كلمة السيد نصرالله في حفل تأبين العلامة الشيخ عفيف النابلسي – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

كلمة السيد نصرالله في حفل تأبين العلامة الشيخ عفيف النابلسي

F2nZruoaIAc-ksq

نص كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في حفل تأبين العلامة الشيخ عفيف النابلسي (رض) في قاعة مجمع الإمام المجتبى (ع)- الضاحية الجنوبية، كاملا:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله ربّ العالمين، ‏والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله ‏الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. ‏

في البداية نتوجه إلى الروح الطاهرة والنقية والرفيعة لفقيدنا الغالي بقراءة الفاتحة مع الصلوات.

السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.

في البداية أُجدد تعازيّ وتعازي كل إخواني وأخواتي في حزب الله للعائلة الشريفة والكريمة فرداً فرداً بهذا الفقد وهذا المصاب الجلل وللحضور الكريم ولكل أبناء مسيرتنا ولكل المؤمنين بهذا الخط وبهذا الطريق الإيماني الجهادي على امتداد العالم.

أُجدد التعبير عن المواساة، والعزاء، ونحن أيها الأحبة في العائلة الكريمة لشيخنا الكبير نحن مثلكم، نحن أبناء سماحة آية الله الشيخ عفيف النابلسي وشركاء في المُصاب وفي الفقد وفي الحفاظ على الإرث وعلى الوصية إن شاء الله.

كلمتي بطبيعة الحال ستكون قسمين القسم الأول مايرتبط بسماحة العلامة الشيخ عفيف النابلسي رضوان الله تعالى عليه ومن القسم الأول ومن موقع انتماءه وجهاده انتقل إلى القسم الثاني في بعض الكلمات.

ما تقدم في الفيلم الوثائقي وما أفاض به سماحة الدكتور الشيخ صادق(حفظه الله) في كلمته الجميلة والبليغة والمعبرة شكلا ومضمونا، يُساعدني كثيراً على أن يكون ما أريد أن أتحدث عنه باختصار معبرا ومستدلا.

عندما نُقارب شخصية سماحة الشيخ عفيف النابلسي (رضوان الله عليه)  أو أي شخصية قد نقاربها من أحد موقعين:

الموقع الأول: المحض شخصي كما يحصل عادة في التراجم تراجم الرجال، نقول فلان الفلاني ونصفه، طبعا في هذا البعد نركز على الصفات الشخصية ونعترف له بالعالم، الفقيه، المجاهد، المفكر، المُضحي، النشيط، الدؤوب، الحاضر، الشاعر، الأديب، المربي، الأستاذ في الحوزة، المحقق، المؤلف، الكاتب في شتى شؤون العلوم الإسلامية… الخ، وأحد كبار المؤسسين في هذه المسيرة الإيمانية الجهادية المباركة.

الزاوية الثانية: وهي الأهم برأيي، عندما ننظر إلى هذه الشخصية في سياق كجزء من مسار، كجزء من حركة جماعة بشرية، وفي هذه النظرة حتى الصفات الشخصية تحضر ويبرز أثرها ونتيجتها بشكل أقوى وأفعل.

في الجزء الأول الكلمات واضحة، في الجزء الثاني اود أن أتحدث عن السياق وأعود إلى سماحة الشيخ في قلب هذا السياق، وطبعا هذا يحتاج إلى وقت طويل ولكن اختصره بشدة، ولكن أدعو إلى دراسته والتأمل فيه وكتابته حتى لا يتغير بعد عقود أو قرون.

في الستينات والسبعينات وخصوصا في السينات، عندما نتحدث عن مجتمعنا في لبنان وخصوصاً عن مجتمعنا في الدائرة الاسلامية وبالأخص في الدائرة الشيعية، يعني في الوضع الشيعي، كان مجتمعنا وناسنا أمام تحديات كبيرة وخطيرة جدا في كل شيء في السياسة، في الحضور، في الوجود، الوضع الاجتماعي، في الوضع المعيشي، في الوضع الاقتصادي، في حالة البؤس والحرمان والقهر والاستبعاد ومقابلة ومواجهة الاستعلاء، الآن لا نريد فتح الملفات القديمة ولكن كوننا نتحدث في السياق، ومن جملة التحديات الخطيرة كان الموضوع الديني، موضوع الانتماء إلى الإسلام والإيمان بالإسلام والاعتقاد بالإسلام والالتزام بالإسلام، خصوصا ان شبابنا وجيلنا في تلك المرحلة كانت تَفد عليه الكثير من الأفكار والايديولوجيات الغريبة عن الإسلام وبعضها المعادي للإسلام والمُتنكر لإسلام، واستطاعت هذه الأفكار والايديولوجيات ان تستقطب الكثير من هؤلاء الشباب وأن تأخذهم بعيدا، طبعا في غياب مؤسسات حقيقية وأطر حقيقية تتحمل مسؤولية مواجهة هذه التحديات والأخطار وحماية هذه الأجيال والدفاع عن هذا الدين والدعوة إليه، قبل الستينات كان لدينا علماء كبار في لبنان ولكن كانوا يتحركون من مواقعهم الشخصية، كُنا نَفتقد بشكل عام لمؤسسات وأطر وهيئات قوية وفاعلة، تشكلت بعض الأطر العلمائية ولكنها سرعان ما ضعفت وتلاشت وتباعدت.

في بداية الستينات مَنَّ الله سبحانه وتعالى على هذا البلد وعلى مجتمعنا وخاصة على شيعة أهل البيت عليهم السلام في لبنان بمجيء وعودة شخصيات أساسية استطاعت أن تُوجد تحولاً وتُؤسس للمراحل المقبلة.

كانت البداية مع سماحة الإمام السيد موسى الصدر، الإمام المُغيب أعاده الله بخير في بداية الستينات، بعد ذلك بسنوات قليلة عاد إلى لبنان من النجف الأشرف سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله(رضوان الله عليه) وسماحة آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين(رضوان الله تعالى عليه) وعلماء آخرون، نحن عادة نركز على هذه الشخصيات الثلاثة الأساسية، ودخلنا في مرحلة جديدة.

في الستينات والسبعينات يمكن ان نطلق على هذه المرحلة مرحلة العمل الاسلامي، النشاط الاسلامي، لأنه لاحقا صار يُقال الحالة الاسلامية وجاءت المقاومة لاحقاً في الثمانينات والتسعينات.

نتحدث قليلاً عن الستينات والسبعينات وأعود لسماحة الشيخ عفيف.

وأيضا قَيد الله سبحانه وتعالى وخصوصا في السبعينات لجيل من العلماء الشباب، الذين ذهبوا من لبنان إلى النجف الأشرف، وتتلمذوا على يد المراجع الكبار، وكان للأستاذ الكبير الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، كانت له آثار عظيمة في تربية جيل من هؤلاء العلماء، الذين عادوا إلى لبنان في السبعينات، إما عادوا بشكل طبيعي من أجل القيام بمهمات التبليغ أو أُبعدوا كما حصل مع سماحة الشيخ عفيف وإخوة علماء آخرين ما زالوا على قيد الحياة حفظهم الله جميعا.

مَنّ الله سبحانه وتعالى أيضا بعودة هذا الجيل الذي استطاع ان يتكامل مع العلماء الكبار الذين بدأوا في الستينات، وشهدنا في الستينات والسبعينات عاملين كبيرين ومُهمين، العلماء الشباب وأيضا جيل من الشباب المؤمن، أساذة المدارس، طلاب جانعات، أساتذة جامعات، أصحاب مهن حرة: أطباء، مهندسين، نخب.. الخ.

وتشكلت ببركة العقلية القيادية الجديدة آنذاك مرحلة استحدثت فيها مؤسسات، مؤسسات قيادية، مؤسسات ثقافية، مؤسسات تربوية، اجتماعية، مهنية، وأطر علمائية، أطر ثقافية، أطر كشفية، اطر طلابية، وصولاً إلى الأطر السياسية والجهادية خصوصا في النصف الثاني من السبعينات.

في الحقيقة يجب أن نَحفظ لهؤلاء الكبار ولهؤلاء العلماء الشباب آنذاك، غالبيتهم ما زالوا على قيد الحياة الحمد لله ولكن صاروا شيبة.

يجب أن نحفظ لأولئك الكبار وللعلماء الشباب ولجيل الشباب، ذاك الجيل الذي أيضا كتفا إلى كتف مع العلماء استطاعوا أن يوجدوا، وهذه النقطة التي أريد أن أصل إليها، البنية التحتية الحقيقية والمناسبة، الأرضية الكافية فكراً، وثقافةً، واستعداداً وروحيةً للمرحلة التي كان سيواجهها لبنان بسبب الإجتياح الإسرائيلي عام 1982.

هذا الاجتياح الذي كان يريد أن يبتلع لبنان وإلى الأبد وكُلنا يتذكر أدبيات تلك الأيام، لقد دخل لبنان كانوا يقولون: لقد دخل لبنان في العصر الإسرائيلي ولن يخرج منه لمئات السنين.

في هذه المرحلة أختم فيها وأعود للشيخ عفيف وأعود للمرحلة التي بعدها، سماحة العلامة الشيخ عفيف النبلسي أحد أولئك العلماء الشباب في ذلك الحين.

كنا نُشاهد بالفيلم الوثائقي شباب، الانطباع العام يظل يغلب هي السنوات الأخيرة، العالم الشاب الشجاع، الجريء، الذي يحمل هذا الإسلام ويحمل هذا الدين ويحمل هذا الفكر، هذا الجيل من العلماء ما الذي فعله؟ قدم نموذج مختلف، نحن نعرف إلا بعض الإستثناءات، في الماضي  يعني قبل الستينات، كان النمط الغالب إلا نادراً، أكيد كان هناك استثناءات، لكن النمط الغالب في علمائنا هو الوضع التقليدي، يعني  يأتي العالم من النجف، يجلس في المنزل، الناس تُريد أن تأتي إليه في المنزل، الذي يُريد أن يستفتي يأتي إليه في البيت، من لديه مشكلة يأتي إليه إلى المنزل، قلما ما يُبادر، في أفضل الأحوال مثلاً صلاة الجماعة يخطب يوم الجمعة بهذا القدر كان الموضوع.

أصبحنا أمام وضع جديد، أمام علماء هؤلاء الذين أتحدث عنهم العلماء الشباب، من بيت إلى بيت لا يقيم في منزله، من بيت إلى بيت، من حي إلى حي، من قرية إلى قرية، من بلدة إلى بلدة، من مسجد إلى مسجد، من حسينية إلى حسينية، من سهرة إلى سهرة، من حوزة ومدرسة وثانوية وجامعة إلى .. وإلى.. وإلى…، حياتهم، شبابهم، زهرة شبابهم، كُلها قضوها، هكذا عندما نتحدث عن شهداءنا الشهيد السيد عباس(رحمة الله عليه)، الشهيد  الشيخ راغب(رحمة الله عليه) وهكذا عن آخرين.

قدموا نموذج مختلف، هم ذهبوا إلى الشباب، لم ينتظروا أن يأتي إليهم الشباب، هم ذهبوا إلى الجامعات، هم ذهبوا إلى الثانويات، وهم دخلوا في التحدي، وفي المضمون هم الذين قدموا الإسلام ديناً للحياة، ديناً للحياة في كل شؤون الحياة، وهذا معروف لا يحتاج الأمر إلى مزيدٍ من التفصيل.

سماحة الشيخ عفيف(رحمه الله) كان واحدا من هؤلاء النشيطين الدؤوبين الرساليين، الذين لا يكلّون ولا يهدؤون ولا يملّون ولا يتعبون، وكُلنا نشهد على ذلك.

بطبيعة الحال من بداية شبابه، عندما تعلق بالإمام السيد موسى الصدر وإلتحق به كما ورد في الفيلم الوثائقي، ودرس في حوزة صور في نفس الحوزة التي درس فيها شهيدنا السيد عباس الموسوي، ومضى إلى الإمام الشهيد الإمام السيد محمد باقر الصدر، إسمحوا لي أن أقول: من يبدأ بالإمام موسى الصدر ويتصل ويصل سيصل إلى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، طبيعي، يعني الإمام الصدر إذا أرسل أحدا من لبنان  فإنه سيرسله إلى السيد محمد باقر الصدر، ومن ينشأ ويتربى ويتعلم ويتأسس في مدرسة الإمام الشهيد الإمام السيد محمد باقر الصدر، سيمثل وينتهي إلى الإمام الخميني(قدس سره الشريف)، هذا مسار طبيعي، وغير ذلك غير طبيعي، وهذا المسار هو الذي سلكه الشيخ عفيف والسيد عباس، أتكلم عنهما لانكم رأيتم في كل المسيرات كانا بجانب بعضهم، “كتف على كتف”، في الصف الأول.

هذه المرحلة، مرحلة الستينات والسبعينات إنتهت بإنتصار الثورة الإسلامية في إيران، ولذلك كان التفاعل كبيرا في لبنان مع هذه الثورة، أحد أسباب هذا التفاعل هو ما قام به هؤلاء العلماء الكبار وهؤلاء العلماء الشباب وهذا الجيل من الشباب في الستينات والسبعينات، ولذلك عندما نَعود إلى تلك السنين، إلى 1979، سَنجد أكثر ساحة تفاعلت مع الإمام الخميني(رضوان الله تعالي عليه) ومع إنتصار الثورة الإسلامية في إيران كانت الساحة اللبنانية، طبعاً تجاوز التفاعل الدائرة الشيعية إلى الدائرة الإسلامية العامة، إلى الدائرة الوطنية، إلى الدائرة الفلسطينية، التي كانت موجودة فعلا في لبنان، ولكن هنا أتحدث بالتحديد عن الساحة الشيعية.

في المرحلة الأخرى التي تأسست على الستينات على السبعينات، هي مرحلة الثمانينات والتسعينات، مرحلة المقاومة في مواجهة الإجتياح الإسرائيلي عام 1982، إنطلقت المقاومة بأشكال وألوان مختلفة، ولكن لا شك أن حضوراً كبيراً في المقاومة كانت للجيل الذي تربى عند هؤلاء في الستينات والسبعينات، سواءً كان بعنوان حركة أمل “أفواج المقاومة اللبنانية أمل” أو بعنوان المقاومة الإسلامية التي تأسست عام 1982 وتشكيلها هو حزب الله، لم تأتي هذه بلحظتها، وهذا الذي شكل عامل مفاجئة لكل الذين خططوا للإجتياح الإسرائيلي للبنان، الذين خططوا للإجتياح الإسرائيلي للبنان في الحقيقة إذا أخذوا كل الحسابات الداخلية والصراعات الداخلية والمعادلات الداخلية والوضع الإقليمي والوضع الدولي و..و..و..و..، كل حساباتهم كانت دقيقة وصحيحة، وكان يمكن للإجتياح الإسرائيلي للبنان أن يحقق أهدافه المرسومة أميركيا وإسرائيليا ومن عرب الإعتدال، الذين كانوا مواكبين للإجتياح ويغطون الإجتياح، بل قيل في ذلك الوقت أن جزءا من المحروقات للطائرات الإسرائيلية كانت تؤمن من خلال دول عربية.

الذي غيّر كل هذه المعادلة، الذي فاجأ الأميركيين والإسرائيليين والمُخططين لهذه المعركة، الذي كان عنصر المفاجأة الكبير هو هذه المقاومة، وإسمحوا لي أن أقول والتي إنطلقت بالتحديد في الساحة الشيعية، لأنهم كانوا يَظنون أن الطائفة الشيعية في لبنان، ونتيجة الظروف الداخلية التي عاشتها وعانتها على مدى عقود والصعوبات والتحديات، وما واجهته من مخاطر أمنية وعسكرية، سوف تكون في صف الإحتلال وتتعاون معه وترضى به، هذه كانت من حساباتهم الخاطئة، الخاطئة جدا جدا جدا جدا، والتي تدل على جهلهم وعلى غبائهم وعلى حماقتهم، كانت هذه المقاومة بأطرها المختلفة هي عامل مفاجأة، وإنطلقت هذه المقاومة والتي شهدنا كلنا فصولها وتطورها ونموها وإنتصاراتها وإنجازاتها، التي طبعا كانت نتيجة الكثير من التضحيات الجسام.

منذ اليوم الأول في المرحلة الجديدة كان سماحة الشيخ عفيف النابلسي حاضرا بقوة، في التمهيد والتأسيس والفاعليات والأنشطة، أيضا أعود إلى الفيلم الوثائقي، في الحضور وفي المظاهرات وفي الإجتماعات  وفي اللقاءات وفي التعبئة وفي التثقيف، يمكن تقال للمرة الأولى حتى في التنظيم، يعين في تنظيم حزب الله، الأخوة يذكرون أنه في ال1984 وفي ال1985 و1986 كان جزءا من ترتيباتنا التنظيمية الداخلية، كان وقتها ليس لدينا لا مجلس تنفيذي ولا أمين عام ولا أمانة عامة ولا شيء، كان لدينا شورى تقود الحزب، وكان لدينا لجان في المناطق وتشكيل أمني وعسكري بشكل أساسي وبعض المكاتب المركزية، في لجان المناطق كان هناك موقع إسمه مسؤول العلاقة مع العلماء، كُنا نُسميه رابط العلماء، في إحدى تشكيلات المناطق وأظن في تشكيل الجنوب، وكان يومها مسؤول المنطقة هو الشهيد السيد عباس(رحمة الله عليه)، كان مولانا الشيخ عفيف عضواً في تشكيل الجنوب، عضواً في التنظيم، ومسؤول العلاقة مع العلماء، ولكن بعد مرحلة لاحقة عندما بدأ يتكون التنظيم وتكتمل بنيته، أصبح هناك مُراجعات، واحدة من المُراجعات التي حصلت أنه الشأن العلمائي يجب أن يأخذ وضعاً إستقلاليا عن النتظيم والإطار التنظيمي، ونحن بحاجة في ساحتنا إلى علماء يتحركون بإستقلالية ولكن ضمن الخط العام، ونحتاج إلى أطر علمائية، وهناك ساحة يجب أن يملؤها هؤلاء العلماء بإيجاد الحوزات العلمية والمؤسسات، مما يُتيح بهامش واسع بالحركة بإتجاه الناس وأيضا بهامش واسع في إتخاذ المواقف، وفي ذلك الحين تقرر أن سماحة الشيخ عفيف النابلسي وإخوان آخرين حفظهم الله وبعضهم ما زال على قيد الحياة، أن يذهبوا في هذا الإتجاه، ولكن صحيح لم يعودوا أعضاء في التنظيم كتنظيم، ولكن هم في القلب، يعني عقلهم وقلبهم وروحهم هنا في داخل حزب الله، لأنه أحياناً بعض الناس يقول لك يعني هذا بالحزب أم مؤيد للحزب أم مناصر للحزب؟ هؤلاء في قلب الحزب وعمقه ووجوده وكيانه ونواته الأولى.

على كل، ومنذ إنطلاقة المقاومة سماحة الشيخ عفيف النابلسي لم يَبخل بشيء، لا يجهد شخصي ولا بمنزل ولا بعائلة، كل أفراد عائلته قدمهم لهذه المقاومة، بقية عمره وبقية شبابه، كله قدمه في هذا الطريق، حضورا وخطابا وموقفا ومخاطرة وأدبا وشعرا، وحتى في سنواته الأخيرة، حضوراً في ثغور وفي جبهات القتال، هو ليس المطلوب منه أن يحمل بارودة ويقاتل، نفس هذا الحضور، هذا الدعاء، هذا الدعم المعنوي، هذا له قيمة كبيرة جدا في مسيرتنا التي تستند بشكل أساسي على الموقف الشرعي وعلى المستوى المعنوي والمستوى الروحي، قبل التنظيم والإمكانات، حتى في السنوات الأخيرة عندما كنا نلتقي قبل مرضه الأخير، كُنا نلتقي وبالرغم من شيبته ومن كهولته كان يقول لي : أنا حاضر أن أعمل في التنظيم، في أي هيئة من هيئات حزب الله، ليس لدي مشكلة، إذا ترون ذلك مصلحة، إذا كان هناك من مصلحة، كُنا نتناقش دائما في هذا الأمر، هذا يؤكد أنه كان دائما عقله وقلبه وروحه هنا في هذا العمق.

في عدوان تموز كان موقفه واضحا وحاسما، ودُمر كل ما له صلة به، بيته، المجمع الذي بناه في صيدا، وتحمل تبعات ككثير من الناس الذين تحملوا التبعات، زاده ذلك قوةً وتصميما وعزما وإيمانا بهذا الطريق.

في الأحداث التي طرأت في سوريا والعراق واليمن والبحرين والمنطقة، موقفه كان واضحا صريحا وشفافا، لا يوجد لا مجاملة مع أحد ولا خوفا من أحد ولا تردد، تعرفون كان هناك أناس كانوا في تلك المرحلة: نعم وكلا وكيف وملاحظات وبعض الحسابات، سماحة الشيخ عفيف في هذا الأمر بلا حسابات، تماما مداده كان بقوة وصراحة دماء الشهداء، الذين واجهوا المؤامرة الكبرى في المنطقة، والفتنة الكبرى في المنطقة، التي أرادتها أميركا من أجل تغيير وجه المنطقة وتكريس هيمنتها وتثبيت وجود وكيان “إسرائيل”.

إيمانه بالوحدة الإسلامية ترجمه من خلال علاقاته الواسعة والشخصية والأخوية والمحبة والصادقة مع الكثير من إخواننا من علماء السنة، في صيدا وبيروت ولبنان.

إيمانه بالعيش الواحد مسلمين ومسيحيين، ترجمه أيضاً من خلال صداقاته وعلاقاته ولقاءاته ومواقفه، يوجد شيء شخصي سأتركه للأخير.

بطبيعة الحال هذا الإنتماء والوعي والفكر والإلتزام هو يُعبّر عن هذا الخط، الذي أصبح عنوانه في الثمانينات والتسعينات وإلى اليوم الإمام الخميني(رضوان الله عليه)، نهج الإمام الخميني، فكر الإمام الخميني، خط الإمام الخميني، الوارث بكل ما سبقه ولكل ما مضى.

من جملة هذه الأمور التي سأدخل منها للحديث العام، ما كان يلتزم به سماحة الشيخ عفيف ككل واحد فينا من مسيرتنا، هو الوعي والفهم لأحداث لبنان وأحداث المنطقة، ومعرفة العدو الأساسي، ومعرفة حقيقة المشروع القائم، ومن يقف خلفه، حتى لا ننشغل في الزواريب والتفاصيل والجزئيات، كما يقول العلماء: نَرد الفروع إلى الأصول.

لِنرجع إلى الأصول، في العودة إلى الأصول،  الموقف من الإدارة الأميركية، والمشروع الأميركي، والسياسة الأميركية في المنطقة وفي لبنان، حتى لا نضيع في التفاصيل وفي الجزئيات، نحن نعتقد ونعتبر أن المصيبة والمشكلة الرئيسية في منطقتنا هي هذا التدخل الأميركي الفاضح والفج في كل شيء، وفي المقابل ثقافة الخضوع، وسياسة الخضوع، الموجودة في أكثر من مكان لهذه الإرادة الأميركية، في كل شيء، إذا كُنا نريد أن نفتش عن مصاديق، أنتم كلكم أساتذتنا وكبارنا وإخواننا، لكن أنا أريد أن أتحدث عن مصداق يتلمسه الناس اليوم في هذا الحر الشديد، أُنظروا في هذا الحر الشديد أحوج ما يكون الناس إلى الكهرباء، هل هذا صحيح أم لا؟ الكهرباء تساعد كثيرا، في كل شيء،  لدينا مشكلة كهرباء في لبنان، هل يوجد إمكانية لإيجاد الحلول؟ نعم يوجد، أحد الحلول التي كانت مطروحة، طبعا لا أُريد أن أُحمّل كل شيء إلى الأميركيين بقصة الكهرباء، ولكن توجد حلول ممكنة يَحول الأميركيين دونها، مثلاً إلى اليوم، هذه الذكرى السنوية الثانية للوعد الأميركي، الثانية أو الثالثة صارت، لأنها هي في أيام محرم صار الوعد، عندما أصدرت السفارة الأميركية بياناً و”طنطنت”وخذوا كهرباء يا لبنانيين، ووعدوا أن يُحضروا الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، حسنا لماذا إلى الآن لم يأتوا…لأن الأميركان لا يريدون. المصري له مصلحة ان يبيع غاز للبنان، لانه لن يُقدم هبة، الأردني له مصلحة أن يبيع كهرباء للبنان لأنّه لن يُقدم هبة. منعوا ذلك الأميركان بحجة ماذا؟ بحجة قيصر، أن هناك قانون قيصر في سوريا يمنع وصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية. حسنا ذهب حزب الله وعمل وأحضر هبة كبيرة جداً من إيران، هبة، لا بيع ولا شراء، منعت أميركا الحكومة اللبنانية من أن تستقبل هذه الهبة، ولو استُقبلت هذه الهبة في وقتها لِجاء هذا الحرّ الشديد وكان لدينا ساعات كهرباء حقيقية كان الوضع مختلف.

اذا كان اللبنانيون يصبون جامّ غضبهم على وزيرٍهنا أو مديرٍ هناك أو حكومة هنا أو مسؤول هناك، فهم يغرقون بالتفاصيل، يجب أن يصبّوا جامّ غضبهم على الشيطان الأكبر الذي يتشيطن ويتسلّط ويستبدّ ويمنع حتى الكهرباء عن هذا الشعب اللبناني المظلوم في أسوأ الظروف.أنظروا إلى سوريا، كل معاناتهم ومنها الكهرباء، ما سببها؟ قيصر، سوريا بعد الحرب لولا قانون قيصر والعقوبات الأميركية هي لم تكن بحاجة لا لمساعدات أميركية ولا لمساعدات غربية ولا لمساعدات عربية، هذه سوريا الخارجة من الحرب لو لم يُفرض عليها العقوبات الأميركية لكانت تستطيع بهمّة قيادتها وأبنائها وحكومتها ووزارتها و.. و.. و.. ،  أن تنهض خلال سنوات قليلة، ولكن كل المعاناة التي يعيشها اليوم الشعب السوري، البعض يُريد أن يأخذها باتجاه النظام أو الحكومة أو الدولة أو,, أو.. أو,,، ويغفل عن العامل الحقيقي والأساسي الذي يُبقي هذا الشعب في دائرة الحرمان و المظلومية من الكهرباء والماء وغيره، بل أكثر من ذلك، ليس فقط الحصار، ويُكمل الحصار بالسرقة وبالنهب للنفط والغاز، ما الذي يمنع اليوم أن تقوم الحكومة السورية بتحرير حقول النفط والغاز، لا أقول بالدخول إلى كل شرق الفرات لا، أهمّ حقول النفط والغاز هي قريبة من نهر الفرات، وبعيدة أحيانا عن الحدود السورية العراقية، ما الذي يمنع، قصد؟ الأتراك؟ الأكراد؟ لا…المانع الحقيقي هو الإحتلال الأميركي في المنطقة، هو يمنع الحكومة السورية من أن تصل إلى النفط والغازهناك، بل يقوم بأكثرمن ذلك، يقوم بنهبها وسرقتها وسلبها، تصوروا لو أن الحكومة السورية تصل إلى غازها في شرق الفرات، هل كان سيعاني الشعب السوري اليوم من أزمة الكهرباء الحادة التي هي حادة أكثر من لبنان؟ نذهب بعد قليل إلى الشرق، في العراق، في العراق الذي تصل أحيانا درجات الحرارة فيه 50 درجة، ونرى بعض المشاهد الغريبة والعجيبة، ففقي بعض المشاهد رأينا شخصاً يقوم بقلي البيض بالسخانة على “طبونية” السيارة من شدة الحرارة، أحوج ما يكون العراق إلى كهرباء ، حسنا العراق كي يعمل كهرباء فإنه يأخذ غاز من إيران، ممنوع على العراق أن يدفع ثمن الغاز لإيران، من الذي يمنعه؟الأميركان.لأنه من يوم الغزو الأميركي للعراق،تمّ عمل آلية قانونية في الأمم المتحدة لا أريد أن أدخل في تفصيلها  لأن ذلك يحتاج إلى شرح، توجد آلية قانونية معتمدة عند الأمم المتحدة تجعل هناك سيطرة أميركية على أموال النفط العراقي وأموال أخرى، يعني عندما يريد أن يُصرف يجب على الأميركان أن يوافقوا عليه…إنها كارثة في العراق، ولا يحلو للأميركان أن يمنعوا دفع ثمن الغاز الإيراني إلا في بداية الربيع و الصيف، حسنا الإيرانيين اليوم لهم على الحكومة العراقية يمكن 10 مليار أو 11 مليار دولار، ومع ذلك لم يُوقفوا تصدير الغاز من أجل أن يبقى عند الناس كهرباء، وإلى الآن رغم الضغط في إيران بخصوص موضوع الكهرباء، خففوا لكنهم لم يقطعوا، ولكن أنظروا إلى شيطنة الأميركان، يمنعون الحكومة العراقية أن تدفع هذه المبالغ للحكومة الإيرانية، حتى تقوم الحكومة الإيرانية بوقف ضخ الغاز إلى العراق، ليُقال للشعب العراقي: إيران “عم تموتكن من الشوب ومن الحرّ”، هل هناك أسوأ من هذا؟ هل هناك شيطنة أكثر من هذا؟

في اليمن، اليوم كل المعاناة الذي ما زال يعيشها الشعب اليمني، العائق الأساسي أمام انتهاء العدوان والحرب في اليمن هو الأميركان، وهذا يعرفه الجميع،

وأختم في هذه النقطة، كل ما عاشته منطقتنا منذ قيام هذا الكيان وخصوصاً في هذه الفترة، ما يُعانيه الشعب الفلسطيني في كل يوم ، مسؤولية الأميركان، رغبة الأميركان.

هنا المسألة الأساسية في هذا الخط وفي هذا الفكر وفي هذا الوعي، عندما نَخضع للإرادة الأميركية والهيمنة الأميركية هكذا سيكون حالنا، في المقاومة، في مواجهة الإحتلال المسلح، لأن المقاومين خرجوا على إرادة الإحتلال صنعوا الإنتصارات، طردوا الإحتلال من لبنان، طردوا الإحتلال من غزة في فلسطين، طردوا الإختلال من العراق، الآن عاد لاحقا بحجة داعش بعنوان المجتمع الدولي ومساعدة الحكومة العراقية، لكن قوات الإحتلال هزمتها المقاومة العراقية.

إذاً في الحرب الإيرانية العراقية، في اليمن، في أماكن أخرى، عندما خرج الناس على الإرادة الأميركية وعلى المشروع الأميركي في ساحة القتال انتصروا، تحرروا، استعادوا أرضهم، استعادوا نفطهم، غازهم، حدودهم، لكن في المشاريع الأخرى في البعد الإقتصادي، في البعد الثقافي، في البعد الإجتماعي، ما زال الكثيرون حيارى، بعضهم خاضع وبعضهم حيران وبعضهم متردد في مواجهة الهيمنة الأميركية والتدخل الأميريكي، لذلك الدرس الذي أريد أن انتهي إليه قبل ختام الكلمة من ذكرى مولانا وعزيزنا وكبيرنا سماحة آية الله الشيخ عفيف النابلسي هو هذا الخط، هذا الفكر، في لبنان في المنطقة، في فلسطين. حسنا جزء من الشعب الفلسطيني بقي ينتظر الأميركان من أوسلو، وعود الأميركان، ضمانات الأميركان، ما هي النتيجة؟ هذه أوسلو لم يعد لها وجود، إمكانية أرضية دولة ثانية وحلّ دولتين يتلاشى وليس يُضمر بل يتلاشى، من ينتظر الأميركان في السياسة، من ينتظرهم في الإقتصاد، من ينتظرهم قي الثقافة، من ينتظرهم في القيم سيصدّرون له هذه القيم المنحرفة، من ينتظرهم ليصنع مصيره، فليعرف أنه يصنع جهنّمه في الدنيا وفي الآخرة، الدعوة هي للخروج على هذه الإرادة الأميركية، إلى رفض التدخّل الأميركي، هذا التدخل الأميركي في لبنان قائم إخواني وأخواتي،الآن نتكلم في لبنان حرية وسيادة واستقلال في جزء منه، في جزء منه صنعته المعادلات، صنعه الشهداء والمجاهدون والمقاومون والممانعون، لأن هناك أُناس أًصبحوا يعتبرون كلمة ممانعة كأنها مسيئة أو مهينة، لا نحن نفتخر عندما يُقال عنا ممانعة وتيار ممانعة وممانعون، هذا يعني أننا سادة،‏ هذا يعني ‏أننا أحرار، هذا يعني ‏أننا شرفاء، هذا يعني ‏أننا لسنا عبيد، هذا يعني ‏أننا لسنا أدوات عند السفارة الأميركية والإدارة الأميركية، هذا يعني الممانعة والممانعون. أما في ساحات أخرى لا، في لبنان مجالات، ها هي السفارة الأميركية تتدخل في كل شيء، ولا يوجد وقت الآن لكي أتكلم بتفاصيل ولا أريد أن أسيء لبعض الوزراء ولبعض الوزارات، نحن نعرف ونحن أصبحنا في الداخل، ونسمع ونتكلم ونتلقى، وبكل بساطة يعني أبسط شيء وطبيعي جدا هذا الوزير أن يقول لك عندما تسأله عن المشروع الفلاني،الآن لن أقول ما هو المشروع الفلاني لأنّه سيعرف من هو الوزير، المشروع الفلاني هذا في مصلحة كبيرة له في لبنان وهذا يساعد في سوريا،وهذا كذا ويفتح ويحضرأموال للخزينة،والآن الوزراء عالقون يريدون أن يعملوا موازنة وهناك خلاف كبير أن المعاشات موجودة، يمكن أن تكون المعاشات الشهر الذي بعده موجودة أو غير موجودة، ماذا سوف يفعلون؟

إخواني وأخواتي هل تعلمون أن هناك مصادر كثيرة وبرامج كثيرة يمكن أن تدرّ مالا ًعلى الخزينة اللبنانية ، لماذا لا تقومون بهذا؟ اتصلت السفارة وقالت “هيدا ما بصير”، ولماذا هذا لا تقومون به، السفارة الأميركية اتصلوا وقالوا: هذا يوجد هنالك فيتو عليه، حسنا المشروع الفلاني لماذا لا تنفذوه؟ السفارة الأميركية…وإذا كنتم تريدون لاحقا نتكلم بتفاصيل بالإذن من الوزراء، ولكن هذا واقع موجود، وفي ظلّ هذا الواقع الأميركان يأخذوننا على كارثة كبرى نقترب منها في لبنان، في الوضع المالي، في الوضع ‏المعيشي، في الوضع ‏الإقتصادي، يعني ليس فقط ممنوع أن تأتي مساعدات على لبنان وقروض للبنان وممنوع الإستثمارات في لبنان، وإذا كان هناك أحد  يجرؤ على أن يستثمر،يهددون عندها اللبنانيين والحكومة اللبنانية، بل أكثر من ذلك، إذا هناك مشاريع لبنانية يمكن أن تقوم بها الحكومة اللبنانية وتفتح لها الأبواب وتدرّ أموالاً على الخزينة اللبنانية،الأميركان يقولوا ممنوع واللبنانيون يخضعون، وآخر الأمر ماذا يصبح الحل إخواني وأخواتي؟ يصبح الحل زيادة الرسوم والضرائب “ما في شي”، زيادة الرسوم والضرائب فقط وإلا لا توجد معاشات، ليس فقط لا يوجد مستشفيات،لا يوجد مدارس السنة القادمة ، بل لا يوجد معاشات.

اليوم إذا كُنا نُريد أن نبحث عن باب الحل يجب أن نخرج من الخضوع لهذه الهيمنة ولهذا التسلط، ما هو مصلحة لبنان يجب أن تقدم عليه الحكومة اللبنانية والمسؤولون اللبنانيون والشعب اللبناني، بعيدا عن المجاملات والخضوع والتذلّل للسفارة الأميركية والأميركيين،وهناك الكثير من الأبواب.

قبل أن أختم هناك نقطة من واجبي أن أتعرض لها، وهي الذكرى السنوية لإنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، طبعا ذكرى مؤلمة وحزينة، نُجدد عزاءنا لِعوائل الشهداء والشفاء للجرحى الذين لا يزالون يتعافون إلى الآن، نعبّر عن مواساتنا لكل الذين أصيبوا، في أعزائهم، في جراحهم، في أجسادهم، في أرزاقهم، وأُريد التذكير كُلنا لا زلنا ننتظر الحقيقة، ولكن الذي ضيّع الحقيقة هو الذي سيّس هذه الحادثة المؤلمة منذ اليوم الأول، هذا الذي ضيّع الحقيقة، لا أحد يذهب إلى مكان آخر ويوجه اتهامات فاضية، هذا الذي يحصل الآن في عين الحلوة ولكن “عمصغّر”، يومها (أي يوم الإنفجار) كُلنا نتذكر،لا زالت الناس “تشيل” أشلاء الشهداء وغير مفهوم شيء من شيء،هناك العديد من المناطق لا زالت تخمّن أن هناك زلزال حصل في لبنان،هناك هزّة أرضيّة، بعدها علِموا أن هناك انفجار في المرفأ، خرجت بعض التلفزيونات الخبيثة واللئيمة والقذرة، يعني الشخص أصبح مضطر أن يستخدم هذه التعابير ليذكر الأشياء بأسمائها ومسمياتها وحقائقها وماهياتها كما يقال، من اللحظة الأولى لا أحد يعرف شيء من شيء، “حزب الله فجّر المرفأ”وبدأ التلحين عليه والغرف السوداء وبعدها المقالات واللقاءات وبيانات وسياسيين،وقامت معركة “إلها أول وما إلها آخر” لتحميل حزب الله مسؤولية تفجير المرفأ، وما زال حتى الآن طبعا، الآن هم يُنزلوا صُورا لإخواننا وأنهم هم من جاؤوا بالنترات، طبعا هذه كلها أكاذيب، الآن لماذا أنا أرجع لأقول الردود، وردينا عليه بالمنطق والدليل وبالحكمة وبهدوء و..إلخ ولكن أريد أن أذكّر بهذا الشيء، عندما استُخدم منذ اللحظة الأولى تفجير مرفأ بيروت لإتهام حزب الله، هم الذين أدخلوا تفجير المرفأ في الصراع المحلي والإقليمي والدولي، عوائل الشهداء يجب أن يعرفوا أنّ السبب الحقيقي لضياع الحقيقة هم هؤلاء، لأنّهم أخذوا هذه المصيبة إلى المكان المُعقّد جدًا وربطوه بكلّ الصراع الموجود في المنطقة، وطبعًا لاحقًا قفزوا لتصفية الحساب مع كلّ الآخرين، ولاحقًا لم يبقَ موضوع حزب الله بالعكس أتتنا رسائل أنّ في التحقيق لا علاقة لحزب الله وحزب الله بريء، أنا أتتني رسائل من جهات مُتعدّدة ومعنية، لكن أصبح المطلوب أن يذهب الاتهام باتجاه فريق سياسي مُحدّد ومُعيّن، بأشخاصه ورموزه، ممّا يعني أنه انتقل التوظيف السياسي لهذه المصيبة من حزب الله إلى فريق سياسي مُعيّن في لبنان، هذا إشاراته كانت واضحة.

وأنا أقول اليوم في هذه الذكرى الأليمة، عندما يذهب القضاء اللبناني والدولة اللبنانية والقوى السياسية اللبنانية إلى المكان الذي يتخلّون فيه عن التسييس وعن الاستهداف السياسي سنكون أمام عملية تحقيق وقضاء حقيقية تُوصل إلى الحقيقة وهذا يجب أن يحصل، هذا الدم لا يجب أن يضيع، المسؤوليات يجب أن تُحدّد. المسؤولون عن هذا التقصير أو عن هذه المصيبة أو عن هذه الجريمة، سمّوها ما شئتم، يجب أن يُعاقبوا، ولكن الذي يُضيّع العدالة مع الحقيقة هو هذا التسييس.

نفس الشيء اليوم نُشاهده في مخيم عين الحلوة. هناك أحداث حصلت في مخيم عين الحلوة، طبعًا حزب الله لا يمتلك رواية لأنّ أناس كثر بدأوا يقولون رواية حزب الله، نحن لا نمتلك رواية لما جرى في عين الحلوة ولسنا معنيين أن نُقدّم رواية، الذي يُقدّم رواية هي وزارة الداخلية، هي قيادة الجيش، قيادة قوى الأمن الداخلي، رئاسة الوزراء، هذه الجهات المعنية هي التي يجب أن تُقدّم رواية عن القتال الدائر في مخيم عين الحلوة باعتبار المخيم يقع على أرض لبنانية تحكمها مؤسسات هذه الدولة كأرض لبنانية عامة. نحن لم نُقدّم رواية، وبالحقيقة حتى الفلسطينيين تسألهم يقولون لك يجب أن نُجري تحقيقًا ويجب أن نفهم ويجب أن نرى وإلى آخره… أنا غير معني أن أُقدّم الآن رواية.

حسنًا، هناك طرفان يتقاتلان، أحدهما حركة فتح والطرف الثاني مجموعات، هناك من يقول إسلاميين وهناك من يقول المتشدّدين، هناك من يقول متطرفين، هناك من يقول جند الشام، هناك من يقول بقايا جبهة النصرة. من اللحظة الأولى والثانية والثالثة ونفس هذا التلفزيون وهذه التلفزيونات، لكن هذا التلفزيون بالتحديد الذي اتهم حزب الله بتفجير 4 آب، يشنّ حملة على حزب الله، من المسؤول عن المعركة في عين الحلوة؟ من الذي افتعل القتال في عين الحلوة؟ من الذي يحرّض الناس على بعضها في عين الحلوة؟ من الذي يعطي السلاح للطرفين في عين الحلوة؟ من الذي يمنع وقف القتال في عين الحلوة؟ حزب الله، هو الذي يتحمّل المسؤولية، هل هناك أقبح من ذلك؟ هل هناك أبشع من ذلك؟ هل هناك أتفه من ذلك؟ طبعًا وهذا ليس أنّ إعلاميًا قد كتب مقالًا، لا، قناة تلفزيونية تُسخّر شاشتها ليل نهار على هذا الموضوع، ذكّرتني بانفجار المرفأ. ورؤساء أحزاب، يعني واحد جالس مع السفيرة الأميركية ، تخرج من عنده فيخرج ويُدلي تصريحًا “إنّني أحمّل حزب الله المسؤولية الكاملة عن القتال في عين الحلوة”، ما علاقة حزب الله بقتال عين الحلوة!؟ لكن خلص، هذا ما نُسمّيه سياسة التفاهة – اسمحوا لي لا بأس – إعلام التفاهة في لبنان، إعلام التضليل وسياسة التضليل والتزوير والتحريف واستخدام أشلاء الشهداء وجراح الجرحى ودموع الأيتام وآلام المتضرّرين والمهجّرين والمشرّدين من بيوتهم بسبب التفجير أو الاقتتال، استغلالها بأبشع صورة، بأسوأ كذب ووقاحة وتزوير نشهده في هذا البلد.

فقط أحببت أن أُلفت لهذه النقطة لأقول نحن لسنا مسؤولين، طبعًا لست معنيًا أن أدافع ولا معني أن أشرح ولا أريد أن أشرح، لكن سأكتفي بأننا لسنا مسؤولين عن المعركة في عين الحلوة، لا علاقة لنا لا من قريب ولا من بعيد، نحن ضدّ هذا الاقتتال ابتداءً واستمرارًا، ونُناشد ونعمل مع كلّ المرجعيات اللبنانية والفلسطينية من أجل وقف هذا الاقتتال، هذا الاقتتال يُؤلمنا على المستوى العاطفي عندما نرى العائلات والنساء والأطفال المشرّدين في الطرقات، عندما نرى البيوت المُدمّرة، وهو أصلًا مخيم هو ليس مدينة، عندما نرى حياة الناس تُدمّر ألا يُؤلمنا، القتلى الجرحى. وهذا يؤذينا، يُؤذي مشروع المقاومة في لبنان وفي المنطقة، يؤذي خطّنا، يؤذي تطلّعاتنا إلى المستقبل، يؤذي آمالنا، هذا الاقتتال يمسّ بآلامنا وآمالنا، ولذلك دَعونا وناشدنا بوقفه ونعمل إن شاء الله مع كل المخلصين ليتوقّف هذا الاقتتال.

الواجب الأخلاقي أيضًا يقتضي في نهاية الكلمة وقفة عند حادث الحريق الذي حصل أمس على طريق المطار وما زالت تداعياته قائمة إلى الآن، يجب الإشادة حقيقة ببطولات وشجاعة وإقدام شباب الدفاع المدني، سواءً الدفاع المدني التابع للدولة أو الدفاع المدني التابع لاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية أو الدفاع المدني التابع للقوى السياسية هنا في المنطقة. يجب أن نخص بالذكر الشاب الشجاع والمقدام والذي هو بحق شهيد، محمد جهاد بيدي، والذي قضى بهذه الحادثة، قضى والكل يشهد على شجاعته، على إقدامه، على تضحيته، لأنّه كما خبرت من الإخوان أنّ الحريق بالطابق الثالث تحت الأرض، حريق قوي جدًا، ولو استمر كان يمكن أن يؤدي إلى كارثة في المبنى وإلى كارثة في المنطقة، مثل العسكري تمامًا الذي في الجبهة، يُدافع ويحمي ضيعته وناسه وأهله وحدوده، هذا الشاب وكل شباب الدفاع المدني هم يُدافعون عن الناس، لكن مرة القادم على الناس رصاص ودبابات ومرة القادم على الناس نار وحريق، نفس الروح، نفس الشجاعة، نفس الإقدام، نفس البطولة، نفس التضحية. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّله، وأتقدّم من عائلته الكريمة بالتعزية وأنا أمس استمعت إلى كلمات والده وما فيها من الاحتساب والتسليم والرضا، بارك الله فيه وفي كل هذه العائلة التي يجب أيضًا أن يُنظر إليها كواحدة من عائلات الشهداء.

وهؤلاء المضحون والمدافعون في الدفاع المدني أيضًا يحب أن يُنظر إليهم رسميًا وشعبيًا بكل التقدير وكل الاحترام وأن تُؤدى إليهم حقوقهم، مثلًا هذا الشاب المضحّي الشجاع الشهيد 15 سنة مُتطوّع ينتظر التثبيت، يعني أن يثبّتوه كموظف، يمكن في المدة الأخيرة قبل عدة أشهر ثبّتوه.

في ختام الكلمة في هذه الذكرى العزيزة جملتين:

الجملة الأولى، أنا شخصيًا أود أن أقول للروح الطاهرة لسماحة الشيخ عفيف النابلسي: أنّ لك عليّ فضلًا مهما شكرته لن أؤدّي شُكره، ليس فقط في دعمك للمسيرة وللموقف وللمقاومة التي كنت جزءًا منها، بل فيما يتعلّق بي شخصيًا، في محبّتك وعاطفتك وأبوّتك واحترامك وتقديرك وحسن ظنّك بي وأملك الكبير الذي علّقته عليّ، والذي لم تكن تُعبّر عنه فقط لي أو في جلساتك الداخلية وإنّما كنت تكتب فيه مقالات تُنشر في الصفحات، وخصوصًا في المقاطع الحسّاسة وفي المواقف الصعبة، في حربٍ هنا أو تدخل في سوريا هناك عندما كانت تزيغ بعض الأبصار أو تزل بعض الأقدام. هذا الحب وهذا الودّ وهذا الاحترام وهذا التقدير وهذا الرهان، أنا أشكره دائمًا وأبدًا لسماحة الشيخ عفيف(رضوان الله تعالى عليه)، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون لائقًا بحبه وتقديره واحترامه وحسن ظنّه.

والجملة الأخيرة أقول له: أنّ إخوانك وأبناءك وبناتك وأخواتك في حزب الله كما أفراد عائلتك، نحن إن شاء الله سنحمل وصيّتك كما حملنا كل وصايا شهدائنا وكبارنا وأعزائنا وأحبائنا ونمضي في هذا الطريق. إن شاء الله يا شيخنا العزيز والكبير ستشهد مقاومتك المزيد من الانتصارات، وسيشهد شعبك المزيد من العزة والكرامة والسعة والحرية والتحرّر من إرادة الشياطين والمستكبرين. إن شاء الله يا شيخنا الكبير والعزيز والحبيب سيصلّي أبناؤك وأحباؤك في القدس وسيهدون ثواب الصلاة لروحك الطاهرة. هذه القدس التي قال عنها الإمام موسى الصدر في الأيام الصعبة، في قلّة الناصر وكثرة العدو والتواطؤ والتخاذل والخيانة والهزيمة والفتن، “إنّ شرف القدس يأبى أن يتحرّر إلا على أيدي المؤمنين”، هؤلاء المؤمنون أبناؤك وأحباؤك سيحرّرون القدس وسيصلون في المسجد الأقصى نيابة عنك.

مجدّدًا إلى روحه الطاهرة ثواب الفاتحة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وشكرًا لحضوركم.

المصدر: العلاقات الاعلامية - حزب الله

رأيكم يهمنا

شاركوا معنا في إستبيان دورة برامج شهر رمضان المبارك