كلمة الإمام الخامنئي في الذكرى السنوية السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني(قدّس سرّه) – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

كلمة الإمام الخامنئي في الذكرى السنوية السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني(قدّس سرّه)

كلمة الإمام الخامنئي في الذكرى السنوية السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني(قدّس سرّه)
كلمة الإمام الخامنئي في الذكرى السنوية السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخميني(قدّس سرّه)

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین الهداة المهدیّین،لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.
اجتماعٌ في غاية البهاء والعظمة، انعقد في هذا المكان تكريماً لذكرى إمامنا الخميني العظيم، كما وانعقد ما يشابه هذا الاجتماع في الكثير من مناطق البلد الأخرى إحياءً لذكرى الإمام وإظهاراً لخالص الودّ والعشق إليه.
الإمام في شهر شعبان..
إنّها الأيام الأخيرة من شهر شعبان المفعم بالبركة. كان إمامنا الكبير –باحتمال قوي– يتزوّد معنوياً،بشكل وافر، من هذا الشهر. وتدل القرائن والشواهد على أن ذلك القلب النورانيببركة هذا الشهر كان يزداد نوراً وتألقاً.لطالما تكررت على لسان الإمام خلال كلماته وخطاباته في شتى المناسبات، هذه الفقرة المعروفة من المناجاة الشعبانية: «إِلهي هَب لي کَمالَ الاِنقِطاعِ إِلیكَ، وَأَنِر أَبصارَ قُلوبِنا بِضِیاءِ نَظَرِها إِلَیك»[1]. وهذا يدلّ على أن إمامنا العظيم كان مأنوساً بهذه المناجاة وبمضامينها وبهذه الأيام المباركة. لقد سألته أيضاً يوماً عن الأدعية،فكان من الأدعية التي يعتمد الإمام عليها ويفضّلها على غيرها، هذه المناجاة الشعبانية. وهي تنطوي على فقرات هامة، منها: «إِلهي هَب لي قَلباً یُدنیهِ مِنكَ شوقُه، وَلِساناً یُرفَعُ إِلَیكَ صِدقُه، وَنَظَراً یُقَرِّبُهُ مِنكَ حَقُّه»[2]. هذه هي الصفات التي نطلبها من الله سبحانه وتعالى في هذا الدعاء الشريف وفي هذه المناجاة، وهي تمثّل درساً لنا.

وكان إمامنا الجليل مأنوساً بهذه الدروس طيلة عمره، وببركة هذا الأنس، وبفضل معرفته بمراتب الحق والحقيقة وتقربه من الربّ، وهبه الله سبحانه وتعالى هذه القدرة التي مكّنته من القيام بهذه الحركة العظيمة الخالدة.
“مؤمنٌ متعبّد ثوريّ”
لنتناول الآن الحديث عن إمامنا الكبير. إنّمن العناوين والصفات التي قلما تُذكر للإمام العظيم الراحل، وقلما نصفه بها، أنا أعبّر عنها بعنوان جامع، وهو أنه “مؤمن متعبّد ثوري”. فإننادوماً ما نصف الإمام بصفات عديدة، إلا أنّ هذه الصفة التي قلّما وصفناه بها، تعدّ صفة جامعة شاملة: فهو مؤمنٌ وهومتعبّدٌ وهو ثوريّ.
مؤمنٌ: يعني مؤمن بالله، ومؤمن بالهدف، ومؤمن بالطريق المؤدي إلى هذا الهدف، ومؤمن بالناس. وقد ورد هذا التعبير في القرآن بشأن الرسول الأكرم أيضاً: ﴿یُؤمِنُ بِاللهِ وَیُؤمِنُ لِلمُؤمِنین﴾[3]. الإيمان بالله وبالهدف وبالطريق وبالناس.
عبدٌ،متعبّدٌ: يعني أنه يعتبر نفسه عبداً أمام الله، وهذه بدورها صفة فائقة الأهمية. ولكم أن تلاحظوا بأن الله تعالى قد وصف نبيه في القرآن بصفات عدة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[4]، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾[5]، إلى غير ذلك من الصفات التي تكشف كل واحدة منها عن فصلٍ كبيرٍ من خصائص الرسول، لكن تلك الصفة التي أُمِرنا نحن المسلمين أن نُكرّرها بشأن النبي في صلواتنا كل يوم هي: «أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسولُه»، وهذه تدل على أهمية العبودية. فإن لهذه الصفة من العظمة والشأن الرفيع ما أدى إلى أن يأمر الله تعالى المسلمين بتكرارها كلّ يومٍ في صلواتهم لعدة مرات. كان الإمام يتحلى بهذه الصفة، وهي صفة العبودية؛  كان من أهل الخشوع والتضرّع والدعاء، وكان مؤمناً متعبّداً.
وأما الصفة الثالثة المتمثلة بالثورية، فهي تلك النقطة التي أودّ أن أشدّد عليها وأتحدث عنها بشكل مفصل. فقد كان الإمامُ إمامَ الثورة.
النزعة الثورية هي السبب..
الثورة كلمة واحدة ولكنها تنطوي في مكنونها على حقائق لا تحصى، إمامُ الثورة هو الرائد في كل هذه الخصائص التي تتضمنها مفردة الثورة.إن سبب غضب القوى المادية المتواصل وغيظهم تجاه الإمام الجليل وهلعهم منه أيضاً،  يعود إلى هذه الصفة، وهي ثورية الإمام، وهم يعادون هذه الصفة.واليوم أيضاً أعداء الشعب الإيراني يخاصمون ويعادون توجّهاته الثورية. وأساساً فإن القوى المادية تخاف وتخشى وتفر من كلمة «الثورة الإسلامية». والنزعة الثورية هي السبب الذي يقف وراء الضغوط التي يمارسونها، وسأبيّن ما هي المفاهيم والمعاني والخطوط التي تنطوي عليها هذه الصفة. ولذا فإن لهم الحق في أن يهابوها ويخافوا منها. علماً بأنهم يفرضون الضغوط بذرائع شتى، فتارة بذريعة الطاقة النووية، وأخرى بذريعة حقوق الإنسان ونحو ذلك، ولكنّ حقيقة الأمر هي أن أعداء الشعب الإيراني وأعداء إيران الإسلامية لديهمخوف وقلق من النزعة الثورية. ففي الآونة الأخيرة، وقبل بضعة أشهر، قال أحد الساسة الأمريكيين: لقد فُرضتالعقوبات على إيران بسبب الثورة الإسلامية، وأساس الحظريرتبط بالثورة التي انطلقت عام 1979! وهذه حقيقة.

ولكن ما هو السبب في ذلك؟ ولماذا يعارضون الثورة؟ السبب هو أن هذا البلد الواسع والمترامي الأطراف، والزاخر بالخيرات، والغني بالثروة الطبيعية والإنسانية، كان بأسره في  مخالب القبضة الأمريكية، فجاءت الثورة وأخرجتهم من البلد؛ معاداة الثورة لهذا السبب. فإنها من جانب طردتهم، ومن جانب آخر أصبحت مُلهمة للآخرين. حيث إن الثورة الإسلامية التي انطلقت في هذا البلد علی أيدي الناس، وواصلت مسيرتها، أضحت مُلهمة للشعوب الأخری، وهذا في محله بحث مفصّل له أدلة كثيرة.

تحوّلٌ كبير وتغييرُ مسار
لقد أخرج إمامنا الثوريُّ البلدَ من مستنقعات عدّة وأنقذه منها بواسطة الثورة. وعلی شبابنا الأعزاء الذين لم يشهدوا فترة ما قبل انتصار الثورة ولم يلمسوها، أن يدقّقوا ويتنبّهوا الى أن هذه هي القضية الرئيسية. فلو جهل شعبٌ قضيته الأساسية،فإنه سيضل الطريق. والقضية هي أن الثورة الإسلامية انطلقت وأنقذت البلد من مستنقعات عدة؛ مستنقع التبعية، ومستنقع التخلّف، ومستنقع الفساد السياسي، ومستنقع الفساد الأخلاقي، ومستنقع الحقارة الدولية. حيث كنّا نعاني من هذه الأمور، وكنا أتباعاً، معرَّضين للتحقير والإهانة، لقد فُرض علينا التراجع والتخلّف في العلم والاقتصاد والتكنولوجيا والحضور الدولي الفعال، وفي كل شيء. بدلاً من ذلك كانت أمريكا وبريطانيا هي السيد الآمر والناهي لنا!. فقد كنّا يومذاك نصدّر البترول بأربعة أضعاف ما نصدّره في الوقت الراهن، وكان سكّان البلد أقل من نصف ما هم الآن عليه، ومع ذلك فقد كانت معظم نقاط البلد محرومة من الخدمات الحكومية العامة التي تقع علی عاتق الحكومات، وكان البلد رازحاً تحت وطأة الفقر والتخلف والفساد الأخلاقي، وكان في كل بناه التحتية -بما فيها الطرق، والمياه، والكهرباء، والغاز، والمدارس، والجامعات، والخدمات المدنية- يعاني من الآفات والتخلف والتأخّروالفقر والحرمان، وكانت خيراته الطبيعية بين يدي الأجانب، وكان الجهاز الحاكم هو الذي يتمتع بها، ويكمّ أفواه الناس عبر الإغراء أو القوة والإرعاب، غير أن الناس كانت قلوبهم قد مُلئت غضباً، وكانوا يدركون الحقائق، وبالتاليأدت تلبيتهم لذلك النداء الرباني الإلهي للإمام الخميني العظيم إلی انطلاقة الثورة.

فقد بدّل إمامنا الجليل المسيرة، وقام بإيجاد تحوّل كبير، وغيّر مسار الشعب الإيراني، وبدّل سكّة القطار، وسار بنا نحو الأهداف الكبری.وهذه الأهداف التي وجّهتنا الثورة وإمام الثورة إليها،وقاما بهداية المجتمع الإيراني نحوها، تمتاز بأهمية بالغة. وهي أهدافٌ تتلadخّص في حاكمية دين الله،التي تعني العدالة الاجتماعية بمعناها الحقيقي، وتعني اجتثاث الفقر، وتعني استئصال الجهل، وتعني اقتلاع جذور الاستضعاف، وتعني إحلال منظومة من القِيَم الإسلامية، وتعني القضاء علی الآفات الاجتماعية، وتعني تأمين السلامة البدنية والسلامة الأخلاقية والمعنوية والتقدم العلمي في البلد، وتعني تحقيق العزة والهوية الوطنية الإيرانية والاقتدار الدولي، وتعني تعبئة الطاقات والإمكانيات التي أودعها الله في هذه الأرض. هذه كلها تندرج تحت حاكمية دين الله، والإمام قد هدانا للسير في هذا الاتجاه، وهو بالضبط علی النقيض من ذلك الطريق الذي كانوا يسوقوننا إليه في عهد نظام الطاغوت.

حسناً،إن هذه الأهداف التي سار باتجاهها قطار المجتمع الإسلامي ببركة الثورة، أهدافٌ بعيدة المنال، تستغرق وقتاً، وتحتاج إلی مضي الزمن، وتتطلّبسعياً وجهداً، ولكن يمكن التوصّل إليها جميعاً بشرط واحد، وهو أن يسير القطار ويتقدم علی هذه السكة نفسها، وهي سكة الثورة. فقد دلّنا الإمام علی الطريق، وأرانا المعايير والمعالم، وحدّد لنا الأهداف، وبدأ بهذه الحركة بنفسه.ونحن حتی يومنا هذا، وبفضل السير في الاتجاه الثوري، حققنا مكاسب كثيرة، ولكن مازال هناك بون شاسع بيننا وبين تلك الأهداف. ويمكننا بالطبع بلوغ تلك الأهداف، شريطة أن يتحرك القطار علی نفس هذه السكة، وهي السكة التي سار الإمام بقطار المجتمع الإسلامي عليها.

 العمل بثورية؛ تقدُّمٌ قطعيّ
وبعد رحيل الإمام، كنا كلما عَمِلنا بثوريةٍ تقدّمنا للأمام، وكلما غفلنا عن النزعة الثورية والحركة الجهادية تراجعنا وفشلنا وتخلفنا، وهذه حقيقة. لقد كنتُ أنا مسؤولاً خلال هذه السنوات؛ وإن كان هناك تقصير في الأمر، فهو موجَّه لهذا الحقير أيضاً. ومن هنا،فحيثما كنا ثوريين، وتحركنا حركة جهادية، وسرنا علی هذه السكة، تقدّمنا، وأينما قصّرنا وغفلنا، تراجعنا للوراء. فيمكننا الوصول بشرط أن نتحرك بثورية ونتقدم إلی الأمام بثورية.
المخاطَب في هذا الكلام، هو جيل اليوم وجيل غدٍ وأجيال المستقبل، والمخاطَب كلنا؛ أي المسؤولون، والناشطون في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية، والشباب، والجامعيون، وطلبة العلوم الدينية، والحِرَفِيّون، والقرويّون، والمدنيّون، والكل مخاطَبٌ في هذا الكلام، وعلی الجمیع أن يعلموا أنّ بالإمكان انتهاج هذا النهج بطريقة ثورية، وعندذاك سيكون التقدم أمراً قطعياً، وبالإمكان اتّباع أسلوب آخر، وحينها سيكون المصير فجيعاً مؤلماً. وللإمام تعبير شائع، طالما كرره في مواطن عدة حيث يقول: «سوف يتلقى الإسلام صفعة»!. إن غيّرنا المسار، سيتلقّی الشعب الإيراني صفعة، وسيتلقی الإسلام صفعة كذلك. الحديث ذو شجون؛ الكلام في هذا المجال كثير وضروري.
… منافعها تفوق تكاليفها الباهظة
الرجاء الانتباه،فأناأود أن أغتنم هذه الفرصة، وأن أقول لكم وللشعب الإيراني، يا أعزائي! إنالثورة تمثل رصيداً ممتازاً وفريداً لشعبنا وبلدنا. وقد دفعنا أثماناً باهظة لاكتسابها، بيد أن منافعها تفوق تلك الأثمان مئات الأضعاف، وهذه تجارة مربحة لأبناء الشعب. أجل، فلقد كانت ثمانية أعوام من الحرب ثمناً، والاضطرابات ثمناً، والعقوبات ثمناً، وهذه كلها من أثمان الثورة وتكاليفها، إلا أن الأرباح المكتسبة في هذا الطريق تفوق التكاليف أضعافاً مضاعفة، ولقد كانت التكاليف والمنافع والأرباح مترافقة مع بعضها البعض منذ البداية، فدفعنا الكلفة من جانب، وربحنا من جانب آخر. ففي الحرب انطلق شبابنا ونالوا الشهادة، بيد أن الشعب وفئة الشباب في البلد حصلوا علی إنجازات كبری من نفس هذه الحرب الباهظة الكلفة. فقد كانت هذه التكاليف والمنافع منذ البداية مترافقة مع بعضها الآخر، ولكن كلما تقادمت الأيام، قلّت الكلفة وهان تحمّلها من جهة، وتضاعفتالمنافع واتّسعت من جهة أخرى. اليوم هو ذلك اليوم الذي نستطيع فيه، ويستطيع الشعب الإيراني فيه، اكتساب منافع كبری من الثورة من دون أن يدفع الثمن غالياً، وهذه القدرة متاحة في الوقت الراهن. فقد تجذّرت الثورة، وترسّخت شجرة النظام الإسلامي، وتبيّنت الكثير من الحقائق، وأتيحت السُبُل، واتضحت اليوم الأوضاع لشعب إيران، وتهيأت الأرضية وتعبّدت الطرق أكثر مما مضی، فالكلفة موجودة وستستمر، ولكنها قلّت وتيسّر دفعها وتجنّبها أكثر من الماضي.
ثورةٌ شعبيّة ثابتة!
هناك نقطة هامة: إن هذه الثورة لم تتحقق بالانقلاب ولا بالحركة العسكرية، كما هي حال بعض الثورات التي قام فيها عددٌ من الضباط العسكريين بإسقاط حكومة وإحلال حكومة أخری محلّها.. كلا، وإنما تحققت الثورة بواسطة الناس، وعزائمهم، وطاقاتهم الثورية، وإيمانهم، وبنفس هذه القوی دافعت عن نفسها وبقيت وتجذّرت. فإن أبناء شعب إيران الأعزاء، هم الذين لم يخافوا ولم يرتعبوا، وهم الذين صمدوا وثبتوا وأصبحوا مصداقاً لهذه الآية الشريفة: ﴿اَلَّذینَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعُوا لَکُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إِیمانًا وَقالُوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَکیل﴾[6]. فقد تعرّضنا لتهديدات مستمرة، ولطالما كرروا تهديدهم بأننا سنهاجمكم، وسنفرض الحظر عليكم. غير أن الناس لم يخشوا التهديد العسكري، ولم يهابوا الحظر، ولم يشلّوا من العقوبات، بل واصلوا مسيرتهم ببسالة وشجاعة وعزة وشموخ، ويجب أن يكون الوضع كذلك دومًا. فعلی أبناء شعبنا، ومختلف شرائحنا، وشبابنا، وعلمائنا، وحِرَفيّينا، وجامعيّينا، وباحثينا، ومسؤولينا، ورجال حكومتنا، وأعضاء مجلسنا، أن يثبتوا علی ثوريتهم، وأن يكونوا ثوريين في حركتهم ــ وسأبيّن بعض المؤشرات فيذلك ــ، وأن يكون الجميع ثوريين، لنتمكن من مواصلة هذا الطريق والمضيّ فيه قُدماً بتوفيق ونجاح.
الثورة كالموج الهادر
من الخطأ أن نتصوّر أنّ الثوريّ الوحيد هو ذلك الذي كان في عهد الإمام الخميني، أو في فترة النضال إلی جانب الإمام. كلا، فإن البعض وكأنه يخال أن الثوريين هم أولئك الذين صاحبوا الإمام في عصره، أو في فترة الكفاح، أو في عهد حكومته. كلا، فلو فسّرنا الثورية بهذا المعنی، لما بقي من الثوريين سوی نحن الشيوخ والطاعنين في السنّ. فإن الثورة للجميع، وإن شبابنا أيضاً ثوريون، وبوسعهم أن يكونوا ثوريين بتلك المعايير والمعالم التي سوف أطرحها، بمقدور الشابّ المعاصر أن يكون أكثر ثورية مني أناصاحب السوابق فيالثورة، كما شاهدنا في أيام الدفاع المقدس أناساً حملوا أرواحهم علی أكفّهم، وهبّوا إلی جبهات القتال دفاعاً عن الثورة وتنفيذاً لأمر الإمام، وبذلوا مهجهم، فأولئك هم الثوريون مئة بالمئة، وهم الثوريون الكُمَّل، وأولئك هم المستعدون للفداء والتضحية، فلا ينبغي لنا أن نحصر الثوريَّة بجماعة كانوا مع الإمام في أيام النضال، أو كانوا يعرفون الإمام، أو كانوا من أصحابه. كلا، فالثورة كالموج الهادر والتيار الجاري، وكل من ينزل إلی الساحة بهذه الصفات ويبذل جهوده علی مرّ التاريخ فهو ثوريّ، حتی ولو لم يشهد الإمام، كما هو حال غالبيّتكم أنتم الشباب.
وإن من الخطأ أيضاً أن نزعم بأننا إذا قلنا فلان ثوري، يعني أن فلاناً متطرّف، أو إذا أردنا أن نشير إلی الثوريين، عبّرنا عنهم بالمتطرّفين. كلا، هذا خطأ. فالثورية لا تعني التطرّف. إنّ هذه الثنائيات التي هي من “هدايا” الأجانب ومن أقوال أعداء إيران، لا ينبغي أن تشقّ طريقها إلی داخل البلد وإلی ثقافتنا السياسية، فإنهم يصنّفون الناس إلی متطرّف ومعتدل، نحن ليس لدينا تصنيفاً كهذا، هم يقولون عن الثوريّ متطرّف، وعن غير الثوري معتدل! وهذه ثنائية أجنبية غريبة عنا، هم يكرّرون ذلك في إذاعاتهم ووسائل إعلامهم وتصريحاتهم، ولا ينبغي لنا أن نكرّر نفس الأمر. فالثوري، ثوري.
ثوريّ على اختلاف النهج..
وإنّ من الخطأ كذلك أن نتوقّع من جميع الثوريين نهجاً ثورياً واحداً أو درجة واحدة من الثورية. وعلی حدّ قولنا نحن طلبة العلوم الدينية،فإن مقولة الثورية هي”تشكيكية”(ذات مراتب).فقد تكون حركة شخصٍ في سبيل مفاهيم الثورة والعمل الثوري أفضل، وحركة شخص آخر لا تصل إلی نفس تلك الجودة، ولكنه يسير في نفس ذلك الطريق. فمن الخطأ أن نتّهم كل من لا يتحرّك جيّداً أو لا يتحرّك أساساً بأنه غير ثوريّ أو أنه معادٍ للثورة، فقد تكون قيمة حركة البعض مئة درجة، والبعض الآخر أقل منهم وهكذا، غير أن الجميع يسير في هذا المسير. فالمهم تطبيق تلك المؤشرات، المهم هو المؤشرات نفسها، المهم هو أن ذلك الشخص الذي لا يتحرك بتلك القوة والجدية أيضاً لديه مؤشرات النزعة الثورية. فلو توافرت هذه المؤشرات، لكان ذلك الفرد ثورياً، وتلك الجماعة ثورية، وتلك الحكومة ثورية، وتلك المنظمة ثورية، والأساس هو أن نعرف المؤشرات.
ثمة مؤشرات ومعالم للاتصاف بالثورية، سأذكر هنا خمسة منها، علماً بأنها تفوق ذلك، ولكني سأطرح الآن خمسة مؤشرات للثورية ويجب علينا أن نسعی لإيجادها في أنفسنا والحفاظ عليها، أينما كنّا؛ فواحد في مجال الفنّ، وآخر في مجال الصناعة، وثالث في مجال النشاط السياسي، ورابع في مجال النشاط العلمي، وخامس في مجال النشاط الاقتصادي والتجاري، ولا فرق في ذلك، وبالإمكان أن تتوافر هذه المؤشرات في كافة أبناء الشعب الإيراني.
والمؤشرات الخمسة التي سأشرحها عبارة عن:
المؤشر الأول: الالتزام بمبانيالثورةوقِيَمها الأساسية.
المؤشر الثاني:تحديد مبادئ الثورةكأهدافٍ وشحذ الهمم العالية لتحقيقها، حيث يجب علينا أن نأخذ مبادئ الثورة وأهدافها السامية بعين الاعتبار، وأن نمتلك الهمة لبلوغها.
المؤشر الثالث:التمسك بالاستقلال الشامل للبلد؛ الاستقلال السياسي والاستقلال الاقتصادي والاستقلال الثقافي – الذي هو أهم من الجميع – والاستقلال الأمني.
المؤشر الرابع: الحساسية تجاه العدوّ وممارساته ومخططاته وعدم اتّباعه، ولا بد في ذلك بالطبع من معرفة العدو، والوقوف علی مخططاته، ورفض تبعيّته – ولقد ذكرنا بأن القرآن عبّر عن عدم التبعية بـ«الجهاد الكبير»، وتحدثتُ بهذا الشأن مرتين أو ثلاثاً خلال الآونة الأخيرة -.
المؤشر الخامس: التقوی الدينية والسياسية، وهيعلى جانب كبير من الأهمية. فلو توافرت هذه المؤشرات الخمسةفي أحد، لكان حتماً من الثوريين، مع اختلاف بالطبع في درجات النزعة الثورية كما ذكرنا. وسأقدّم بشأن كل واحد منها، توضيحاً مقتضباً ومختصراً.
مباني الإمام:
ذكرنا بأن المؤشر الأول هو الالتزام بقيم ومباني الإسلام الأساسية. ولقد تحدّثتُ في العام الماضي وفي هذا اللقاء حول مباني الإمام وأسسه، وهذه هي مبانينا الأساسية. المبنی الأول: الالتزام بالإسلام الأصيل في قبال الإسلام الأمريكي. والإسلام الأمريكي لديه فرعان: الأول الإسلام المتحجّر، والثاني الإسلام العلماني. هذا هو الإسلام الأمريكي. والاستكبار والقوی المادية كانوا ولايزالون يدعمون كلا هذين الفرعين، ففي بعض الأماكن أسّسوا، وفي بعض المواطن وجّهوا، وفي بعض الموارد دعموا.والإسلام الأصيل يقف في مواجهتهم، وهو ذلك الإسلام الشامل الذي يشمل كل شيء من الحياة الفردية والخلوة الخاصة للإنسان حتىإقامة النظام الإسلامي.هو ذلك الإسلام الذي يحدّد واجباتنا أنا وأنتم تجاه العائلة وفي الخلوات الشخصية، ويحدد واجباتنا في المجتمع أيضاً، ويحدّدها تجاه النظام الإسلامي وإقامته كذلك. هذا هو الإسلام الأصيل. وهذا هوأحدالمباني التي يجب الالتزام بها.
ومن المباني الأخری محورية الشعب؛ ذلك أننا حين نرفق الشعبية ومحورية الشعب بالإسلام، ستنتج الجمهورية الإسلامية من هذا التركيب. والجمهورية الإسلامية تعني أن الناس هم المحور، وأن المقاصد لهم، والأهداف متعلقة بهم، والمنافع مُلكهم، ومجريات الأمور بأيديهم. ومحورية الناس هي: رأيهم، وإرادتهم، وحركتهم، وعملهم، ووجودهم، وكرامتهم في نظام الجمهورية الإسلامية. وهذه هي الأخری من تلك المباني التي يجب الإيمان بها بكل ما فيالكلمة من معنی.
ومن المباني والقيم الأساسية هي الإيمان بالتقدّم والتحوّل والتكامل والتعامل مع المحيط، إلی جانب تحاشي الانحرافات والأخطاء التي قد تعترض هذا الطريق. فلابد أن يطرأ التحوّل والتكامل علی علومنا الفقهية، والاجتماعية، والإنسانية، وعلی سياستنا، ومناهجنا المختلفة، وأن تتحسّن يوماً بعد آخر، ولكن علی يد الخبراء والمتخصصين والمتعمّقين والمؤهّلين لإبداع الطرق الحديثة،وأما أنصاف العلماء والأشخاص غير المتخصصين ممن لاخبرة لديهم،والمدّعون،فلا يستطيعون القيام بشيء. ولذا لا بد من الالتفات الى هذا الأمر، وهذه كلها تمثل صراطاً ذا يمين وشمال، والواجب هو السير في وسط الجادة.
دعم المحرومين، هو الآخر من مباني النظام الإسلامي وقيمه الأساسية. والمبنی الآخر مساندة المظلومين في أي بقعة من بقاع العالم. وهذه هي من ركائز وقيم الثورة الأساسية التي لا يمكن التغاضي عنها. فلو أن فرداً أو جماعة أو تياراً لم يكترث بالمحرومين، أو لم يعبأ بالمظلومين في العالم، لا يتسم بهذا المؤشر.
السرّ في الاستقامة
ولو توافر الالتزام بالقيم الأساسية – وهو المؤشر الأول -، ستكون الحركة متواصلة مستقيمة، لا يطرأ عليها التغيير في عواصف الأحداث. ولو لم يتوافر هذا الالتزام، ستظهرالنقطة المضادة له وهي النزعة العملية الإفراطية (البراغماتية المتطرفة)؛أي أن يميل المرء في كل يوم إلی اتجاه، وأن تجرّه كل حادثة إلی جانب.
]وعلیحدّ قول الشاعر[
« كريشة  في مهب الريح تقذفني  وساوس الغير وتسويلات النفس».
وهذا يجر نحو النزعة العملية[7] (البراغماتية)، والميل في كل يوم إلی اتجاه وجانب معين؛ وهي تتنافی مع ذلك الالتزام. علماً بأن القرآن قد أطلق علی الالتزام بالمبادئ والقيم عنوان «الاستقامة»كقوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾[8]، في سورة هود المباركة، أو قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ﴾[9]. إذاً فالاستقامة هي الالتزام بالمبادئ والقيم في التعبير القرآني.
طريق التقدم لا نهاية له
والمؤشر الثاني هو الهمة العالية لبلوغ المُثُل والأهداف الكبری، وعدم الإعراض والانصراف عنها. والنقطة المعاكسة لذلك هي التكاسل والإحباط والنزعة المحافظة. فالبعض يحاول أن يبث في نفوس أبناء مجتمعنا وشبابنا اليأس والإحباط، قائلين: «لا جدوی أيها السيد، ولا يمكن، ولا نصل، وأنّی لنا ذلك مع كل هذا الخِصام والعِداء»، وهذه هي النقطة المعاكسة للمؤشر الثاني. فالمؤشر الثاني هو أن لا نُعرض أبداً عن بلوغ تلك الأهداف والمُثُل العليا، وأن لا نستسلم أمام الضغوط.بالتأكيد، حين تسير في طريق، قد تربّص فيه العدوّ، سيضع أمامك العقبات، ولكن لا ينبغي أن تحول هذه العقبات بينك وبين السير ومواصلة الحركة. فلا نستسلم أمام الضغوط، ولا نرضی بالوضع الموجود،لأن نتيجة الرضى بالوضع الموجود هي التراجع والتخلف. ولطالما ذكرتُ بأن علی الشباب أن يتجهوا باتجاه التقدم والتحول الإيجابي. وأما لو رضينا بالشيء المتوافر لدينا – فقد حققنا علی سبيل الفرض في الشأن العلمي حالات من التقدم، وحظيت باعتراف العالم كله، وأقرّ بأننا تقدمنا -واقتنعنا بهذا المقدار، فسوف نتخلف ونتراجع. كلا، فطريق التقدم لا نهاية له، ولا بد من المضيّ قُدماً حتی بلوغ الأهداف الكبری.
والمؤشر الثالث كما ذكرنا هو التمسك بالاستقلال الذي يتسم بأهمية كبيرة؛ بما فيه الاستقلال الداخلي والإقليمي والعالمي والدولي، وصيانة استقلال البلد والنظام علی جميع هذه الأصعدة.

الاستقلال السياسي: عدم الدخول في لعبتهم
]فالاستقلال السياسي[ يعني ألّا نُخدع في الشؤون السياسية؛ ذلك أن العدوّ الذي يهدف إلی فرض التبعيّة له علی الحكومات والشعوب، يتشبّث بشتی الأساليب. فإنه لا يتكلم دوماً بلغة التهديد، بل أحياناً يمارس أسلوب التملّق في كلامه، وأحياناً يبعث برسالة قائلاً للطرف الآخر: تعالوا معنا نحن الأمريكيين لنتشارك معاً ونعمل سويةً لمعالجة القضايا العالمية، ويصبّ حديثه في هذا القالب، وهنا قد تُساور المرء الوساوس قائلاً: لنذهب ونتعاون مع قوة كبری في تسوية القضايا الدولية. فإنهم يتحدثون بهذا الأسلوب في إطار المراسلات الرسمية الدبلوماسية، ولكن باطن القضية ليس كذلك. وإنما يتبيّنأن لديه خطة، ويدعوك لأن تدخل في خطته، وأن تلعب دوراً في ساحته التي رسمها، وقد حدّد بنفسه نوع اللعبة أيضاً، فيطالبك بأن تؤدي له هذا العمل، ليتحقق ذلك الهدف الذي رسم الخطة من أجله. وما كان رفضنا للدخول فيما يسمی بالتحالف الأمريكي في قضايا المنطقة والقضية السورية وأمثالها – رغم مطالبتهم بذلك مراراً – إلا لهذا السبب. فإن العدو قد رسم خطة، وحدّد أهدافاً، ويرغب في بلوغها، ويحبّذ بالطبع استثمار قدرات وطاقات ونفوذأيّ بلد ، ومنها الجمهورية الإسلامية. فلو تصرّفت الجمهورية الإسلامية هنا بسذاجة، ودخلت في لعبته، يعني أنها ملأت جدول أعماله، وأكملت خطّته،وهذا ما يتعارض مع الاستقلال. والعملية هذه في ظاهرها لا [تعني بأن] تُسلّم مقاليد الأمور في بلد لحكومة أو شخص، حتی نقول بأنه قد تبدّد استقلال البلد؛ ولكنها [في الحقيقة] مخالفةللاستقلال السياسي.
الاستقلال الثقافي في مواجهة التقليد الغربي
والاستقلال الاقتصادي مهم أيضاً، ولكن أودّ أن أتعرض أولاً للشأن الثقافي والاستقلال الثقافي الذي أعتبره أهم منها جميعاً. الاستقلال الثقافي هو أن نختار في حياتنا، نمط الحياة الإسلامية – الإيرانية. ولقد أسهبتُ في الكلام بشأن نمط الحياة قبل عامين أو ثلاثة. ونمط الحياة يشمل الهندسة المعمارية، والحياة في المدن، وحياة الإنسان، والعلاقات الاجتماعية، وشتی المسائل الأخری.إن تقليد الغرب والأجنبي في نمط الحياة، يقع بالضبط في الجهة المخالفة والمعاكسة للاستقلال الثقافي. ونظام الهيمنة يبذل جهوده في الوقت الراهن علی هذه القضية. فإن هندسة المعلومات، والأدوات الحديثة التي ظهرت في الساحة، كلها أدواتٌ للهيمنة علی ثقافة بلد ما.ولا أريد بذلك القول بإخراج هذه الأدوات من حياتنا. كلا، فإنها أدوات قد تكون مفيدة، ولكن ينبغي سلب سيطرة العدو منها.فمن أجل أن تتوافر لكم شبكات الإذاعة والتلفاز علی سبيل المثال، لا يمكنكم أن تضعوها بين يدي العدو، وهكذا هي الشبكة العنكبوتية، والفضاء الافتراضي، وأجهزة المعلومات وأدواتها، إذ لا يمكن وضعها بين يدي العدو، إنها اليوم في حيازته وبين يديه، وهي وسيلة لنفوذه الثقافي، وأداة لهيمنته الثقافية.
الاستقلال الاقتصادي: رفض ابتلاع الاقتصاد الإيراني
والاستقلال الاقتصادي باختصار، هو عدم الذوبان في هاضمة اقتصاد المجتمع العالمي. ولكم أن تلاحظوا بأن الأمريكيين أنفسهم، وفي خضم قضايا ما بعد المفاوضات النووية، قالوا بأن التعامل النووي لا بد وأن يؤدي إلى دمج الاقتصاد الإيراني في اقتصاد المجتمع العالمي، ولكن ما هو المراد بالدمج؟ وما هو اقتصاد المجتمع العالمي؟ وهل اقتصاد المجتمع العالمي قائم علی نظام عادل منطقي عقلائي؟ كلا وأبداً. فالاقتصاد الذي رسم المجتمع العالميّ خطته، وانتشرت مظاهره المتنوعة في جميع أرجاء العالم، هو عبارة عن خطة ونظامٍ أسسته الطبقة الرأسمالية الصهيونية في غالبيتها وغير الصهيونية في قسم يسير منها، للاستيلاء علی الموارد المالية في العالم بأسره. هذا هو نظام المجتمع العالمي والاقتصاد العالمي. وأن يعمد بلدٌ إلی دمج اقتصاده في الاقتصاد العالمي، لا يعد فخراً، بل يمثّل خسارة وضرراً وهزيمة. كما إنهم كانوا يقصدون من العقوبات أيضاً هدفاً اقتصادياً، وهذا ما صرّح به الأمريكيون أنفسهم بأنهم فرضوا الحظر علينا من أجل شلّ الاقتصاد الإيراني. والآن حيث دارت المفاوضات النووية، وأفضت إلى نتائج معينة، نجد أن واحداً من أهدافهم في هذه القضية أيضاً هو الشأن الاقتصادي؛ أي ابتلاع الاقتصاد الإيراني بواسطة هاضمة الاقتصاد الدولي والعالمي الذي تتزعّمه أمريكا.
الاقتصاد المقاوم هو السبيل..
تحقيق الاستقلال الاقتصادي يكون فقط عبر الاقتصاد المقاوم؛حيث أطلقنا علی هذا العام اسم: «الاقتصاد المقاوم، مبادرة وعمل». ولحُسن الحظ فقد شرعت الحكومة المحترمة بالمبادرة والعمل، وأنجزت أعمالاً جيدة وفق التقارير التي قدّمتها لي. ولو واصلت طريقها بنفس هذه القوة وهذا الأسلوب، وتقدمت إلی الأمام حقاً، سوف يشهد الناس آثار الاقتصاد المقاوم بالتأكيد. فلا بد من إدراج كل القرارات الاقتصادية الكبری في إطار الاقتصاد المقاوم. ولا بد أن يتبيّن أن الاتفاقيات التجارية أو الصناعية التي نقوم بإبرامها مع البلد الفلاني علی سبيل الفرض، ما هو محلها من الاقتصاد المقاوم؟ فمن الخطأ أن نزعم بأن الازدهار الاقتصادي للبلد لا يتحقق إلابالاستثمار الأجنبي. علماً بأن الاستثمار الأجنبي أمرٌ مطلوب، ولكنه يملأ خانة واحدة من خانات جدول الاقتصاد المقاوم.والأهم من الاستثمار الأجنبي، هو تفعيل الطاقات الذاتية والإمكانيات الداخلية. فإن لدينا الكثير من الطاقات غير الفعالة التي يجب تفعيلها وتنشيطها، وهذا هو العمل الأهم. وذاك بالطبع ضروريّ إلی جانب هذا، ولكن لا ينبغي إناطة كل شيء بمجيء الأجانب إلی هنا لاستثمار أموالهم. وأحياناً يقال بأنهم يجلبون التقنيات الحديثة معهم، وهذا جيّد ولا ضير فيه، ونحن نوافق علی أن يجلبوا التقنيات الحديثة، ولكن إن جلبوها! وإن لم يجلبوها، فقد ذكرت بأن شبابنا الذين تقدّموا في تقنيات النانو، وفي الطاقة النووية، وفي الصناعات التِقْنيّة المعقّدة، ودخلوا في الكثير من المجالات في عداد الدول الخمس أو الست أو العشر الأوائل في العالم، ألا يمكنهم إيصال آبار النفط لدينا إلی الإنتاج الأفضل؟ أو إصلاح مصافي البترول عندنا؟ أو قطاعات أخری نحتاج فيها إلی تقنية أجنبية حديثة؟ علماً بأننا نوافق فيما لو تم نقل التكنولوجيا خلالتعاملنا مع الأجانب، ولا نعارض هذا الأمر.
التفتوا جيداً!إن المحلّلين في الشؤون الاقتصادية والسياسية أخذوا اليوم في العالم يراهنون علی الاقتصاد المقاوم في بلدنا، فانظروا كم له من الأهمية والحساسية. حيث باتوا يتداولون الأمر ويراهنون علی أن الاقتصاد المقاوم الذي طُرح في إيران، هل سيؤتي ثماره أم لا! وهذا ينبئ عن مدی أهمية الموضوع. إذاً فالاستقلال يرد بهذا المعنی. وهذا هو المؤشر الثالث الذي طرحناه.
المؤشر الرابع هوالحساسية تجاه العدو. فلنعرف العدو، ولتكن لدينا حساسيتنا تجاه تحركاته. وأولئك الذين كانوا في جبهات القتال إبّان الدفاع المقدس، يعلمون بأن هناك في المقرات أناساً كانوا يرصدون أدنی حركة للعدو، ويتحسّسون منها: فعلی سبيل الفرض، قام العدو اليوم بهذا الانتقال والتحرك، فما هو السبب؟ ولماذا عمد إلی ذلك؟فكانوا يبحثون عن العلل والأسباب. وهذه هي الحساسية تجاه تحركات العدو. فلنعرف العدو، ولنحدّد مخططاته، ولنكن حساسين تجاه أفعاله وأقواله وتصريحاته، ولنعدّ مضاداً للتسمّم في مواجهة السمّ الذي قد يدسّه، ولنكن جاهزين لإفشال حركاته. وهذه هي الحساسية تجاه العدو.
العداء: طبيعة نظام الهيمنة
ولكن ما هي النقطة المعاكسة للحساسية؟ النقطة المعاكسة هي أن البعض يُنكر أساس وجود العدو. فإن تحدثنا عن وجود عدوّ يعادينا، قالوا: «إنكم تعانون من الوهم؛توهّم المؤامرة ونظرية المؤامرة». وباعتقادي إن طرح توهّم المؤامرة هو مؤامرة بحد ذاته، لأنه يحدّ من الحساسيات. يقولون: «ما هو العدو؟ وأين هو العِداء؟»، ويُنكرون بذلك أوضح الأمور. نحن نقول بأن أمريكا عدوّة الثورة، والطبيعة الذاتية لنظام الهيمنة تقتضي أن يعادي نظاماً كنظام الجمهورية الإسلامية، لأن مصالحهما تختلف 180 درجةالواحدة عن الاخرى. فإن نظام الهيمنة  هو من أهل الخيانة، وإشعال نيران الحروب، وتأسيس وتنظيم الجماعات الإرهابية، وقمع المجموعات التحررية، وممارسة الضغوط علی المظلومين – كالفلسطينيين وأمثالهم -، وهذه هي طبيعة نظام الهيمنة. ولكم أن تنظروا إلی أنه منذ ما يقرب من مئة عام وأمريكا وبريطانيا تمارسان الضغوط علی الشعب الفلسطيني – سواء قبل تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948 أو بعده إلی يومنا هذا -.. هذه هي حركة نظام الهيمنة. لكن الإسلام لا يستطيع أن يلتزم الصمت حيال ذلك، والنظام الإسلامي لا يمكنه أن  يقف مكتوف اليدين  متفرجاً علىهذه الممارسات.
إن نظام الهيمنة يدعم البلد الذي يمطر شعب اليمن بالقنابل بصورة مباشرة، وأمريكا تساعد علی قصف اليمن بوضوح وصراحة وبشكل مباشر، ولكن قصف أيّ المواقع؟ قصف جبهات القتال؟ كلا، بل قصف المستشفيات والأسواق والمدارس والساحات الشعبية العامة، ومع ذلك تساعدهم أمريكا. فالنظام الإسلامي لا يستطيع أن يمر علی هذه الأحداث من دون اكتراث. ومن هنا فهما يتخاصمان ويتعارضان في ذاتهما. فكيف يمكن إنكار هذا العِداء؟
إنّ أمريكا هي التي أطلقت انقلاب الثامن والعشرين من مرداد ]19/8/1953[، وأطاحت بالحكومة الوطنية، وأخذت تعادينا منذ انتصار الثورة وحتی يومنا هذا، وكانت قد أسست السافاك في عهد الطاغوت، وهو جهاز لتعذيب الناس والمجاهدين، ودعمت عدوّنا في حرب الأعوام الثمانية أقصی حالات الدعم الممكن، وأسقطت طائرتنا المدنية، وقصفت منشأتنا النفطية، وفرضت علينا الحظر؛ أفلا يعدّ هذا عِداءً؟
وأيما فردٍ أو تيارٍ يعمل للإسلام وباسم الإسلام، إذا ما وثق بأمريكا،فإنه يكون قد ارتكب خطأً كبيراً، وسيتلقی صفعة وضربة من ذلك، كما حصل هذا بالفعل. ففي السنوات الأخيرة نجد بعض التيارات الإسلامية، وتحت ذريعة التفكير بالمصالح، والعقل السياسي – حيث يعبّرون عنه بالعقل -، والتكتيك – قائلين إنها حركة تكتيكية -، قد صادقوا الأمريكيين، ووثقوا بهم، فتلقّوا ضربتهم وصفعتهم، ومازالوا يعانون من مغبة عملهم ومصائبه حتى اليوم. فكلّ من يسير باسم الإسلام وفي سبيل الإسلام، إذا وثق بأمريكا، فإنه يرتكب خطأً كبيراً.

 “فلا بدّ من معرفة العدو”
بالطبع نحن  لدينا أعداء كبار وصغار، وأعداء يتسمون بالحقارة والدونية،إلّا أن أساس العِداء يأتي من قبل أمريكا ومن قبل بريطانيا الخبيثة – وهي خبيثة حقاً، فإنه منذ زمنٍ بعيد، ومنذ أوائل نظام الطاغوت وحتی انطلاقة الثورة، وفي أيام النضال وما بعدها حتی انتصار الثورة وإلی يومنا هذا، دأبت بريطانيا علی معاداتنا باستمرار، وفي الوقت الراهن أيضاً وفي الذكری السنوية لرحيل الإمام الخميني، عمد الجهاز الإعلامي للحكومة البريطانية إلی نشر ما يسمی بوثيقة ضدّ إمامنا الجليل الطاهر المطهّر! ولكن من أين جاؤوا بهذه الوثيقة؟ من وثائق أمريكية! غير أن أمريكا التي تقوم بإسقاط طائرة مدنية تُقِلُّحوالى ثلاثمئة راكب، هل ستمتنع عن تزوير الوثائق؟ هكذا هو عِداء البريطانيين- وكذلك  الكيان الصهيوني المشؤوم والسرطاني، فهؤلاء هم أعداؤنا الرئيسيون.
فلا بد من معرفة هذا العدو، وينبغي إظهار الحساسية تجاه ممارساته، بل وحتی لو قدّملنا وصفة اقتصادية، يجب التعامل معها بحيطة وحذر. وذلك كما لو أنعدوّاقدّم لك دواءً، وقال لك تناوله لمعالجة المرض الفلاني، فإنك ستتوخی الحيطة والحذر، لأنه من المحتمل أن يكون قد دسّ السمّ في هذا الدواء. وكذلك وصفة العدو السياسية والاقتصادية، لا بد وأن يتم التعامل معها بحيطة وحذر. وهذه هي الحساسية تجاه العدو. علماً بأن هذه الحساسية لو توافرت، لما بقي للتبعيّة أثر، وقد ذكرنا بأن عدم التبعية هو الجهاد الكبير بعينه. وهذا بدوره هو المؤشر الرابع.
﴿قُوا أَنفُسَكُمْ﴾
والمؤشر الخامسوالأخير، التقوی الدينية والسياسية، وهي غير التقوی الفردية التي هي الأخری ضرورية كذلك. فإن لدينا تقوی فردية، وهي أن نتجنّب – أنا وأنتم – الذنوب، وأن نصون أنفسنا، ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[10]، وأن نعمل علی الابتعادعن جهنم، وعن نار غضب الله. هذه هي التقوی الفردية. والتقوی الاجتماعية- أو التقوی الإسلامية المرتبطة بالمجتمع والاجتماع الإنساني – هي أن نبذل جهدنافي سبيل تحقق الأمور التيطالبنا الإسلام بها. فإن جميع المبادئ التي ذكرناها، هي مبادئ إسلامية؛ أي إن القضية ليست مجرد حساب عقلائي. وقولنا بضرورة التمسك بالمبادئ والأهداف، ووجوب تحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم المحرومين، ومساندة المظلومين، ومواجهة الظالمين والمستكبرين وعدم الرضوخ لهم، هي كلها واجبات ومسؤوليات إسلامية، قد طالبنا الإسلام بها، وليست مجرد حسابات عقلائية وإنسانية، وإنما هي تكليف ديني. وكلُّ من يفصل هذه الأمور عن الإسلام، فهو لا يعرف الإسلام. وكلُّ من يُبعد مجال الإسلام المعرفي والعملي عن بيئة حياة الناس الاجتماعية والسياسية، فهو جاهل بالإسلام لا محالة. إذ يخاطبنا القرآن قائلاً: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[11]، عبودية الله وهي التسليم أمام الله، واجتناب الطاغوت، ويقول في آية أخری: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾[12]. هذه أوامر القرآن. ونحن حيث نوصي أنفسنا وشعبنا وشبابنا ومسؤولينا بالشعور بالمسؤولية تجاه هذه الأمور، فهي ليست مجرد توصيات عقلائية وسياسية، وإنما هي تكاليف دينية، ومراعاتها تؤدي إلی التحلي بالتقوی الدينية. إذاً فهذه هي التقوی الدينية، والتقوی السياسية تنضوي تحت لوائها، فلو تحققت التقوی الدينية، ستتحقق التقوی السياسية إلی جانبها أيضاً. والتقوی السياسية تعني ابتعاد المرء عن المزالق التي يستطيع العدو استغلالها.
الوصية الأولى: الاهتمام بمآثر الإمام
وفي الختام أودّ أن أوصي ببعض الوصايا. إنّ الإمام الخميني يعتبر في خارطة الطريق التي ذكرناها، قدوة وأسوة كاملة حقاً.وهو يقف علی القمة في جميع هذه المؤشرات. فلقد عاشرنا الإمام لسنوات طويلة وبأشكال مختلفة، سواءٌ حين كان يمارس التدريس في قم، أو حين تم نفيه إلی النجف، أو حين تسلّم مقاليد الحكم وصار علی قمة الشهرة السياسية الدولية، وشاهدنا الإمام في جميع هذه الحالات، والحق يقال إنه كان يتسم بأعلی الدرجات في جميع هذه المؤشرات التي ذكرناها. فأولوا اهتمامكم بأقوال الإمام وأفعاله، وقوموا أيها الشباب الأعزاء بمطالعة صحيفة الإمام ووصيته والأنس بها والتعمّق فيها. هذه هي التوصية الأولی.
بالتجربة: الأمريكي ناقض للعهود
والتوصية الثانية هي أننا اكتسبنا تجربة في المفاوضات النووية، فلا ينبغي لنا نسيانها. وهذه التجربة هي أننا حتی لو تنازلنا، فإن أمريكا لن تقلع عن دورها المخرّب الهدّام، وهذا ما جرّبناه في المفاوضات النووية. فقد اجتمعنا مع دول الـ5+1 وتفاوضنا معهم، بل وحتی مع الأمريكيين في اجتماع منفصل، لمعالجة القضية النووية، فتوصّل إخواننا بمساعيهم الدؤوبة إلی نقاط مشتركة ونتائج محددة، وتعهّد الجانب الأمريكي أيضاً بجملة من التعهدات، فعملت الجمهورية الإسلامية بتعهّداتها، غير أن الجانب الآخر،وهو الناقض للوعود والناكث العهود والمخلف للحساب، تراجع عما وعد به، وها هو لا يقوم بالتزاماته، هذا ما فعله حتی الآن.حسناً جداً، هذه تجربة. وبالتأكيد فإن كثيراً من الناس كانواعلی معرفة بذلك قبل هذه التجربة أيضاً، ولكنّبعض أولئك الذين كانوا لا يعرفون، عليهم أن يعرفوا حالياً؛ بأنكم إن تفاوضتم وتباحثتم مع أمريكا في أي ملف آخر، وتراجعتم وقدمتم التنازلات، فإنها سوف تحافظ علی دورها التخريبي الهدّام، في جميعالقضايا، بما في ذلك  قضاياحقوق الإنسان، والصواريخ، والإرهاب، ولبنان، وفلسطين.ففي أي قضية تنازلتم – علی فرض المحال – عن مبادئكم وأسسكم وأعرضتم عنها، فاعلموا أنها لا تتنازل،وستزل الى الساحة بادئ الأمر بالكلام والابتسامة، ولكنها في مرحلة العمل، ستنقض الوعد في إنجاز ما تعيّن عليها إنجازه، ولن تلتزم بتعهداتها، وهذه تجربة للشعب الإيراني فاغتنموها؛ هذه هي التوصية الثانية.
الحفاظ على الوحدة رغم الاختلاف
والتفتوا إلی التوصية الثالثة، وعندها لربما ستعيدون النظر قليلاً في بعض الشعارات. التوصية الثالثة هي أن لا تزعزعوا الاتحاد القائم بين الحكومة والشعب. فإنك قد تعجبك حكومة، ولا تعجبك حكومة أخری، والآخر قد لا تعجبه تلك الحكومة، وتعجبه هذه الحكومة، وهذا أمرٌ ممكن، ولا ضير فيه. فالمنافسات الانتخابية في محلها، والاختلاف في الآراء في محله، بل وحتی الانتقاد أيضاً في محله، ولكن يجب علی الحكومة والشعب أن يقفا جنباً إلی جنب، وهذا يعني أنه إذا طرأت حادثة تهدّد البلاد، یجب علی الحكومة والشعب أن يتعاضدا ويتآزرا لمواجهتها. فلا تعملوا علی إثارة الشقاق والشحناء، وحافظوا علی الوحدة بين الحكومة والشعب، وهذه هي واحدة من توصياتي في عهد جميع الحكومات التي كنتُ قد تقلّدتُ المسؤولية في زمانها بعد رحيل الإمام، رغم اختلافها في سياساتها وفي توجهاتها. فعلی الشعب أن يواكب الحكومة ويسايرها ويحافظ علی الوحدة معها، وهذا لا يتنافی مع الانتقاد أو الكلام أو المطالبة، وهي أمورٌ لا إشكال فيها، والمنافسات الانتخابية أيضاً في محلها. كما يجب علی السلطات الثلاث – الحكومة والمجلس والسلطة القضائية – كذلك أن تتوحد فيما بينها، وهذا أيضاً لا يتعارضمع قيام المجلس بواجباته تجاه الحكومة، والعمل بوظائفه المصرّح بها في الدستور، من السؤال، والمطالبة، وسنّ القوانين، والاستجواب، وأمثال ذلك، ولكن يجب علی السلطات أن تتكاتف بعضها معبعض، وأن تقف في قضايا البلاد الأساسية تحت مظلة واحدة، وهذا واجب الجميع، بمن فيهم القوات المسلحة، وأبناء الشعب. إذاً هذه هي توصيتنا الثالثة. فلا تسمحوا للمشاعر الشخصية أو الفئوية أو مطلق المشاعر والأحاسيس، أن تتغلّب علی المنطق. فالمنطق يقضي بأن يشعر العدوّ بوجود التلاحم والتكاتف في هذا البلد، إذا ما شاهد أوضاعه عن بعد. وأما أن تُطلق كلمات يُستقی منها وجود تخاصم وثنائية في التيارات والتوجهات والقطبية في داخل أبناء الشعب أو داخل مجموعة النظام، فهذا ما يلحق الضرر بالبلاد.
والتوصية الرابعة هي أن مواجهة أمريكا، تمثل الوقوف أمام جبهة. فإن هناك جبهة تقف أمريكا في قطبها ومركزها، إلا أن امتداداتها تنتشروتنسحب إلی أماكن أخری، بل وحتی تمتد إلی داخل البلد أيضاً، فلا تغفلوا عن ذلك.ومراقبة تحرّكات أمريكا العِدائية، تعني أن تراقبوا هذه الجبهة بأسرها. واعلموا أن العداء والخصام لا يصدر من قِبَل الجهاز الأمني في أمريكا وحسب، بل قد تكون لهذا الجهاز الأمني أصابع تظهر بصورة حكومات إقليمية أو بصورة أخری.
والتوصية الخامسة هي ضرورة أن تكون المسافات والخطوط الفاصلة مع العدو ملحوظة وبارزة. فلا تسمحوا بأن تتضاءل الخطوط الفاصلة مع العدوّ الذي يعادي الثورة والنظام والإمام الخميني. فإن بعض التيارات الداخلية قد غفلت عن هذه النقطة، ولم تحافظ علی الخطوط التي تميزها عن العدو، حتی أصبحت هذه الخطوط باهتة وضعيفة. وحال هذه القضية حال خطوط البلد الحدودية التي إن أُزيلت، قد تؤدي إلیأن يدخل من ذلك الجانب أحدٌ إلی هذا الجانب خطأً، وأن يذهب من هذا الجانب أحد إلی ذلك الجانب خطأً، فحافظوا علی الخطوط الحدودية.
التوصية السادسة والأخيرة هي أن تعتمدوا وتثقوابوعد الله القائل: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾[13].
اعلم أيها الشعب العزيز،أيها الشباب الأعزاء، بأنكم أنتم المنتصرون رغم أنف العدو.
اللهم! احشر إمامنا العزيز مع أوليائه.
اللهم! احشر شهداءنا الأعزاء مع شهداء صدر الإسلام.
اللهم! أنزل هدايتك وتأييدك وتسديدك وعصمتك علی كل من يخدم هذا البلد في أي مكان وبأي زيّ وشكل.
اللهم! اجعل القلب الأقدس لولي العصر راضياً عنا، واجعلنا من المشمولين بدعاء ذلك الإنسان العظيم.
اللهم! اجعل أقوالنا وأفعالنا لوجهك وفي سبيلك، وتقبّلها منا بكرمك.
اللهم! بمحمد وآل محمد، اجعل محيانا ومماتنا في هذا السبيل.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته‌

المصدر: خاص

البث المباشر