قوات عربية إلى سورية.. واقعية الإعلان السعودي؟؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

قوات عربية إلى سورية.. واقعية الإعلان السعودي؟؟

عادل الجبير
اسراء الفاس

 

بثقة خرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير معلناً الاستعداد لإرسال قوات سعودية إلى سورية. بدا الجبير وكأنه كان ينتظر ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، للخروج بإعلان من شأن التجارب السعودية العسكرية وحدها أن تسقط واقعيته.

الجبير ربط إرسال قوات بلاده إلى سورية باحتفاظ واشنطن بشيء من حضورها العسكري على الأرض، وبضرورة أن تكون القوات جزءاً من ائتلاف عربي أوسع. شرطان تراهن عليهما السعودية لتنفيذ طرح ليس بجديد. على أمل فيما لو تحقق لها ذلك، أن يفتح معركة تطويق ما يسمونه النفوذ الإيراني.

مصادر خليجية ضخّمت ما أطلقت عليها “استراتيجية جون بولتون”. وأشارت أن واشنطن لن تسعى لإحلال قوات عربية بديلة عن تواجدها المباشر في سورية، بقدر ما ستعمد للاستعانة بهذه القوات لإدارة المعارك التي ستوكل مهمة تنفيذها لمسلحين سوريين وأجانب، أو حتى شركات خاصة ستموّل خليجياً. هكذا يُترجم ما نقلته “وول ستريت” عن ترامب: “لقد طلبنا من شركائنا تحمل مسؤولية أكبر في تأمين منطقتهم، بما في ذلك المساهمة بمبالغ مالية أكبر”.

في تعليق للكاتب في “الشرق الأوسط” السعودية، ورئيس تحريرها السابق، كتب سلمان الدوسري: “إلا أنه لولا معرفة الرياض بأن لديها قوات عسكرية على قدر عالٍ من الاحترافية والجاهزية، لما تمكنت من تدعيم مواقفها السياسية، فالمملكة تعي جيداً الدور المنوط بها لقيادة المنطقة، ولديها تحالفاتها العسكرية التي تعينها على ذلك.”

كلام الدوسري يدخل في إطار الدعاية الرسمية التي ترسم ملامح المجتمع والإعلام والدين، ولو أنه غير مطابق للواقع، الذي لا يزال يهز يومياً صورة “الحسم والعزم” التي اشتغل إعلام المملكة على إبرازها كشعارات. السعودية الفاشلة في حل أزمات الداخل، والمقبلة على مرحلة حساسة في تبديل وجهها الوهابي، والغارقة في وحول اليمن… لا يمكن أن تكون نفسها صاحبة القوات العسكرية الاحترافية وفق توصيف الدوسري!

تجربة اليمن

ثقة الجبير في إعلانه الأخير، تعيد إلى الذاكرة إعلانه من واشنطن (آذار/مارس2015) انطلاق العدوان على اليمن، بقيادة بلاده في إطار إئتلاف عربي-إسلامي واسع سرعان ما تنصلت منه باكستان ومصر. ولكن في إطار ما يُسجله الدوسري من إنجازات لقوات بلاده، لا بد من الإشارة أنه وعلى مدار 3 سنوات من العدوان على اليمن، تمكن المقاتلون اليمنيون من اقتحام معسكرات في الداخل السعودي. أكثر من ذلك باتت الرياض وجدة والطائف إضافة إلى مدن الجنوب اليمني في مرمى صواريخ طورها اليمنيون تحت الحصار. ولعل ما لا يعرفه السعوديون عن إحترافية قواتهم العسكرية أنها لاتزال منذ ثلاث سنوات عاجزة عن السيطرة بشكل كامل ولو على مديرية واحدة من مديريات شمال اليمن، وأن قتالهم ضد اليمنيين يدور في عشر مديريات فقط من أصل 234 مديرية في شمال اليمن.

إنطلاقاً من المستنقع اليمني، يمكن الجزم باستحالة تطبيق إعلان الجبير الذي دونه عوائق كثيرة، فهل كانت تجربة التحالف السعودي الإماراتي ناجحة في اليمن الذي تترجم معارك جنوبه صراعات الطرفين؟ وماذا عن الرفض المصري شبه المحسوم؟

سبق لمصر أن رفضت الانضمام للتحالف السعودي-الاماراتي في اليمن. كان الرفض المصري يومها مستنداً إلى تجربة أليمة خاضها الجيش المصري عام 1962. خرجت الصحافة المصرية يومها بمذكرات ضباط شاركوا في حرب 1962، لتشير إلى صعوبة المواجهة مع اليمنيين. فكيف بمصر اليوم المنهمكة بمواجهة الجماعات التكفيرية في سيناء وبتأمين حدودها الصحراوية مع ليبيا؟

في حديث إلى قناة المنار، يجزم السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي برفض مصر الانضمام إلى هكذا قوات. يقر السفير علي بالضغوط التي تتعرض لها مصر إلا أنّه يشير إلى الارتباط الاستراتيجي بين البلدين. يقول السفير إن مصر لا يمكن أن تتورط بهكذا مغامرة، فهي تواجه اليوم الإرهاب نفسه الذي تواجهه بلاده. “مصر تدرك يقيناً أن انتصارها يستقوي اليوم بصمود واستمرار سورية، التي وقفت إلى جانب الرئيس السيسي”.

تركيا وروسيا وإيران

عراقيل أخرى تقف أمام طرح مسألة إرسال قوات عربية إلى سورية. قد يبرز فيها الموقف التركي، إذ أن المناطق التي ستحل فيها هذه القوات يُفترض أنها مناطق انتشار القوات الأميركية، وهي التي تقع على الحدود المحاذية لتركيا، ومناطق أخرى شرق نهر الفرات قرب الحدود العراقية، في دير الزور وفي البادية السورية، ما يعني أن الموافقة التركية ضرورية على انتشار أي قوات عسكرية أجنبية هناك. وبالنظر إلى العلاقات الخليجية، تحديداً الاماراتية-السعودية مع تركيا، فإن الرفض التركي محسوم أيضاً، في ظل قناعات لدى أنقرة عن دعم يتلقاه المقاتلون الأكراد في معاركهم ضد الجيش التركي.

ولعل الأهم من الموقف التركي، هما الموقفان الروسي والإيراني. في أيلول/سبتمبر 2012 قدمت قطر مقترحاً بإرسال قوات ردع عربية إلى سورية، وأيدته تونس، إلا أن الرفض الروسي يومها كان حاسماً، لم تكن القوات الروسية قد انخرطت في الأعمال العسكرية المباشرة في سورية بعد،  فماذا سيكون موقفها اليوم من دخول قوات ركّبتها واشنطن؟ هل ستقف موسكو صامتة أمام المقترح الذي يريد أن ينهش ساحة نفوذها، رغم ما بذلته للمحافظة على هذا النفوذ؟

أما إيران، فلا يبدو أنها متحمسة لإبداء موقف. القوات الإيرانية التي ساهمت في العراق وسورية بشكل فعال في إدارة وحسم معركة إنهاء الوجود التكفيري، تترقب تشكيل هذه القوات. في ظل التهويل اليومي ضد إيران، هناك من يعتبر أن الحرب ستشن ضد الجمهورية الاسلامية من داخل الساحة السورية، وهناك أيضاً من يعتبر أن التحريض السعودي الذي لطالما حاولت الجمهورية الاسلامية احتواءه لابد من إنفجاره نظراً للرغبة الإسرائيلية. في كل الأحوال يبدو أن إيران تضع كل الطروحات على طاولتها.

ولكن بعيداً عن الموقف الإيراني، وفيما لو تحقق الطرح، فلعلها ستكون مناسبة جيدة لاختبار واقعية كلام محمد بن سلمان لبرنامج “60 دقيقة” عن أن الجيش الإيراني لا يشكل نداً للسعودية كونه ليس من أقوى خمس جيوش إسلامية!

الخلاصة يختصرها كلام السفير السوري في لبنان: “لا الدول العربية قادرة، ولا الأميركيون مقتنعون بأنهم يمكنه المراهنة على قوات عربية كالقوات السعودية”. تفسير وحيد قد يقدم لإعادة طرح مسألة القوات العربية وربطها بالمساهمة المالية تحت عناوين تمويل العمليات أو حتى إعادة الإعمار، هو سياسة حلب البقرة الخليجية التي تمتهنها الإدارة الأميركية بمهارة.

المصدر: موقع المنار