منى زعرور
مع رحى الحرب الدائرة على غزة، وجرائم الإبادة العنصرية التي تتعرض لها العائلات الفلسطينية التي تسكن هذا القطاع، يستمر التهديد الإسرائيلي بالتوغل البريّ العسكريّ، رغم الإنقسام الواضح حتى الآن، على هذا الصعيد، في اتخاذ قرار التوغل، تحت ذرائع عدّة. فإلى جانب الإنقسام الأكبر حول شخص نتنياهو، وتحقيقه للإجماع والثقة بقيادته لهذه الحرب. تبقى معايير ضبط التوازنات الدولية للحرب هي الأساس باتخاذ القرار، في ظل الخشية الكبرى لاندلاع حرب إقليمية، أو حتى عالمية.
وفي التفكّر حول أسباب اندلاع الحرب، رغم مشروعيتها في حق الدفاع المقاوم، مع الفجائية في حصولها، لا بد لنا من الاتجاه إلى التحليل من خلال سبب رئيس، و هو الصراع على زعامة العالم. والسؤال حول المصير، في الإبقاء على الأحادية القطبية أو الاتجاه الى التعددية؟ أو في بروز زعامة أحادية جديدة للعالم!. فليس خفيًا على المتابع، أن الحرب الأميركية – الصينية الروسية، التي كانت بداياتها مع الحرب الأوكرانية، قد تم تحويل محرك قواها الدافعة إلى الحرب في غزة، رغم استمراريتها، لاستنزاف الدعم الأميركي- الأوروبي ماليًا وعسكريًا في جبهة جديدة.
ومع اندلاع الحربين الدائرتين على صعيد القارتين الأوروبية والأسيوية، يُحسم حتى الآن جدل الانزلاق إلى حرب عالمية، لصالح الحروب بالوكالة بدلا عن التصادم المباشر بين الأميركي والصيني. وبهذا، فإن هذه المرحلة لا تُمثل ولا تشابه سياق الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي وأميركا، وإنما تتخذ شكل الحروب بالوكالة التي خاضتها الدول الأوروبية ولاحقا الأميركي، لتزعم العالم، عبر دعم القوى الوطنية العربية في الثورة والتصدي للسلطنة العثمانية، قبيل المباشرة بالحرب العالمية ووراثة “الرجل المريض”، الإسم الذي أطلقه قيصر روسيا نيكولاي الأول على الدولة العثمانية سنة 1853. فهذه المرة، فإن الأميركي هو “الرجل المريض”، الذي يتم استزافه مع ما يظهر من اندلاع حرب غزة.
فما من شك، بأن قوى المقاومة في غزة، أفادت من الصراع العالمي، أقله لاتخاذ قرار المواجهة الموسعة، إن لم تتواجد أشكال أخرى من الدعم. والتحرك لقلب المعادلة الاستعمارية من الداخل، والمتمثلة في “الكيان الصهيوني”. فزعزعة وجود الأميركي ومصالحه في منطقة الشرق الأوسط، عبر زعزعة الكيان الذي زرعه عام 1948 في فسطين، لإجهاض القوى العربية الصاعدة في المنطقة آنذاك، وتحديا مصر والعراق، يُمثل حاجة مُلحة للقوى العالمية المواجِهة لأميركا لإخلال التوازن القائم الحالي في السيطرة الأميركية المستمرة على الدول العربية، وتمددها عبر سياسات التطبيع مع الوكيل (الإسرائيلي).
وعليه، مجددًا إن الحديث عن حرب عالمية متجاوز آنياً. أما عن اندلاع الحرب الإقليمية، في حال التوغل العسكري، فإن المعطيات الميدانية تُبين حتى الساعه ، أنه على الرغم من التهديدات المتبادلة بين محوري الممانعة من جهة والأميركي- الإسرائيلي من جهة أخرى، والحشد العسكري لكلا الطرفين على خطوط المواجهة الأمامية. والتواجد المباشر لحاملة الطائرات الأميركية في المتوسط، والذي اعتبرته روسيا خطرا مباشرا يُحدق بأراضيها، وعليها التصدي له في التواجد المقابل. فإن قرار الحرب الشاملة صعب الاتخاذ، لأنه مكلف لأي فريق يُباشر به، فإرساء معادلات الردع والردود المدروسة هي ما يعمل كلا الطرفين على إدامتها، مع المواجهة غير المباشرة على الأراضي الغزوية. وما من شك بأن الكلفة الباهظة التي ستدفعها أميركا في حال التورط المباشر في هذه الحرب، ستسارع إلى إضعافها أكثر، وهي التي تعي جيدا ان زعامتها للعالم لم تتأت إلا عبر سياسات الحياد والاشتراك المتأخر في الحربين العالميتين.
وإسرائيل المنفردة، لن تغامر في خوض حرب إقليمية، سيما مع ما ظهر من انكسار اسطورة جيشها الذي لا يُقهر. أما ما هو خارج التحليل وحتى الاستشراف في الدراسات المستقبلية، يبقى في إطار ظهور أي حدث لا مدروس ولا متوقع يكسر معادلات التوازن القائمة ويُشعل فتيل الحرب دون إرادة أي من أطراف الصراع، وهو ما يندرج في إطار نظرية البجعة السوداء، مثل حدوث حدث عسكري مفاجئ مع غياب القيادة الحكيمة، فلولا ذكاء كينيدي لأشعلت الحرب العالمية منذ ذاك الحين مع أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 .
المصدر: بريد الموقع