

قطفنا ثمار تموز لبنانياً، لكننا بعد ثلاثة عشر عاماً على تحقيق النصر في الرابع عشر من آب، لا نبدو أننا جاهزون لقطف ثمار آب عبر بناء دولة تستحق أن تحتضن وطن تموز، لا بل نرى بكل أسف من يدور في الفلك الإسرائيلي – الأميركي تحت مظلَّة خليجية ما تركت وطناً عربياً آمناً، وتتناسى هذه الحفنة اللبنانية، أن مَن أذاب أجساد الجنود الصهاينة مع فولاذ دباباتهم عاميّ 2000 و 2006، ومَن صدّ أعتى عدوان إرهابي تكفيري شيطاني عن لبنان عام 2017، قادرٌ أن يُبقي لبنان ضمن الحاضنة اللبنانية وبَتر كل يدٍ تتطاول على لبنان وتحاول إعادته الى ما قبل عصر التحرير.

ليست العقوبات الأميركية الظالمة قادرة على إطفاء جذوة الكرامة والسيادة لدى مَن لديهم قُدرة الصمود، ولا العلاقات المشبوهة لبعض اللبنانين المُراهنين على تغييرات إقليمية تُعيد عقارب الساعة الى ما قبل زمن الإنتصارات، ولا وضع العصي في عجلة الدولة قد يمنع إنطلاق عملية بناء هذه الدولة، ودواعش السياسة ليسوا من الخطر الذي شكَّلته دواعش التكفير، وإذا كانوا سيستمرُّون في المغامرة الى حدود المقامرة بما تبقى لهم من حيثية في ميدان السياسة الداخلية، فإننا ننصحهم بقراءة التاريخ الحالي، والإنهيار الدراماتيكي لحلفائهم الإقليميين، والعودة الى قراءة الواقع بكل وقائعه، لأن قافلة الإنتصارات والمكاسب لن تنتظر من يتخلَّف عن سلوك درب العقلانية في العمل الوطني، بعيداً عن الإرتهان ورهن الوطن عبر عرقلة قيام دولة هي أغلى ثمار آب وموسم حصاد النصر…

المصدر: موقع المنار